في وسط العاصمة الأردنية عمّان، وعلى ناصية طريق الملك حسين مقابل مطعم القدس العريق، يحتفظ غازي خطاب بمساحة لا تتجاوز 160 مترًا، لكنها تحمل إرثًا فريدًا. هناك، أسس خطاب أول متحف من نوعه في العالم يضم "الآرمات" أو اللافتات القديمة التي زينت واجهات المحلات والمباني على مدى عقود طويلة، ليجعل منها سجلًا بصريًا يوثق تاريخ المدينة وسكانها.
بدأت قصة غازي خطاب قبل نحو نصف قرن، حين عاد من ألمانيا بعد أن درس التصميم والرسم. منذ ذلك الوقت، نما شغفه بجمع الآرمات القديمة التي كان يتوقع أن تصبح يومًا شاهدًا على تاريخ المدينة. أول لافتة حصل عليها تعود لعام 1949 وتحمل اسم "المخزن الملكي الهاشمي"، وما تزال محفوظة حتى اليوم بروحها الأصلية، شاهدة على زمن مضى.
الف لافتة
يضم المتحف اليوم أكثر من ألف لافتة قديمة. زواره من العرب والأجانب يؤكدون أنهم لم يجدوا مكانًا مشابهًا في متاحف العالم، رغم زيارتهم لعشرات الدول. أحد الزوار السعوديين، الذي زار 160 دولة، وصف المتحف بأنه تجربة فريدة توثق تاريخ المدن بأسلوب نادر.
بين اللوحات المعلقة، يمكن للزائر أن يتجول بين أسماء محلات ومكاتب وعيادات ومطاعم اندثرت من عمّان، لكن آرماتها بقيت لتروي قصص أصحابها. بعضها مهشّم وبالي اعتلاه الصدأ، لكن غازي يختار أن يحفظه كما هو، فيما يعيد ترميم البعض الآخر ليبقى شاهدًا على حقبة من الزمن.
الخط العربي
المتحف يوثق أيضًا فن الخط العربي عبر أسماء خطاطين كبار مرّوا بعمان مثل أنطوان باسيل الذي اشتهر برسوماته في كنائس مأدبا، وأحمد كرد علي القادم من بلاد الشام، والخطاط سبانخ الذي نزح من يافا بعد النكبة وأدخل نمطًا جديدًا لصناعة اللافتات. كل لافتة هنا تحمل توقيعًا مميزًا وإبداعًا مختلفًا.
من بين أبرز المقتنيات لافتة "مدرسة الأردن الثانوية للبنات" التي تأسست عام 1966، وتعيد الذاكرة إلى نظام التعليم القديم وأرقام الهواتف الخماسية وصناديق البريد البسيطة. كما يحتفظ المتحف بلافتات لمحلات أقمشة نادرة مثل "أجواخ كوبونات نوفوتيه"، وأخرى لمكاتب وعيادات شكلت جزءًا من الحياة اليومية للعمانيين.
الزوار يجدون في المتحف تجربة إنسانية عميقة. إحدى الفتيات كتبت في دفتر الزوار: في اللحظة التي دخلت فيها هذا المكان استقبلتني شخصيات لم أقابلها في حياتي، لكنها قالت لي كل شيء وسارت معي في الزوايا…"، ثم عادت بعد عام لتكتب: "أتيت أبحث عن بعض نفسي التي تركتها في زيارتي السابقة، وغادرت بعد أن تركت بعضًا آخر."
متحف الآرمات ليس مجرد مكان لحفظ لوحات قديمة، بل هو ذاكرة نابضة لمدينة عمّان، ورسالة حب من مؤسسه غازي خطاب إلى مدينته وأهلها، وإرث إنساني يوثّق لحكايات من مرّوا بالعاصمة وتركوا بصماتهم فيها.
[email protected]
أضف تعليق