في خضم الهجوم الاسرائيلي المستمر على على جنين، ووسط الضغوط التي يعاني منها الفلسطينيون نتيجة الحصار العسكري، يتواصل العمل الإنساني من خلال العيادة المتنقلة التابعة لمؤسسة أطباء لحقوق الإنسان. وفي اليوم الطبي الذي أقيم في بلدة رابا قضاء جنين، تحت ظروف غاية في الصعوبة، استطاعت العيادة تقديم الأمل لما يقارب 423 مريضًا، وسط الحواجز العسكرية المنتشرة على الطرقات وانتظار ساعات طويلة على المعابر.
تقع البلدة على بُعد نحو 20 كيلومترًا من مدينة جنين، وكانت تعد في السابق الوجهة الرئيسية للحصول على الرعاية الصحية، تواجه اليوم حصارًا مشددًا بسبب العمليات العسكرية المستمرة، ما جعل الوصول إلى المستشفيات أمرًا شبه مستحيل. في هذا السياق، باتت بلدة رابا بحاجة ماسة إلى أي دعم صحي في ظل الظروف القاسية التي يعيشها السكان، لا سيما مع وجود عيادة حكومية صغيرة لا تلبّي سوى القليل من احتياجات السكان. وبينما تعاني العيادة من نقص الأدوية الأساسية، خاصة أمراض الكلى وعلاجات غسيل الكلى والأدوية اللازمة لعلاج الأمراض المزمنة، كانت العيادة المتنقلة لأطباء لحقوق الإنسان هي المرفق الطبي الوحيد الذي أمّن لهؤلاء المرضى فرصة الحصول على العلاج في هذه الظروف الصعبة.
في كل خطوة على الطريق، تزداد معاناة الفلسطينيين. المعابر العسكرية التي تنتشر في كافة أنحاء الضفة الغربية تشكل تحديًا حقيقيًا لكل من يسعى للوصول إلى مكانه. وقبل مغادرة جنين، عانى الفريق الطبي من ساعات طويلة في معبر عنبتا الذي كان مغلقًا، واضطروا في النهاية للعودة عبر معبر دير شرف.
تكدست الآلاف من السيارات في انتظار التفتيش البطيء، وواجه الفلسطينيون في هذا المعبر تجربة الإذلال التي أصبحت جزءًا من حياتهم اليومية، فقد كانت هناك مشاهد لا تنسى. مرضى في طريقهم إلى المستشفيات، أطفال يبكون، وآخرون يكافحون لتلبية احتياجاتهم الأساسية في أماكن غير ملائمة، وسط تعامل غير إنساني من الجنود المنتشرين على المعابر.
صور من المعاناة: معابر الإذلال والانتظار الطويل
لكن وسط هذا المشهد القاتم، كانت العيادة المتنقلة لأطباء لحقوق الإنسان تجلب الأمل للكثيرين. في طولكرم، وفي ظل الهجوم المستمر على المخيمات، نجحت العيادة في توفير الرعاية الصحية لأكثر من 500 مريض، من بينهم مرضى غسيل الكلى، في يوم طبي ضم فحوصات وعلاجات متنوعة.
ورغم الحواجز المنتشرة، وصعوبة التنقل بين المدن بسبب عمليات الجيش الإسرائيلي التي جعلت من السفر بين المناطق أمرًا بالغ الصعوبة، تمكنت العيادة من الوصول إلى قلب الأزمة، حضر نحو 519 مريضًا من بينهم 60 طفلًا، وتلقى المرضى الأدوية اللازمة، التي تفوق قيمتها 110,000 شيكل، من أجل مكافحة النقص الحاد في الأدوية.
في سياق آخر، عملت المنظمة أيضًا على تدريب الطواقم الطبية في قلقيلية على التعامل مع حالات الصحة النفسية الناتجة عن الضغوط والصدمة التي يتعرض لها الفلسطينيون. هذا التدريب الذي تم بالتعاون مع محافظ قلقيلية، تمحور حول تعزيز قدرات المسعفين في التعامل مع التحديات النفسية التي يواجهونها أثناء أداء واجبهم في مناطق تتعرض للهجمات المستمرة من الجنود والمستوطنين على حد سواء. وتحدث المشاركون في التدريب عن معاناتهم في المعابر والطرق، مؤكدين على أهمية هذا النوع من الدعم النفسي، الذي يعزز قدرتهم على تقديم أفضل رعاية صحية للمرضى في ظل هذه الأوضاع المعقدة.
تحديات كبيرة في الوصول إلى الرعاية الصحية
في قلب العدوان المستمر، وفي المناطق التي يصعب الوصول إليها، تواصل مؤسسة أطباء لحقوق الإنسان عملها بكل عزيمة وإصرار لتخفيف معاناة الفلسطينيين، مُؤَكدةً على حقهم في الحياة والصحة رغم كل المحاولات التي يسعى الاحتلال من خلالها إلى تقويض هذا الحق. في الوقت الذي يتسع فيه الفارق بين واقع الفلسطينيين تحت الاحتلال، وبين ما يجب أن يكون من حقوق أساسية تضمن لهم حياة كريمة، يبقى الأمل حياً في قلوب أولئك الذين يقاومون الموت يوميًا بحثًا عن فرصة للعيش بكرامة.
رغم الظروف الصعبة، يواصل الاحتلال فرض الحواجز العسكرية على مداخل المدن والقرى الفلسطينية، بما في ذلك تعزيزات عسكرية مستمرة من حاجز الجلمة إلى مدينة جنين ومحيط المخيم، التي تزيد من تعقيد وصول الفرق الطبية إلى المناطق المتأثرة. في هذا السياق، صرح صلاح الحاج يحيى، مدير العيادة المتنقلة في مؤسسة أطباء لحقوق الإنسان "هذه الحواجز لا تقتصر فقط على عرقلة حركة المواطنين، بل تضع عوائق مؤلمة أمام الفرق الطبية التي تسعى لتقديم المساعدة الإنسانية الضرورية. هذه المعوقات تزيد من عبء الأهالي في ظل الظروف الصعبة، ويصبح الحصول على الرعاية الصحية حقًا بعيد المنال، مما يزيد من حجم المعاناة التي لا تنتهي".
[email protected]
أضف تعليق