قال المحلل السياسي الأردني ماهر أبو طير في حديث خاص لـ"بُـكرا" إنّ شعار "الأرض مقابل السلام" الذي كان يُستخدم سابقًا في سياق اتفاقيات التطبيع، لم يعد يعكس الواقع الراهن، بل يجب استبداله بشعار جديد هو "التطبيع مقابل النجاة".
وأوضح أبو طير أن القصة لم تعد تتمحور فقط حول أرض مغتصبة، مشيرًا إلى ما كشفه وزير الخارجية الإسرائيلي مؤخرًا بشأن اشتراط إسرائيل الاحتفاظ الكامل بهضبة الجولان مقابل أي اتفاق سلام مع سوريا، بينما يصر الجانب السوري على استرجاع كل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، إضافة إلى ما احتُل بعد سقوط النظام السابق.
وأضاف أبو طير أن وسائل الإعلام الإسرائيلية مشغولة هذه الأيام بتسريب معلومات منسوبة إلى مصادر سورية وإسرائيلية غير معلنة، تشير إلى قرب توقيع اتفاق تطبيع بين الجانبين، وقد لا ينتهي العام دون أن نرى لقاءً علنيًا بين الرئيس السوري ورئيس الحكومة الإسرائيلية، ربما في واشنطن، على حد قوله.
وأشار إلى أن ما يُسرب حول قنوات الاتصال المباشرة وغير المباشرة بين دمشق وتل أبيب يعكس واقعًا جديدًا، لافتًا إلى أن شكل التواصل لم يعد هو القضية، بل حقيقة وجود هذا التواصل.
منافع السلام للدول المُطبعة
ورأى أبو طير أن الحديث سابقًا كان يدور حول منافع السلام للدول المُطبعة، أما اليوم، وفي ظل التحولات الإقليمية واختلال موازين القوى، فإن الحديث يدور حول "السلام مقابل النجاة من السطوة الإسرائيلية"، وهذه بحسبه "هي ثمرة التطبيع بالمفهوم الإسرائيلي".
ولفت إلى أنه إذا ما ذهبت دمشق الرسمية نحو تطبيع مع إسرائيل، فإنها ستبرر ذلك بالحاجة إلى القبول الدولي والاستثمارات والقروض "من أجل الحياة"، متسائلًا: "بماذا سيختلف النظام الحالي عن النظام السابق في هذه الحالة؟"
وتابع أبو طير قائلاً إن النظام السابق كان يُتهم بتسليم الجولان دون أن يطلق رصاصة واحدة، رغم كونه جزءًا من محور توازن إقليمي مرتبط بطهران وموسكو، وهو ذاته الذي تم استدراجه إلى مذابح داخلية، وأدار الأزمة بطريقة أوصلت البلاد إلى حرب أهلية مدمّرة، مشيرًا إلى أن قوى خارجية هي من حرّكت المشهد عبر أدوات محلية، وكانت إسرائيل المستفيد الأكبر من تدمير سورية، على حد تعبيره.
وأضاف أن من غير المنطقي محاكمة النظام السابق على خياراته، والتغاضي في الوقت ذاته عن خيارات النظام الحالي، حتى وإن ظهر رجالاته يؤدون الصلاة في المسجد الأموي، ويتبنّون شعارات دينية، لأن "الفيصل في النهاية هو النتائج، لا الشعارات التي مللنا سماعها"، بحسب وصفه.
انتقائية واضحة في المواقف
وانتقد أبو طير حالة "الإنكار" التي تعيشها بعض النخب والجماهير العربية تجاه التقارب المحتمل بين سورية وإسرائيل، قائلاً: "كراهية النظام السابق لا تُعد رخصة تمنح النظام الجديد شرعية التقارب مع إسرائيل وسط صمت مطبق"، محذرًا من مخططات قد تؤدي إلى ابتلاع سورية بالكامل.
وختم حديثه بالقول إن تبرير ذلك بـ"فقه الواقع" والعجز عن مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة، هو تبرير متخاذل، رفضه الجمهور العربي حين استخدمته أنظمة سابقة، مشددًا على أن ما يجري اليوم يعكس انتقائية واضحة في المواقف، لا وطنية صادقة.
وأكد أبو طير في ختام حديثه لـ"بُـكرا" أن مفتاح الحل في سوريا لا يكمن في الارتماء في أحضان الإسرائيليين بحثًا عن النجاة، بل في ترتيب أوراق الداخل السوري، مع الاعتراف بأن البلاد اليوم بحاجة إلى جهد هائل بعد الخراب الذي ألحقه النظام السابق، ومن أدار الحرب ضده، في سياق إعادة تشكيل وجه بلاد الشام والمنطقة بأكملها.
[email protected]
أضف تعليق