في مجتمع لا تصنع فيه البطلات بكثرة، تبرز نتالي بحوث، ابنة العاشرة من مدينة شفاعمرو، كاستثناء مُذهل يعيد تعريف الطموح والقدرة لدى الفتيات العربيات في إسرائيل. لا تأتي هذه البطلة من مدارس النخبة ولا من أجواء مشبعة بثقافة الشطرنج، بل من بيئة غريبة عنه، لكنها رغم ذلك تتقدم بثبات على رقعة لعبة غالباً ما ظُنت حكرًا على فئة دون أخرى.
في الأسبوع الماضي، قادت نتالي فريق "شطرنج للجميع" إلى النصر في بطولة احتضنتها كفار سابا، ضمن حدث مشترك بين 12 فريقًا من أنحاء البلاد. لكن ما جعل الإنجاز استثنائيًا لم يكن فقط الفوز، بل أن نتالي كانت الطفلة الوحيدة التي جلست على اللوح الأول – المكان المخصص لأقوى لاعبي كل فريق – وتفوقت في أربع من أصل خمس مباريات.
مثل بطلة مسلسل "مناورة الملكة" الشهيرة، إليزابيث هارمون، التي بدأت من دار أيتام مظلم في أمريكا الخمسينيات، وشقت طريقها إلى القمة رغم العوائق النفسية والاجتماعية، تشق نتالي طريقها من واقع مليء بالتحديات. صحيح أن نتالي لا تواجه مشاكل شخصيّة (كما بيث)، لكن بيئتها تفرض عليها أسئلة مشابهة: هل يمكن لطفلة عربية، من مدينة لا تُعرف بريادتها في الشطرنج، أن تقتحم هذه الساحة النخبوية وتفرض اسمها؟ نتالي، مثل "بيث"، تثبت أن الجواب نعم.
منذ أن أمسكت بقطع الشطرنج لأول مرة وهي في السادسة، لم تفارقها اللعبة. حازت على ألقاب مشرفة، منها وصيفة بطلة إسرائيل في الشطرنج السريع، وتحتل اليوم المركز الرابع على مستوى البلاد للفتيات دون العاشرة. كما شاركت في نهائي بطولة أوروبا في براغ عام 2024، وهو إنجاز لا يُستهان به لطفلة في بداية الطريق.
بيئة داعمة
لكن نجاح نتالي لا يعود فقط إلى موهبتها الفطرية، بل إلى شبكة داعمة تشبه تلك التي أحاطت بـ"بيث" في مسلسل "مناورة الملكة" – والدان مؤمنان بقدرتها، ومدرب حالم يُدعى بهيج عويد، آمن بها منذ اللحظة الأولى. بهيج ليس فقط مدربًا، بل مُلهم حقيقي يعرف كيف يُوقد الحماسة في قلبها، ويمنحها الإيمان بنفسها.
يقول والدها ووالدتها، وائل وأماني: "نتالي ابنتنا، فقط في العاشرة، لكنها تحمل قلب محاربة على رقعة الشطرنج. حلمها واضح: أن تصبح بطلة العالم، ونحن إلى جانبها في كل خطوة."
قصة نتالي هي أكثر من قصة نجاح رياضي. إنها رسالة للمجتمع العربي، وللفتيات تحديدًا: لا توجد "سقوف زجاجية" حين يتوفر الشغف، والدعم، والفرصة. كما أن مسلسل "مناورة الملكة" أعاد تعريف صورة المرأة في عالم الشطرنج وأثار اهتمامًا عالميًا باللعبة، فإن نتالي بحوث قادرة على أن تكون قصة حقيقية تلهم جيلاً كاملاً – لا فقط على الشاشة، بل في الحياة.
هي لا تعيش في مسلسل خيالي، لكنها تكتب بنفسها سيناريو الحلم. ومن شفاعمرو – قد تنطلق ملكة الشطرنج القادمة.
[email protected]
أضف تعليق