كشف استطلاع حديث أجراه معهد "مدغام" بإدارة مانو جيبع لصالح "جفعات حبيبة" عن معطيات هامة حول العلاقات بين اليهود والعرب في إسرائيل، في ظل تصاعد التوتر الأمني والاجتماعي خلال العام الأخير. الاستطلاع، الذي تم تقديمه اليوم خلال مؤتمر "جفعات حبيبة" السنوي في مركز رابين بتل أبيب، أظهر تراجعًا طفيفًا في الدعم لفكرة الحياة المشتركة، لكنه كشف أيضًا أن المجتمع العربي لا يزال مؤمنًا بإمكانية التعايش رغم التحديات.

ميخال سيلع، المديرة العامة لـ "جفعات حبيبة"، اعتبرت نتائج الاستطلاع "جرس إنذار"، مؤكدة أن "رغم التدهور الأمني غير المسبوق والتوترات الاجتماعية، إلا أن المجتمع الإسرائيلي لم يتخلَّ عن فكرة العيش المشترك، والفرصة لا تزال قائمة لإعادة بناء الثقة".

تباين في المواقف بين العرب واليهود

الاستطلاع، الذي شمل عينة تمثيلية من المجتمعين العربي واليهودي، كشف عن فجوات واضحة في المواقف تجاه العلاقات بين الطرفين. أبرز النتائج:

* 45% من اليهود أعربوا عن عدم استعدادهم لإقامة علاقات صداقة مع العرب، مقارنة بـ13% فقط من العرب الذين قالوا إنهم غير مستعدين لإقامة صداقات مع اليهود.
* 34% من اليهود أفادوا بأنهم لا يرغبون في الدراسة مع طلاب عرب في مؤسسات التعليم العالي، مقابل 6% فقط من العرب الذين يرفضون التعلم إلى جانب اليهود.
* رغم التراجع الطفيف في دعم فكرة المجتمع المشترك، فإن المجتمع العربي لا يزال أكثر انفتاحًا واستعدادًا للاندماج مقارنة بالمجتمع اليهودي.

تصاعد العنف وتقاعس الشرطة: نقاش ساخن في المؤتمر

أحد أبرز المحاور التي تخللت المؤتمر كان نقاشًا مكثفًا حول تفشي العنف في المجتمع العربي، في جلسة أدارها الصحافي جوش برنر وسلطت الضوء على تقصير الشرطة الإسرائيلية في مواجهة الجريمة.

عُلا نجمي- يوسف، مديرة المركز اليهودي العربي في "جفعات حبيبة" تحدثت عن تجربتها الشخصية مع العنف، حيث تعرض منزلها لحادث خطير أصيب خلاله شقيقها بجراح بالغة. وقالت: "الشعور العام في المجتمع العربي هو فقدان الأمان التام. لدينا شرطة قادرة على تفكيك منظمات الجريمة في المجتمع اليهودي، لكنها تفشل عندما يكون الضحايا عربًا. السؤال ليس عن القدرة، بل عن الإرادة السياسية لمعالجة المشكلة."

بدورها، أكدت غادة زعبي، مبادرة ومؤسسة موقع "بكرا"، أن العنف المتزايد في المجتمع العربي "ليس مجرد ظاهرة اجتماعية عابرة، بل نتيجة مباشرة لسياسات حكومية ممنهجة ساهمت في خلق بيئة خصبة للإجرام من خلال الإهمال المتعمد."

وأضافت أن "المبادرات الجماهيرية لمكافحة العنف، رغم أهميتها، ليست كافية. طالما لا يوجد مخطط حكومي جاد، ستظل هذه المبادرات مجرد مسكنات وليس علاجًا جذريًا. الحكومة الحالية لا تفعل شيئًا سوى إطلاق وعود فارغة بينما تتفاقم الأزمة."

وأشارت إلى أن "العنف ليس تهديدًا للعرب وحدهم، بل خطر يهدد استقرار الدولة بأكملها. عندما تتجاهل الحكومة الأزمة، فإن العنف لن يبقى محصورًا في المجتمع العربي، بل سيمتد ليهدد الجميع."

دور السلطات المحلية في المواجهة: إمكانيات محدودة وصمت حكومي

المحامي درويش رابي، رئيس مجلس جلجولية المحلي، تحدث عن دور السلطات المحلية في مواجهة العنف، مؤكدًا أن المجالس البلدية تعمل ضمن "إمكانيات محدودة للغاية، بينما ترفض الحكومة منحنا الأدوات المطلوبة لمحاربة الجريمة."

وقال رابي: "نحن رؤساء سلطات محلية ولسنا أجهزة أمنية، لكن عندما تُترك مجتمعاتنا لمصيرها دون حماية، نجد أنفسنا في خط المواجهة الأول مع العصابات الإجرامية."

وأشار إلى أن البلديات العربية "بحاجة ماسة إلى دعم حكومي حقيقي، سواء في تعزيز وجود الشرطة أو في استثمار الموارد في برامج وقائية حقيقية."

"الحكومة تستفيد من استمرار العنف"

في مداخلة حادة، انتقدت جابي لاسكي، عضو الكنيست السابقة، تعامل الحكومة مع أزمة العنف، معتبرة أن "الإهمال ليس ناتجًا عن عدم القدرة، بل عن قرار سياسي بعدم معالجة المشكلة."

وقالت لاسكي: "الحكومة تعرف جيدًا كيف تفكك عصابات الجريمة، لكنها تختار عدم التدخل عندما يكون الضحايا عربًا. والسبب بسيط: هناك أطراف سياسية تستفيد من استمرار الفوضى داخل المجتمع العربي."

وأضافت: "ما نراه هو سياسة مدروسة تهدف إلى إضعاف المجتمع العربي داخليًا، وتحويل الجريمة إلى أداة تحكم بيد الدولة، بدلًا من أن تكون معركة يجب حسمها."

اختتام المؤتمر: مبادرات لتعزيز الشراكة رغم التحديات

اختتم المؤتمر أعماله بحلقة نقاش خاصة تناولت المبادرات والنشاطات التي تعزز الشراكة العربية اليهودية، رغم الأزمات المتواصلة. شارك في الجلسة كل من د. مريان تحاوكو الباحثة في معهد "اهارون" في جامعة "ريخمان"، السيد حسان طوافرة مدير سلطة التطوير الإقتصادي للمجتمع العربّي، والسيدة ليئات اتسيلي عضو كيبوتس نير عوز، حيث أكد المشاركون على أهمية العمل المشترك من أجل بناء جسور الثقة بين المجتمعين.

كما شهد المؤتمر مداخلة للطالب هادي نصار وأوري حيفتس، اللذين تحدثا عن تجربة التعليم المشترك في فترة الحرب. وأكدا على أن "التعايش ممكن من خلال تقبل الآخر، والاحترام المتبادل، والاعتراف بألم كل شعب."

"فرصة أخيرة".. هل يمكن إنقاذ الحياة المشتركة؟

رغم الأوضاع المتوترة، شددت عُلا نجمي- يوسف في ختام المؤتمر على أن نتائج الاستطلاع يجب أن تؤخذ كإشارة تحذير، وليس كدليل على انهيار العلاقات بين العرب واليهود.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]