- تمر الضفة الغربية بمرحلة شديدة التعقيد، وسط أزمات متداخلة سياسياً واقتصادياً وأمنياً، تجعلها أقرب الى حافة "انفجار بطيء" قد تتسارع ملامحه مع انسداد الأفق السياسي وتآكل الثقة الشعبية بمؤسسات السلطة الفلسطينية، في ظل الضغوطات الإسرائيلية والعجز المالي المتصاعد.
التسونامي الصامت في الضفة الغربية
ترافق ذلك مع تحذير اطلقه رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب لصحيفة يديعوت احرنوت من "تسونامي صامت" يغيّر ملامح الضفة الغربية، حيث تكثف الحكومة الإسرائيلية الاستيطان بهدف الوصول إلى مرحلة "اللاعودة" نحو واقع الدولة الواحدة بين البحر والنهر.
ويضيف " ورغم هذا التحول الجذري، يلتزم الفلسطينيون صمتًا يعكس يأسًا متزايدًا من أي حل سياسي أو من قيادتهم الحالية، ما يدفع شريحة متزايدة، خصوصًا الشباب، لتأييد فكرة الدولة الواحدة بشرط الحصول على حقوق متساوية ومواطنة كاملة.
أزمة مالية خانقة واحتجاز للأموال
تُعاني الحكومة الفلسطينية من أزمة مالية خانقة، احد أسبابها الرئيسية استمرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي باحتجاز أموال المقاصة، والتي تُقدّر بنحو 800 مليون شيكل شهريًا، وهي تمثل أكثر من 65% من إيرادات السلطة. ومع غياب الدعم الدولي وانخفاض المنح الخارجية، باتت الحكومة عاجزة عن توفير رواتب كاملة لموظفيها، مترافقا مع تراجع الأنشطة الاقتصادية الشاملة، بما فيها التجارة الخارجية.
تآكل اقتصادي وتصاعد للبطالة
تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن نسبة البطالة في الضفة الغربية بلغت نحو 25%، فيما وصلت معدلات الفقر إلى أكثر من 30%. ناهيك عن الفقر المؤقت الذي أصاب شريحة واسعة من العاملين في القطاع العام، بسبب عدم انتظام صرف الرواتب. كما يشهد القطاع التجاري والصناعي تراجعًا ملحوظًا، خاصة في محافظة الخليل التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الفلسطيني، بفعل الحواجز العسكرية والبوابات الحديدية التي تعزل المدن وتعيق الحركة.
عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة محافظة الخليل، كامل الحسيني، أوضح أن "البوابات والمعابر، تعرقل الصادرات والواردات، وتزيد تكاليف النقل، ما دفع الشركات لتقليص نشاطها أو إغلاقها، مع انعكاسات سلبية واضحة على الاقتصاد الوطني".
ويشهد القطاع الصناعي تراجعًا بنسبة 15% خلال العامين الماضيين، إلى جانب تراجع حركة البيع والشراء في الأسواق بنسبة 10%، ما يزيد من أعباء التجار والمزارعين.
وأكد الحسيني أن "الأزمة الحالية نتيجة تراكم حصار إسرائيلي، وضعف الدعم المالي، وقلة الفرص الاستثمارية، الأمر الذي يتطلب تدخلات عاجلة".
بين الثقة والمكاشفة.. أزمة ثقة أم أزمة معلومات؟
تشهد العلاقة بين المواطن والحكومة تحدّيات على مستوى الثقة، ويُعزى ذلك لدى عدد من المراقبين إلى الحاجة لمزيد من الوضوح في عرض المعطيات المالية وآليات إدارة الأزمة، ويرى هؤلاء أن محدودية الإفصاح أسهمت في اتساع فجوة الفهم لدى الجمهور.
وفي هذا الإطار، يؤكد نائب رئيس غرفة تجارة وصناعة محافظة الخليل، الأسبق ، الأستاذ عبد الحليم شاور التميمي، أهمية تبنّي الحكومة نهج المكاشفة المنظَّمة بشأن الوضع المالي وخارطة الطريق للخروج من الأزمة، موضحًا أن تركيز النقاش العام على نسب الرواتب ومواعيد صرفها أدخل شرائح واسعة في حالة من القلق بانعكاساتٍ اقتصادية واجتماعية.
ويضيف التميمي، وهو ناشط في الأعمال التجارية والصناعية، أن "المجتمع الاقتصادي يترقّب ترجمة إجراءات ترشيد الإنفاق التي أُعلن عنها إلى خطواتٍ عملية قابلة للقياس، بما يُطمئن المواطنين ويعزّز الثقة عبر نتائج ملموسة على الأرض , في سبيل نشر وعي شامل".
الاحتلال يحاصر المدن.. والانفجار يلوح في الأفق
تستخدم إسرائيل أدوات متعددة لتضييق الخناق على الفلسطينيين، أبرزها البوابات الحديدية على مداخل المدن، التي تعزل مناطق بكاملها كما في الخليل وبيت لحم. كما تصعّد سلطات الاحتلال من الهجمات الاستيطانية، خاصة من خلال ما تسمى المستوطنات الرعوية، التي تهاجم أراضي ومساكن المواطنين في جنوب الخليل، لإجبارهم على الرحيل.
خبراء: نحن أمام "تآكل تدريجي" قد ينفجر فجأة
يُحذر خبراء ومحللون اقتصاديون من أن التآكل في البنية الاقتصادية والاجتماعية للضفة الغربية، قد يصل إلى نقطة انفجار، في ظل الضغوط السياسية الإسرائيلية، ومحاولات تفتيت الضفة مع استمرار الحصار المالي، وتراجع مستويات الدخل، وفقدان الأمل بحلول قريبة، شكّل حالة مركّبة من الضغط المتراكم، وهذا "الانفجار" قد لا يكون شعبياً فقط، بل اجتماعياً وأمنياً، في ظل انسداد سياسي مطلق.
الضفة الغربية تواجه تحديا مركبا، يتطلب تضافر جهود داخلية وخارجية عاجلة، لضمان استقرار الوضع الاقتصادي والسياسي، مع توفير الدعم الدولي والعربي، إلى جانب تعزيز الشفافية الداخلية، فهما المفتاحان الأساسيان لمنع الانفجار البطيء وتحويل التدهور إلى فرصة للإصلاح والتنمية.
[email protected]
أضف تعليق