"هل من المعقول ان الدولة قررت حتى عدم تشغيل صافرات الإنذار في بلداتنا؟" تساءل شاب في الناصرة، يوم الخميس الماضي، بعدما كانت يتواجد داخل محلقة وخرج ليفحص الأمر بعدما سمع دوي انفجارات، ليشاهد الصواريخ والمضادات الجوية في سماء المدينة"، ثم أضاف :"يبدو انها قررت أن تقتصد بالكهرباء أيضًا وعدم تشغيل الصافرات، فهي لا توفر الملاجئ ولا المضادات الجوية في بلداتنا، فما الحاجة لصافرات الإنذار أصلًا؟".
قتيلان في مجد الكروم (أرجوان مناع وحسن سواعد)، 3 قتلى في شفاعمرو (مينا وكرمي حسون قبل اسبوعين والمربية صفاء عواد-قط الاثنين) وقتيل في ترشيحا (محمد نعيم)، وعدد من المصابين وأضرار كبيرة للأملاك، هذه كانت حصيلة الضحايا من المجتمع العربي جراء القصف والصواريخ من لبنان في الأسابيع القليلة الأخيرة.
مجد الكروم .. جرح جديد
مجد الكروم بالذات، تفتحت جروحها منذ بدء هذه الحرب، قبل سقوط الصواريخ فيها، فمع اندلاع الحرب عادت ذاكرة حرب 2006 إلى أذهان الناس في القرية الواقعة في مركز الجليل، والتي فقدت اثنين من أبنائها في حرب لبنان الثانية عام 2006 اثر سقوط صاروخ عليها، وشاء القدر، أو الظروف التي تسببها البعض، أن تشهد مجد الكروم حدثًا مشابهًا في هذه الحرب أيضًا، ففي عصر يوم الجمعة 25.10، سمعت صافرات الإنذار، ثم وصل نبأ بأن أكثر من صاروخ سقطوا في مجد الكروم، في البداية قالوا أن لا إصابات بشرية، بعد ذلك قالوا هنالك أكثر من إصابة، ثم تبين أن الصاورخ سقط على محل لبيع الخضراوات، وتسبب بمقتل كل من الشابة أرجوان مناع التي كانت تعمل في المحل، الشاب حسن سواعد، الذي تواجد هناك لشراء بعض الأغراض "منذ حرب عام 2006 التي فقدت فيها مجد الكروم شابين من خيرة شبابها، لم يقم ولا مسؤول من الدولة، أو حتى مسؤول عربي بزيارة بلدتنا ومحاولة إيجاد حلول لهذا الامر، لا يوجد ملاجئ في قسم كبير من البيوت كونها قديمة، ولا يوجد ملاجئ عمومية بقدر ما نحتاج، ولم يفعل أحد شيء في هذا المضمار منذ أكثر من عقدين من الزمن، ولم ينظموا حتى برنامج توعوي واحد للتحذير من خطر الصواريخ، نعم اللوم كبير جدًا على الحكومات الإسرائيلية، ولكنه أيضًا على قياداتنا، لا يعقل أن مجد الكروم حسبب عدد السكان ووضعيتها، يجب أن تحصل على 48 ملجأ متحرك، ويوم وقعت الحادثة كان عدد الملاجئ فيها 6 فقط، التقصير من الدولة صارخ فهذا واجبها، لكن من جهة أخرى، لم نر أن هنالك من طالبها ومن تحدث بالإعلام أنه طالبها ورفضت. بلا شك بجانب مسؤولية الدولة، هنالك مسؤولية نتحملها نحن كمجتمع عندما لا نهرع إلى المناطق الآمنة عند سماع صافرات الإنذار، وهذا الأمر تغيّر في مجد الكروم بالذات بعد الذي حصل، فالاستخفاف تراجع بشكل كبير، لكنه ما زال قائمًا في بعض المناطق،
"ارجوان كانت شابة مليئة بالحياة والسعادة، لم تتجاوز الـ24 من عمرها" يتابع العم "ما عرفناه لاحقًا أنها سمعت صافرات الإنذار وطلب منها زميلها أن تدخل إلى غرفة داخلية، لا يوجد غرفة آمنة لكنهم يختبئون في البراد في حالات كهذه، لم تتمكن من الذهاب، سقط الصاروخ قبل أن تذهب، كانت تقف عند صندوق الدفع، وتسبب بموتها وموت الشاب حسن، لا يمكن وصف ما نشعر به من مرارة، تركت وجدان خلفًا أخًا و 3 أخوات وأم وأب يبكونها ولا يصدقون حتى الآن أنها رحلت".
عرب المناطق المفتوحة
في منشور ساخر تم تداوله قبل أيام على مواقع التواصل، تم وضع تسميات المواطنين العرب في قائمة واحدة، مثل، عرب 48، عرب الداخل، عرب إسرائيل، فلسطينيو 48، ثم شطب كل هذه الأسماء، والإبقاء على اسم واحد "عرب المناطق المفتوحة"، إذ تتعزز الفرضية بين المواطنين العرب، أن الدولة تتعامل مع البلدات العربية كمناطق مفتوحة، وفقط ينقص ان تكتب في بياناتها الرسمية عند سقوط صاروخ في بلدة عربية، أنه سقط في منطقة مفتوحة، فهي لا تضع ملاجئ في البلدات العربية بالقدر الذي تضع فيه ملاجئ في البلدات اليهودية، ولا حتى نصف ما تضعه هناك، وفي نفس الوقت يشعر المواطن العربي أن الدولة لا تضع منظومات قبة حديدة حول البلدات العربية بقدر ما تضعها لحماية البلدات اليهودية.
تساؤل .. واستجواب لوزير الأمن
في شفاعمرو، المربية صفاء قط، دخلت، مساء الاثنين 18.11، مع عائلتها إلى الملجأ، لكن الصاروخ اخترق حائط الملجأ، وتسبب بدمار كبيرة في المبنى، وعدد من الإصابات، والآن تقرر هدم المبنى، والتساؤل الذي ردده الناس، لماذا تسقط الصواريخ بهذه السهولة في بلداتنا العربية، ولا تسقط هكذا في بلدات يهودية؟ هل القبة الحديدية تحمي البلدات اليهودية فقط؟
وقد قدم النائب أيمن عودة، رئيس قائمة الجبهة والعربية للتغيير، الثلاثاء، استجوابًا لوزير "الأمن" يسرائيل كاتس طالبه بأجوبة وتحقيق في ملابسات سقوط الصاروخ في شفاعمرو وعدم اعتراضه من قبل منظومة الدفاع الجويّة، كما طالب الوزير بكشف نتائج التحقيقات في سقوط الصواريخ المباشرة والكثيفة خاصةَ في البلدات العربية بالأسابيع الأخيرة وعدم اعتراضها.
في كل مرة تقريبًا يحدث فيها إطلاق نار باتجاه منطقة كرميئيل، تسجل إصابات في القرى العربية المجاورة، وهذا ليس صدفة، وليس فقط لأن العرب لا يلتزمون باللجوء إلى الملاجئ، بل لأسباب أخرى. السبب المركزي هو النقص الكبير في الملاجئ المحمية. "في دير الأسد، مجد الكروم، البعنة ونحف، هناك فقط 15 ملجأً عامًا، مقارنة بـ124 ملجأً عامًا في كرميئيل المجاورة، رغم القرب الجغرافي وعدد السكان المتقارب. في كرميئيل، يوجد ملجأ لكل 400 شخص، بينما في منطقة الشاغور، هناك ملجأ لكل 3300 شخص" وفق مركز الطوارئ للسلطات العربية الذي أُنشئ مؤخرًا بمبادرة من اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية وبالتعاون مع عدة جهات، وذلك بعد قرار وزيرة المساواة الاجتماعية، ماي جولان، بإغلاق مراكز الطوارئ في المجتمع العربي التي تم إنشاؤها بتمويل حكومي بعد اندلاع الحرب، وجاء في تقرير المركز أيضًا "رغم أن الصواريخ لا تميز بين العرب واليهود في شمال البلاد، إلا أن الحكومة تميز بين دم ودم. في حين أن معظم اليهود مستعدون للحرب، فإن مستوى الاستعداد في القرى العربية منخفض للغاية."
نسبة الملاجئ مضحكة
يوم الاثنين الماضي، سقطت عدة صواريخ في منطقة البعنة ودير الأسد وكرميئيل، مما أسفر عن إصابة عدة أشخاص، من بينهم امرأة إصابتها خطيرة. بالإضافة إلى هذا الوضع الذي أصبح جزءً من الروتين اليومي في منطقة الشمال، يؤدي نقص الملاجئ المحمية إلى جعل بعض المؤسسات في القرى العربية غير قابلة لاستقبال الناس، على سبيل المثال، في قرية دير الأسد، أُغلق مركز الخدمات الطبية التابع لصندوق "مئوحيدت" بسبب عدم وجود ملجأ محمي، مما أدى إلى نقل خدمات الرعاية الصحية لحوالي 2000 شخص من دير الأسد والمناطق المجاورة إلى كرميئيل.
إلى جانب ذلك، تواجه العديد من السلطات المحلية في المجتمع العربي نقصًا حادًا في معدات الإنقاذ والفرق التطوعية المدربة على التعامل مع حالات الطوارئ.
وفقًا لمركز الطوارئ: "هناك ثلاثة أنواع من الملاجئ: في المنازل، ملاجئ عامة، وفي المدارس. ويعاني المجتمع العربي من نقص في جميع هذه الأنواع. تتصدر القائمة مناطق مثل روش بينا، شلومي، وحَتسور هجليليت، التي تبين أنها الأكثر تحصينًا. أما في أدنى القائمة، فتوجد القرى العربية والدرزية، حيث لا توجد ملاجئ عامة على الإطلاق في سبع منها."
اختلط زيت الزيتون بالدم!
مينا حسون وابنها كرمي من شفاعمرو لقيا حتفهما إثر سقوط صاروخ أثناء عملهما في قطف الزيتون في 31.10، قبل حوالي أسبوعين. بعد يومين، سقط صاروخ آخر على عائلة كانت تعمل في قطف الزيتون في قرية شعب بالجليل.
"عدم الوضوح بالتعليمات (قيادة الجبهة الداخلية لم تغير تعليماتها بشأن التواجد في المناطق المفتوحة) فيما يتعلق بالملاجئ المتنقلة، وغياب التوعية حول شروط قطف الزيتون يمثلان مشكلتين خطيرتين يمكن أن تؤديان إلى نتائج كارثية، كما رأينا في شفاعمرو. هذا يعكس استهتارًا بأرواح الناس وعدم مبالاة من جانب الحكومة تجاه المجتمع العربي، الذي يسعى للحفاظ على التقاليد، والذي يشكل قطف الزيتون بالنسبة لشريحة كبيرة منه مصدر دخل إضافي في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة خلال العامين الماضيين" جاء في بيان مركز الطوارئ للسلطات العربية "عندما لا تقدم الحكومة إرشادات واضحة أو توفر وسائل أمان، فإنها تعرض العائلات لمخاطر غير ضرورية. قطف الزيتون ليس فقط مهم اقتصاديًا، بل هو أيضًا جزء لا يتجزأ من الثقافة والهوية المحلية، ولذلك من المهم أن تأخذ الحكومة هذا الأمر على محمل الجد. لمنع وقوع حوادث إضافية وتحسين الوضع، هناك حاجة ماسة لتنظيم هذه القضايا وزيادة الوعي بسلامة العمل في كروم الزيتون، بالإضافة إلى تطوير خطط طوارئ وتوفير تعليمات واضحة تضمن سلامة الأشخاص الذين يقطفون الزيتون. من الضروري أن تعترف الحكومة بذلك وتعالجه".
"الفجوات في الحماية، والاستعداد، والتأهب للطوارئ بين السلطات العربية واليهودية ببساطة لا تُصدق، حتى في ظل سياسة الإهمال وغياب المعالجة الحكومية المناسبة. في الواقع، أصبح من الأكثر أمانًا التسوق أو القيام بالمهام في كرميئيل (بسبب عدد الملاجئ العامة) مقارنة بمحاولة الاحتماء داخل المنازل في إحدى السلطات العربية المحيطة، وهذا وضع غير طبيعي" يقول مدير مركز الطوارئ للسلطات العربية، فادي العبرة واصفًا الحال بالبلدات العربية.
وبالإضافة إلى كل هذه المعاناة المضاعفة التي يعاني منها سكان البلدات العربية في الجليل، وفي مناطق أخرى، بسبب نقص الأماكن الآمنة والمحمية وشعور المواطن العربي أن الدولة تعتبر البلدات العربية مناطق مفتوحة، فإن التعقيبات في وسائل التواصل الاجتماعي، لا تزيد الأمر إلاّ حدةً وسوءً، تعقيبات في الصفحات والمواقع باللغة العبرية، قسم كبير منها، لأشخاص يعبرون عن فرحهم بمقتل وإصابة المواطنين العرب، بشكل علني وواضح، وقد تم تقديم شكوى للشرطة ووزارة القضاء والنيابة من قبل مركز مساواة، لكن لم يُعالج الأمر، حتى الآن على الأقل. ومع كل التساؤلات التي يتساءلها المواطن العربي في كل هذه الأحداث الأخيرة، يضاف سؤال جديد، ماذا لو كانت هذه التعقيبات، من مواطنين عرب، تعقيبًا على مقتل مواطنين يهود؟ ما الذي كانت الشرطة ستفعله الشرطة والشاباك؟ كيف كانت ستكون تعقيبات الوزير بن غفير؟
[email protected]
أضف تعليق