في مقابلة لموقع "بكرا"، تحدث يزيد أرشيد، المدير في شركة "ميكنزي" للاستشارات الاستراتيجية، عن الفروق الاقتصادية الجوهرية بين ما شهدته إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر وما تعيشه اليوم في ظل المواجهة المفتوحة مع إيران. وأكد أرشيد أن الاقتصاد الإسرائيلي يعيش حالة معقدة فيها مظاهر من التكيف السريع إلى جانب تحديات عميقة وكلفة اقتصادية هائلة.
"7 أكتوبر خلّف صدمة اقتصادية عميقة، داخليًا وخارجيًا"
وأوضح أرشيد: "الأسابيع التي تبعت 7 أكتوبر شكّلت واحدة من أعقد اللحظات الاقتصادية في تاريخ إسرائيل الحديث. كانت هناك صدمة مجتمعية واقتصادية كبيرة جدًا، سواء من ناحية نزوح عشرات آلاف السكان، أو من ناحية تراجع ثقة المستثمرين الأجانب، وحتّى من ناحية تعطّل قطاعات كاملة من الدولة."
وأضاف:"نحن نتحدث عن حوالي 150-200 ألف نازح، وانكماش فعلي في الرقعة الجغرافية والنشاط الاقتصادي للبلاد، خاصة في الشمال والجنوب. هذه لم تكن مجرد أزمة أمنية، بل شلل اقتصادي فعلي".
الخوف من جبهات متعددة عمّق الأزمة الاقتصادية
وتابع أرشيد: "جزء من هذه الصدمة كان ناتجًا عن الخوف من فتح جبهات إضافية مثل إيران وسوريا، وهو ما لم يكن مطروحًا بشكل جدّي قبل السابع من أكتوبر. المخاوف تلك أدّت إلى هبوط في البورصة وتوقف في تدفق التمويل والأسواق."
"لكن الحرب الحالية مختلفة…"
وأشار أرشيد إلى أن الوضع في المواجهة الحالية مع إيران يختلف جذريًا، وقال:"رغم خطورة التصعيد بين إيران وإسرائيل، فإن ما نراه حاليًا هو أن الأسواق لم تتفاعل بذات الطريقة، والمستثمرون لم يهربوا. التوقعات كانت أسوأ بكثير مما حدث فعليًا."
وأكمل: "الرد الإيراني بقي محدودًا، ولم يتحوّل إلى حرب شاملة كما خاف البعض، ولذلك لم تنهَر الأسواق، بل بدأت بالتعافي."
التحوّل النفسي مهم… والاقتصاد تأقلم
لكن مع مرور الوقت، بحسب أرشيد، بدأ الاقتصاد يتأقلم مع واقع الحرب. ويضيف: "اليوم، ورغم التصعيد الخطير مع إيران، فإن ما نراه هو استجابة نفسية واقتصادية مختلفة. الحرب لم تتحول إلى مواجهة إقليمية واسعة كما كان متوقعًا، والتأثير الاقتصادي كان أقل من المخاوف التي سبقته".
يشرح أرشيد أن جزءًا من هذا التأقلم يعود إلى ما وصفه بـ"التحول النفسي والعملي". "الشركات تعلمت أن تتعايش مع الحرب، العمال تأقلموا على العمل من المنازل، والشركات الكبرى بات لديها مراكز خارج الحدود تواصل نشاطها في أوقات الطوارئ"، قال، مشيرًا إلى أن ذلك يجعل الاقتصاد الإسرائيلي أكثر قدرة على تحمّل حرب طويلة نسبيًا.
الكلفة الاقتصادية هائلة
ومع ذلك، شدد أرشيد على أن الكلفة الاقتصادية ما زالت ثقيلة. "نحن نتحدث عن أضرار مباشرة تقدر بمليارات الشواقل، كالقصف الذي طال معهد وايزمان للأبحاث، إلى جانب عشرات المباني والمنشآت الحيوية التي تضررت"، أضاف.
كما تحدث عن الضرر غير المباشر في قطاعات مثل السياحة، التي وصلت إلى شبه توقف، والاستثمارات الخارجية التي جمدت أو أُلغيت. "كلفة المواجهة مع إيران، بحسب التقديرات، تصل إلى مليار شيكل يوميًا – وهو رقم ضخم ستضطر الدولة لتعويضه عبر فرض ضرائب أو تقليص خدمات عامة"، قال.
هذه الأضرار قد تتحوّل إلى فرص
ورغم التشاؤم الظاهري، يشير أرشيد إلى بُعد آخر أكثر تفاؤلًا، وقال: "البورصة ارتفعت بنسبة 10% في عشرة أيام فقط – وهو أمر يُعادل متوسط ارتفاعها في عام كامل. لماذا؟ لأن السوق يرى أن الحرب قد تنتهي قريبًا، ومعها ستبدأ مرحلة إعادة الإعمار، وهذا يفتح فرصًا هائلة."
وتابع: "قطاع البناء مثلًا شهد ارتفاعًا بنسبة 18-20% لأنه من المتوقع أن تقود هذه الشركات عمليات الترميم والبناء لما تضرر، وهناك دعم وتمويل حكومي متوقع."
مؤشرات السوق
وتابع أرشيد موضحًا:"من المهم أن نُدرك بأن البورصة لا تعكس بالضرورة الواقع الآني، بل تعكس التوقعات المستقبلية. ولذلك، فإن الارتفاعات التي شهدناها مؤخرًا – لا سيّما في أسهم شركات البناء والبنية التحتية التي ارتفعت بنسبة تتراوح بين 18 إلى 20 بالمئة – تعكس رهان المستثمرين على مرحلة إعادة الإعمار التي ستلي الحرب."
وأضاف: "مؤشر آخر يُعزز هذا التوجه هو سعر صرف العملة. ففي بداية التصعيد ارتفع سعر صرف الدولار إلى 3.7 شيكل، لكنه تراجع لاحقًا إلى نحو 3.45 شيكل، وهو أدنى مستوى له خلال العامين الماضيين. هذا الانخفاض يُعد إشارة قوية على ارتفاع الطلب على الشيكل من قِبل المستثمرين وحاملي العملات الأجنبية، ويعكس مستوى مرتفعًا من التفاؤل بالاقتصاد الإسرائيلي في المدى القريب."
"الهايتك والسايبر قطاعان جاهزان ومزدهران"
وسلط أرشيد الضوء على قطاع التكنولوجيا والهايتك، لا سيما الشركات الأمنية والسيبرانية، باعتبارها من أكبر المستفيدين في هذا السياق. "شركات السيبر والأمن تعرض منتجاتها وتقنياتها خلال الحرب، وتجد فرصًا جديدة للنمو والتوسع محليًا ودوليًا، بفضل التعاون الوثيق مع الحكومة".
ختامًا: تحديات كبرى ولكن فرص واعدة
يختم أرشيد حديثه بالتأكيد على أن الحرب الحالية، رغم كلفتها، فتحت أعين السوق على أهمية الاستعداد والتأقلم. "إذا استمرت وتيرة التأقلم بهذا الشكل، فقد يكون الاقتصاد المحلي مستعد ليس فقط لمواجهة الحرب الحالية (إذا لم تمتّد طويلاً)، بل للاستفادة منها على المدى المتوسط والبعيد عبر تسريع الابتكار وإعادة رسم ملامح الاقتصاد في ظل الأزمات"، قال.
[email protected]
أضف تعليق