القيمة الفنيّة: داليت متتياهو
يفتتح متحف تل أبيب للفنون المعرض الفردي الأوسع للفنانة الفلسطينية حنان أبو حسين (مواليد 1972، أم الفحم)، والذي يمتد من 22 أيار وحتى 18 تشرين الأول 2025.
يحمل المعرض عنوان "كسر حدود"، ويقدّم تجربة غامرة تستعرض ما يقارب ثلاثة عقود من أعمال الفنانة، التي باتت تُعدّ من أبرز الأصوات النسوية الفلسطينية في مجال الفن المعاصر.
حنان أبو حسين، خريجة كلية "بتسلئيل" للفنون، وحاصلة على شهادة امتياز وعلى درجة الماجستير في تاريخ الفن، تُعدّ الفنانة الفلسطينية الأكثر حصولًا على الجوائز الفنية المحلية، وآخرها جائزة رابابورت للفنانة المخضرمة.
مسيرة فنية جريئة ومتحدّية
تتناول أعمال أبو حسين موضوعات مسكوتًا عنها مثل العنف ضد النساء، جرائم "الشرف"، جسد المرأة كموضوع اجتماعي-سياسي، ومكانة النساء في المجتمعات العربية المحافظة. هذه التوجهات الشجاعة أدّت إلى تهميشها في العديد من المنابر الإعلامية العربية وصالات العرض، رغم عرض أعمالها في أهم المتاحف والمعارض داخل البلاد وخارجها.
أبو حسين تنتمي إلى مدرسة "الفنانة الاستوديو"، وتستوحي أعمالها من خلفية ثقافية غنية تشمل الفنون، الجندر، والفلسفة. تأثرت منذ طفولتها بكتابات وبحوث نسوية عربية، ما شكّل وعيًا عميقًا وراسخًا بقضايا النساء وتحدياتهن في المجتمعات العربية، وهو ما ينعكس في مجمل إنتاجها الفني.
لغة المواد كمنصة للسرد
تميّزت أبو حسين باستخدامها لمواد "غير تقليدية" في تاريخ الفن مثل الشعر، الطحين، الزيت، الملح، الصوف، الإبر، دبابيس الأمان، النايلون، السكاكين، الخيوط... فحوّلت هذه المواد إلى منشآت ومجسّمات تعكس الألم الفردي والوجع الجمعي للنساء.
في إطار مشروعها الفني الممتد من عام 1998 وحتى 2025، طورت الفنانة سلسلة من الأعمال التي تبدأ بفكرة وتنضج عبر سنوات. على سبيل المثال، عالجت موضوع الجسد الأنثوي عبر أجزاء حميمة مصنوعة من النايلون والشعر، وتطوّر هذا الموضوع إلى عمل مركّب ضخم على هيئة ستارة ضخمة عُرض في "كسر حدود"، وأبهر الزوّار الذي بلغ عددهم أكثر من 600، بينهم فنانين، أكاديميين ونقّاد.
أبرز الأعمال المعروضة:
• ستارة من الصوف الخام بارتفاع 8 أمتار، تُحاكي شلالات ذهبية بفضل تداخلها مع الإضاءة، وتُقدَّم كتحوّل جمالي من مادة أولية إلى رمز للحماية والدفء.
• عمل بعنوان "السمندرة" (2014)، يضم أكثر من 1000 إبرة محشوة بـ700 - 1000 بكرة خيط، وتطوّر العمل في نسخته لعام 2025 ليصل إلى ارتفاعات جديدة، ويعكس ثيمة الترميم والألم في آن.
• ثلاث لحف تقليدية بألوان الأحمر، الأخضر، والتوركواز، إحداها بطول 15 مترًا، تمثل الأمهات المجهولات اللواتي منحن الدفء لعائلاتهن رغم الغياب.
• جدار من الأمشاط (220 مشطًا)، كناية عن أدوات تزيين قد تتحول - بصلابتها - إلى أدوات قاتلة، في إشارة تضامنية مع النساء المقتولات في السنوات الأخيرة.
• 230 زوجًا من الأحذية النسائية المصنوعة من السيراميك ومغطاة بالباطون، كرمز لثقل الواقع ومكانة المرأة في المجتمع.
• فستان طفل مصنوع من الرماد، يثير مشاعر الفقد المرتبطة بضحايا الحروب من الأطفال.
• عمل فيديو بعنوان "رُقية"، تُظهر فيه والدة الفنانة وهي تتلو طقوسًا تراثية لطرد الحسد، تعبيرًا عن الرابط الروحي العميق بين الفنانة وأمها، وتقديرًا للدور النسائي في تكوين الوعي الفني.

تشكّل أعمال أبو حسين تفاعلًا مع تيارات الفن المفاهيمي والنسوي، وتُقارن بأعمال فنانات من تيار ما بعد-المينيمالية في الستينيات والسبعينيات، أمثال "إيفا هيسه". فهي تجمع بين تقنيات التكرار والشكل البسيط وبين استخدام مواد مشبعة بالدلالات الثقافية والاجتماعية، لتنتج أعمالًا ذات بعد شخصي وسياسي في آن.
بالإضافة إلى عملها الفني، تقود حنان أبو حسين مشاريع تعليمية واجتماعية تُعنى بهوية المرأة الفلسطينية وتعزيز العلاقات الثقافية بين المجتمعات من خلال الفن. أعمالها تمثل شهادة حيّة على قدرة الفن على مقاومة القمع، التعبير عن الذات، وبناء جسور داخل مجتمع متعدد الهويات.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]