أكد الدكتور أحمد الخزاعي، المستشار السياسي المقيم في واشنطن، أن فهم الواقع الإيراني يتطلب الاعتراف بتعدديته العرقية. وأشار إلى أن اختزال إيران في الهوية الفارسية فقط هو خطأ تحليلي شائع بين كثير من المراقبين الاستراتيجيين، ويؤدي إلى تجاهل أحد أهم العوامل المؤثرة في استقرار البلاد، داخليًا وخارجيًا.
وأوضح أن الفرس يشكلون ما يقارب نصف سكان إيران فقط، بينما تتوزع النسبة المتبقية بين مكونات عرقية متعددة، أبرزها الأذريون، الأكراد، العرب، البلوش، اللور، والتركمان.
الأقليات في الأطراف والهامش
قال د. الخزاعي إن هذه المجموعات تعيش غالبًا في المناطق الحدودية وتحافظ على لغاتها وهويتها الثقافية، لكنها تواجه تهميشًا مستمرًا من قبل الدولة. فسياسات فرض الثقافة الفارسية، التي بدأت في عهد البهلويين واستمرت في الجمهورية الإسلامية، خلقت حالة من الاستياء العميق لدى هذه الأقليات.
وأشار إلى أن هذا التهميش لا يقتصر على المجال الثقافي، بل يمتد إلى ظروف المعيشة. ففي محافظات مثل خوزستان (الأحواز) وبلوشستان، تعاني الأقليات من الفقر، التلوث، نقص الخدمات، وشح في المياه والطاقة. رغم أن خوزستان مركز رئيسي لإنتاج النفط، إلا أن سكانها يعانون من إهمال ممنهج، ما يدفعهم إلى احتجاجات متكررة ومتزايدة.
التوترات العرقية لها امتدادات إقليمية
لفت د. الخزاعي إلى أن التوترات العرقية في إيران ليست مسألة داخلية فحسب، بل تنعكس على علاقات إيران مع جيرانها. فمثلاً، السياسات الإيرانية تجاه الأذريين قد تؤدي إلى توترات مع أذربيجان، خصوصًا في ظل النزاع حول ناغورنو كاراباخ. كما أن الوضع الأمني في مناطق الأكراد والبلوش يمكن أن يؤثر على علاقات إيران مع العراق وباكستان.
وأضاف أن دعم بعض هذه الأقليات من قبل دول خارجية أو من الجاليات في الشتات يعقّد المشهد أكثر، ويحوّل القضية العرقية داخل إيران إلى مسألة ذات أبعاد إقليمية ودولية.
معارضة غير موحدة
شدد د. الخزاعي على أن غياب التنسيق بين المكونات العرقية والمعارضة الإيرانية يمثل عائقًا أمام أي تغيير سياسي شامل. فبعض تيارات المعارضة، لا سيما الملكيين والديمقراطيين، تتبنى خطابًا قوميًا فارسيًا، وترفض الاعتراف بمطالب الأقليات بالحكم الذاتي أو حتى بحقوق ثقافية ولغوية. هذا الخطاب يُنفّر الأقليات ويُضعف قدرة المعارضة على بناء تحالفات واسعة.
دعوة لإعادة النظر في السياسات الدولية تجاه إيران
في ختام حديثه، دعا د. الخزاعي المجتمع الدولي إلى اعتماد مقاربة أكثر شمولًا في التعامل مع الملف الإيراني. وأكد أن الغرب بحاجة إلى إعادة تقييم سياساته تجاه إيران، من خلال الاعتراف بالتعددية العرقية وفهم دورها في تشكيل الواقع السياسي والاجتماعي. كما دعا إلى تعزيز التواصل مع الشتات الإيراني، الذي يمكن أن يكون له دور محوري في الدفع نحو إصلاح ديمقراطي حقيقي.
وأضاف أن التركيز على النخبة الفارسية في طهران وحده لا يكفي لفهم تعقيدات الداخل الإيراني، وأن النظر بعمق إلى واقع الأقليات قد يفتح أفقًا جديدًا للتغيير.
[email protected]
أضف تعليق