نظّمت جمعيّة الثقافة العربيّة في مقرها بحيفا، مساء يوم 9 كانون الثاني/ يناير 2025، لقاءً جديدًا ضمن سلسلة فعاليات "صالون مي الأدبي"، خُصّص لمناقشة رواية "قناع بلون السماء" للكاتب الفلسطينيّ الأسير باسم خندقجي، والحائزة على جائزة الرواية العربيّة "البوكر" 2024.
وجاء اللقاء ليسلّط الضوء على ظاهرة أدب السجون في الأدب العربيّ المعاصر في السياق الفلسطينيّ خاصّةً والسياق العربيّ عامّةً، ولاستعراض الأبعاد الإنسانيّة والفنيّة التي تحملها هذه الرواية، بما تعكسه من تجربة إنسانيّة فريدة وتجليّات فكريّة وأدبيّة غنية فيما يتعلّق بعلاقة الإنسان بالحيّز الزمانيّ والمكانيّ.

افتتحت اللقاء، الذي حضره عشرات المهتمين، مركّزة مشروع "صالون مي الأدبيّ"، مريم فرح، بكلمة ترحيبيّة عبّرت فيها عن فخر الجمعية بتقديم هذا اللقاء الذي يحتفي بالأدب الفلسطينيّ كمساحة للإبداع الحُرّ والمقاومة الثّقافية. وأكدت في كلمتها أن "صالون مي الأدبي" ذو رؤية أوسع، ويهدف إلى تسليط الضوء على النتاج الأدبيّ الفلسطينيّ والعربيّ المعاصر، مع التركيز على القضايا الإنسانية والوطنية التي تلامس عمق المجتمع الفلسطينيّ، وعلى خلق جيل جديد من المُهتمّين والمهتمّات بالأدب.

وبدأ النقاش بكلمة استهلالية للناقدة في حقلي السينما والأدب سماح بصول، تطرّقت فيها إلى الرواية وإلى مصطلحات "أدب السجون"، و"أدب الأسر"، و"أدب الأسرى"، طارحةً تساؤلات حول اذا ما كانت هُنالك تعريفات دقيقة لهذه المصطلحات من خلال انعكاس التجارب الإنسانية المتنوعة المُرتبطة بالسجن كواقع وتاريخ وتجربة على امتداد الوطن العربيّ. كما سلطت الضوء على الجوانب الفنيّة والجماليّة لرواية "قناع بلون السماء".
ثم أجرت بصول حواريّة مع الكاتب أنطوان شلحت تم خلاله التوقّف عند الطابع الرمزيّ الذي تخلّل الرواية، والذي يُعد سمة بارزة في أسلوب باسم خندقجي الأدبيّ في هذه الرواية تطويرًا لما كانت عليه الحال في أعماله الأدبية السابقة.

ومن جملة ما أشار إليه شلحت أن "قناع بلون السماء" رواية ميتاقصيّة، وهي عبارة عن نصّ طويل فيه تأملات تتعلّق بمحنة إنسان. وثمة للمكان حصة بارزة وجليّة في إرخاء الظلال على أجواء السرد وحبكة القصّ، بجانب استخدام البيئة الاجتماعية وظروفها. وهي تطرح العديد من الأسئلة الوجودية الملتبسة بمفارقات التحولات. ونحن في هذه الرواية بإزاء محاولة تنظير لما يمكن اعتباره عقلانية السرد وقدرته وإمكاناته على إشهار مكنونات النفس البشرية، داخل المعادلة التي سكّها بول ريكور: الوجود والزمان والسرد. وأشار أيضًا إلى أن هوية شخصية اليهودي الأشكنازي في الرواية "أور" كانت قناعًا لنور، شخصية الفلسطيني من الأراضي المحتلة منذ 1967 في الرواية، بينما يشعر قارئ الرواية بأن الصهيونية ألبست البلد كله قناعًا لكي تخفي الماضي وتوحي أنه لم يكن مكان للفلسطيني فيه، وحاولت نهب التاريخ والآثار، وإعادة رسم الجغرافيا على هواها، وزرعت سفوح الجبال بالأشجار لدفن بقايا القرى المهجّرة والمدمرة، وآثار الفلسطينيين المهجرين.

وشدّد المتحدث على أن كتابة خندقجي تعتمد عن وعي القصدية في اختيار الأماكن والشخصيات للدلالة على أحداث وظواهر سياسية. كما توقف عند دلالة العودة المستمرة في الأدب الفلسطيني إلى الماضي، مشيرًا إلى أنها عودة عادةً ما تحفل بتصوّر للماضي يتمظهر في مناحٍ ربما تبدو مغايرة تمامًا عن تمظهرات الماضي في إبداعات شعوب أخرى.
وتوقف شلحت عند شخصية "سماء" وهي الفتاة الفلسطينية من حيفا التي تحمل الهوية الإسرائيلية ولكنها في الجوهر فلسطينية متجذّرة في أرض فلسطين، وهي التي تدفع نور المحتار بشخصيتيه إلى حسم أمر نزع شخصية أور عنه، ليصبح فلسطينيًا خالصًا.
وخصص جزء من الحوارية للحديث عن أدب السجون، وما يمثله من تحدّي إثبات الذات من طريق التعبير عنها.

وعلى هامش اللقاء، أتيحت للحضور فرصة اقتناء نسخ من رواية "قناع بلون السماء" إلى جانب مجموعة من الإصدارات الأدبيّة الأخرى المتوفرة في متجر الثقافة العربيّة، كجزء من جهود الجمعيّة لدعم الأدب الفلسطينيّ ونشره. وتميز اللقاء بحضور واسع ومشاركة فعالة من جمهور متنوع من المثقفين والمهتمين بالأدب الذين أثروا الجلسة بأسئلتهم وتعليقاتهم.

جدير بالذكر أنّ "صالون مي الأدبي هو مبادرة أطلقتها جمعية الثقافة العربية، تهدف إلى مواكبة النتاجات الأدبيّة الفلسطينيّة والعربيّة وتشجيع النقاش حولها. ويسعى الصالون لتقديم مساحة تفاعليّة تركّز على القضايا الوطنيّة والإنسانيّة، ولتشجيع الكتّاب الجدد وتوثيق الروابط بين الأدب والمجتمع.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]