أثارت التسريبات الأخيرة حول التفاؤل الكبير بإمكانية التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة وإبرام صفقة للإفراج عن الرهائن، العديد من التساؤلات بشأن الأسباب التي تحول دون الإعلان الرسمي عن الاتفاق. في هذا السياق، أشار المحلل السياسي دان بيري لـ"بكرا" إلى أن المشهد يتسم بتعقيدات متعددة، بعضها مرتبط بمواقف متباينة بين الطرفين، والبعض الآخر يعود إلى حسابات سياسية داخلية.

دان بيري أوضح أن حركة حماس تعاني من ضعف ملحوظ نتيجة عدة عوامل، من بينها تراجع الدعم الإيراني بسبب الأحداث الإقليمية، والقضاء على معظم قيادتها خلال المواجهات الأخيرة. ورغم هذا الضعف، فإن الحركة لم تتخلَ عن مطلبها الأساسي بوقف الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة مقابل إطلاق سراح الرهائن. وعلى الرغم من أن إسرائيل رفضت هذا المطلب بشكل قاطع، فإن الرأي العام الإسرائيلي بدأ يميل نحو قبول صفقة جزئية تُفضي إلى الإفراج عن بعض الرهائن.

من جانبه، أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن أي اتفاق سيتم سيكون جزئيًا ومقترنًا بوقف مؤقت للقتال. وصرح قائلاً: "لن أوافق على إنهاء الحرب قبل القضاء التام على حماس". ومع أن هذه التصريحات قد تبدو منطقية للوهلة الأولى، إلا أن الواقع يكشف عن جوانب مختلفة ومعقدة.

لماذا لم تنجح إسرائيل في القضاء على حماس حتى الآن؟

يشير دان بيري إلى أن هذا الإخفاق يعود إلى اعتبارات تكتيكية واستراتيجية. فعلى المستوى التكتيكي، تعتمد إسرائيل في عملياتها العسكرية على استراتيجيات مترددة، تتجلى في الدخول والخروج من مناطق مثل دير البلح دون تثبيت سيطرتها عليها، مما يتيح لحماس إعادة التمركز واستئناف نشاطها. هذا النهج، وفق بيري، قد يؤدي إلى إطالة أمد الصراع لسنوات قادمة.

أما على المستوى الاستراتيجي، فإن إسرائيل ترفض مناقشة أي بديل سياسي لحكم حماس في غزة. يرى بيري أن البديل الوحيد الواقعي يتمثل في إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة بنسخة جديدة ومُعززة بدعم عربي ودولي، لكن هذا الطرح يلقى معارضة شديدة من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تشارك في حكومة نتنياهو. هذه الأحزاب تدفع نحو هدف آخر يتمثل في احتلال غزة بشكل دائم وإعادة توطينها باليهود، مما يعرقل أي حلول مبتكرة كتقديم صفقة "الجميع مقابل الجميع"، والتي قد تشمل خروج مقاتلي حماس المتبقين إلى دولة أخرى.

حسابات نتنياهو الشخصية والسياسية

وفي السياق، يشير بيري إلى أن نتنياهو يُصر على مسار الحرب الحالي لأسباب تتعلق بمصالحه السياسية والشخصية. فمن جهة، تحتاج حكومته إلى استمرار الحرب للهروب من المساءلة عن الإخفاقات الأمنية والسياسية التي ظهرت في أحداث 7 أكتوبر. ومن جهة أخرى، يستخدم نتنياهو الحرب كذريعة لتأجيل محاكمته بتهم الفساد، كما حدث الأسبوع الماضي عندما طلب تأجيل شهادته بحجة زيارة القوات الميدانية.

خيارات إسرائيل الإقليمية: التهديد بضرب إيران

فيما يتعلق بالتهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على إيران بدلًا من استهداف الحوثيين، يرى بيري أن هذا الخيار يعتمد كليًا على الموقف الأمريكي. على الرغم من الحجج التي يقدمها مؤيدو ضرب إيران - كتعزيز الردع وإضعاف البنية العسكرية الإيرانية وتأخير تطوير الأسلحة النووية - فإن المخاطر المحتملة، مثل الرد الإيراني العنيف والتوتر الدبلوماسي مع الحلفاء والأضرار الاقتصادية العالمية، تجعل إسرائيل تتريث وتفضل التنسيق مع الولايات المتحدة قبل اتخاذ أي خطوة.

ختامًا، يرى دان بيري أن التأخير في إعلان وقف إطلاق النار في غزة يعكس ليس فقط تعقيدات ميدانية، بل أيضًا حسابات سياسية معقدة لدى الطرفين، خصوصًا في ظل مصالح داخلية تتعارض مع الوصول إلى حلول شاملة ومستدامة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]