بقلم:
رلى داوود -المديرة القطرية المشاركة في حراك نقف معًا
سندس عنبتاوي - عضو قيادة في الحراك ومُنظِّمة مجتمعية

لم يكن اختيار اسم "بس مع بعض منقدر" لحملة الحصانة الاجتماعية التي أطلقها الحراك مؤخرًا، لمجرد كونها جملة يسهل ترديدها وقريبة من الحديث اليومي للناس، فلسنا في صدد دعاية انتخابية لرئاسة سلطة محلية، ولا للموضوع أي أهداف اعلانية أصلًا وإلا لكان الاختيار قد وقع على عبارة أقصر، كل ما في الأمر أننا بحثنا عن جملة تقول الحقيقة كما هي، بكامل الصراحة، أن مشاكلنا الأساسية كمجتمع فلسطيني عربي داخل الخط الأخضر، أو داخل اسرائيل، حتى تلك التي تُفرض علينا ضمن مخططات وسياسات ممنهجة، مشاكلنا كلها، نستطيع تجاوزها أو على الأقل تذليلها وتقليصها، اذا عملنا بشكل موحد، مع بعض، وبشكل ممنهج وباستمرارية حقيقية.

عند الحديث عن مشاكلنا كمجتمع، تطفو دائمًا على السطح مشكلة أو آفة العنف والجريمة، فهي بلا شك، أصعب ما نواجهه، فمقتل وإصابة المئات من أبناء وبنات مجتمعنا سنويًا، بنسب وأرقام جنونية تتفوق حتى على دول اشتهرت بسيطرة عصابات الاجرام، هو أمر أكبر من أي شيء آخر يمكن أن نواجهه، فلا قيمة تعلو على قيمة الحياة، على قيمة الأمن الشخصي. ونحن نعيش في وضعية، أمننا الشخصي مهدد بشكل كامل وبشكل يومي، وليس في هذا الوصف أي مبالغة.

ولهذا، ولأن هذه الآفة تؤثر فينا، بل وتؤرقنا، أكثر من غيرها، فإن الحديث عن اطلاق حملة الحصانة المجتمعية والعمل عليها، كان بمعظمه عن هذه العنف والجريمة، رغم أن الهدف من الحملة، أوسع من ذلك، بناء حصانة مجتمعية في وجه كافة الآفات والقضايا، على رأسها العنف والجريمة نعم، ولكن أيضًا، مشاكل الأرض والمسكن، هدم البيوت، القوانين والممارسات العنصرية، المشاكل الاقتصادية، قضايا الحكم المحلي وغيرها من المشاكل التي يعاني منها المجتمع العربي، وبلا أدنى شك، كل ما يتعلق بالحرب على غزة وكل ما يحصل في الضفة والقدس، وهي مواضع سياسية ينشط الحراك بها أصلًا قبل الحملة، والنشاط حولها مستمر خلال الحملة أيضًا.

بعد أن ركزت الحملة في الفترة الأولى من انطلاقها على قضايا العنف والجريمة وكل ما يتعلق بالأمن الشخصي والنقاشات داخل المجتمع وظاهرة الهجرة، في الأسبوع الأخير، وبعد قرار الحكومة باحتلال غزة واستمرار التجويع، تركز الحملة على نشاطات تتعلق بوقف الابادة والتجويع في غزة، مع الاستمرار بالحديث والاحتجاج حول موضوع العنف والجريمة، ومع استمرار نشاطات الحراك ضد الحرب بمعزل عن الحملة.

على سبيل المثال، نهاية هذا الاسبوع، نظمت وقفات في طمرة واكسال وباقة الغربية وبلدات أخرى، ضد استمرار حرب الابادة والتجويع، ونظمت وقفة في جسر الزرقاء ضد العنف والاجرام داخل المجتمع. وشارك الحراك في مظاهرة تل أبيب ضد الابادة والتجويع التي دعت اليها لجنة المتابعة العليا.

حتى الآن، من يراقب أو من شاهد الحملة، قد يلاحظ أن الحديث عن حملة اعلانية، في لوحات الاعلانات ووسائل التواصل الاجتماعي وفي المواقع والصفحات الاخبارية، وعن وقفات وتظاهرات في بعض البلدات، لكن بجانب هذين الأمرين أو المسارين المهمين للغاية، فإن ما تتخلله الحملة وما تهدف اليه أكبر من ذلك، فالفكرة من تعزيز الحصانة الاجتماعية، هو أن يكون المجتمع في كل حي أو بلدة أو منطقة أو موحد ومنظم وجاهز لمواجهة أي مشكلة يتعرض لها، وأن يبدأ بمعالجتها فورًا، بحلها أو وضع خطة طريق لمواجهتها والحد من أضرارها وتبعاتها، والخطوة الأولى لأمر كهذا هي التنظم، وهنا تكمن الخطة التي تتضمنها الحملة، بأن تقام مجموعات في كافة البلدات، مجموعات منظمة تعمل بشكل منسق وتسعى لمواجهة ومكافحة أي مشكلة تحصل، وهذا الأمر لا يمكن أن يبدأ دون ملامسة المشاكل والقضايا والقصص عن قرب، دون الشعور بها، ومن هنا جاءت فكرة حلقات الاصغاء، التي ننظمها ضمن الحملة، حلقات في مختلف البلدات، يستمع الناس فيها لقصص لأشخاص عانوا من الظواهر السلبية بالمجتمع، وبالأساس من العنف والجريمة، أشخاص فقدوا أقرباء لهم أو أصيبوا أو تضرروا شخصيًا، والهدف هو أن يسمع المجتمع عن هذه القصص، ليس من الاعلام فحسب، وأن يدفعه هذا ويشجعه للتنظم والتحرك.

"بس مع بعض منقدر" أن نواجه مشاكلنا وآفاتنا وأن نغير واقعنا، مع معرفتنا ووعينا الكامل أن قسم كبير من هذه المشاكل، غير متعلقة بنا كمجتمع، بل بسياسات ممنهجة، لكن حتى هذه السياسات، ليس بيدنا إلا أن نواجهها بشكل موحد، ولكن الأهم، مُنظّم.


الصورة- رلى داوود وسندس عنبتاوي
تصوير:ميخا لوبتون

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]