نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا أعده مراسلها ميهول سريفيستافا وأندرو إنغلاند ونيري زيبلر تساءلوا فيه عما تبقى من حماس في غزة بعد مقتل يحيى السنوار، الشهر الماضي.
وقالوا إن يوسف، مهندس برامج الكمبيوتر دهش منذ غادر وعائلته مدينة غزة هذا العام من بقاء حماس على حالها. ولم يكن يوسف الذي ترك زوجته بدون حجاب معجبا بالإسلاميين الذين حكموا غزة منذ عقدين تقريبا. وفي الوقت الذي ترك فيه يوسف غزة، كانت القوات الإسرائيلية قد سيطرت على معظم غزة من الجناح العسكري لحماس وقتلت آلافا من المقاتلين وقتلت قبل فترة السنوار.
ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنهم دمروا معظم القوة العسكرية للحركة. لكن ما تبقى من حماس كما تظهر رحلة يوسف بين معسكرات النازحين في رفح ودير البلح، يظهر صعوبة تدمير الحركة. وقال يوسف الذي يعيش في خيمة الآن مع زوجته وولديه “في كل مكان تشم رائحة حماس”. وعندما احتاج لبطانية ومكان طلب منه الحديث مع موظف في وزارة التنمية الاجتماعية الذي تعرف عليه بأنه مسؤول محلي في حماس من شمال غزة.
ويقول إن الأئمة الذين عينوا بالتشاور مع حماس يأخذون الناس في المساء للصلاة وسط أنقاض مسجد. وعندما حدثت سلسلة من السرقات للمجوهرات والهواتف النقالة والمال في مخيم آخر، ذهب المشتكون إلى رجل شرطة بالزي المدني من خان يونس، المدينة التي اعتبرت في الماضي معقلا قويا لحماس.
ظهرت لقطات فيديو على قناة حماس في منصة تيلغرام وفيها صور للسارقين المزعومين وهم يضربون، وهو دليل على ما يقوم به أفراد وزارة الداخلية المتبقين للحفاظ على مظهر من الأمن والنظام
وبعد يوم أو يومين ظهرت لقطات فيديو على قناة حماس في منصة تيلغرام وفيها صور للسارقين المزعومين وهم يضربون، وهو دليل على ما يقوم به أفراد وزارة الداخلية المتبقين للحفاظ على مظهر من الأمن والنظام. وعاد رجل الشرطة بكيس من الهواتف النقالة. ويقول يوسف “لن يذهبوا إلى أي مكان”، وقال “إنهم هنا وينتظرون نهاية الحرب”.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إنهم دمروا 23 من 24 كتيبة للقسام وخفضوا حجم الحركة من مجموعة عسكرية قادرة على إطلاق مئات الصواريخ مرة واحدة على تل أبيب إلى مجموعة صغيرة من الخلايا التي تخوض حرب عصابات. وتبدو هذه الخلايا مستقلة وتقوم بتجميع نفسها بطريقة مفاجئة، كما في مخيم جباليا، شمال غزة.
لكن حماس لم تكن فقط قوة عسكرية بل هي جزء من النسيج الاجتماعي والتي أدارت بطريقة رسمية وغير رسمية عددا من الوزارات والخدمات الاجتماعية. وما بقي من الحركة بات ضعيفا ولكنه صامد.
وبعد المواجهة في عام 2007 والتي أدت لطرد حركة فتح من غزة، تورطت الحركة في الحكم من خلال تولي الوزارات شخصيات سياسية مرتبطة بحماس.
واليوم، وبرغم تدمير هذه الوزارات وتفرق المسؤولين فيها، يدير الناجون خدمات شبه حكومية غير فاعلة ومستنفذة، في وقت تحول فيه الجناح العسكري إلى حركة حرب عصابات. وهم ينتظرون، كما أظهرت مقابلات مع غزيين مثل يوسف ومسؤولين عسكريين إسرائيليين ومحللين وصفوا ما تبقى من حماس كلاعب قوي وسط الأنقاض في غزة، ويمكن أن يعود حالة انسحب الإسرائيليون.
يقول عمر شعبان، مؤسس بال- ثينك للدراسات الإستراتيجية في غزة: حماس حركة ولديهم مؤسسات، وسيحتاجون وقتا للتعافي ولكنهم لم يتم محوهم
ويقول عمر شعبان، مؤسس بال- ثينك للدراسات الإستراتيجية في غزة “هم حركة ولديهم مؤسسات، وسيحتاجون وقتا للتعافي ولكنهم لم يتم محوهم” و”بالطبع لا يستطيعون السيطرة على المجتمع وتقديم الخدمات المتوقعة منهم، لكنهم هنا ويحاولون الحفاظ على أدوارهم في الحياة المدنية”.
وتقول الصحيفة إن ما تبقى من حماس ضروري وبخاصة بعد مقتل السنوار الشهر الماضي في مواجهة مع جنود إسرائيليين بالصدفة في رفح، جنوب غزة. وعبر المسؤولون الأمريكيون والدبلوماسيون بالمنطقة عن أملهم من أن يؤدي مقتل السنوار لوقف إطلاق النار يمكن أن يحرر الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفض شروط الاتفاقية وقال إنه سيترك بقايا حماس تسيطر فعليا على ما تبقى من القطاع.
واعترف مسؤول عسكري إسرائيلي: “لقد فقدوا قدراتهم العسكرية وفقدوا التسلسل القيادي ولكنهم لا يزالون في غزة ولديهم قدرات إدارية” وأن “تفكيك القوة العسكرية هو أسهل من تفكيك القدرة الإدارية”، مضيفا: “مقتل السنوار يساعد ولكن حماس هي أقوى من رجل واحد”.
وتقول الصحيفة إن السنوار قبل الحرب اعتاد على تفقد القوات العسكرية خلال التدريبات الجماعية وعلى لقاء الدبلوماسيين الإقليميين وكان يلقي الخطب النارية في الحشود المعجبة في التجمعات الخارجية. ومن المرجح أن يتم اغتيال خليفته، الذي لم يتم تعيينه رسميا بعد، من قبل إسرائيل وإجباره على العيش في الظل، مما سيؤدي إلى تحول في طبيعة حماس.
وقد تحولت غزة بعد عام من قرار الهجوم على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر خرابا وقتل في الحرب أكثر من 43,000 فلسطيني وأجبر السكان على النزوح إلى أرض يباب غير مضيافة.
تحولت غزة بعد عام من قرار الهجوم على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر خرابا وقتل في الحرب أكثر من 43,000 فلسطيني
ورغم لوم الكثير من الغزيين حماس على الهجوم والمقامرة المتهورة بالمواجهة مع إسرائيل، إلا أنها لا تزال الحركة الأكثر شعبية وحاملة لواء المقاومة ضد إسرائيل. وبحسب المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله، فإن دعم حماس وإن تراجع مع استمرار الحرب إلا أن الغالبية العظمى ترى أن 7 تشرين الأول/أكتوبر قربهم نحو الدولة الفلسطينية من خلال عودة معاناتهم للمسرح الدولي. وفي خارج غزة والضفة الغربية لا تزال حماس فاعلة وبرغم مقتل رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية في أثناء زيارته لطهران. ولدى الحركة مكتب في الدوحة بقطر وتعقد مؤتمرات في بيروت وطهران، ويسافر مبعوثوها حول العالم لعقد مشاورات مع المسؤولين بمن فيهم الصينيون في بيجين.
ويقول مايكل ميلشتين، المسؤول السابق في الاستخبارات العسكرية والزميل في معهد دايان بجامعة تل أبيب: “يمكنك إلحاق الضرر بهم ولكن لا يمكنك إجبارهم على رفع الراية البيضاء. يمكنك تحطيم رؤوسهم، كما فعلنا مع السنوار، ولكن دعونا نعترف بذلك، في غزة، نحن لا نقترب من الهدف” الذي حددته حكومة نتنياهو في بداية الحرب. وأضاف: “حتى لو عانوا من ضرر لا مثيل له، فلا يزالون اللاعب المهيمن في غزة ولديهم قدرات عسكرية أساسية”.
وفي مقابلة مع مقاتل جريح من القسام، أجريت قبل فترة من خلال صحافي فلسطيني، قال إن كتائب القسام جهزت لهذه اللحظة، وهي الاختفاء من ساحة المعركة تجنبا للقوة العسكرية الضاربة ثم الظهور وملاحقة القوات الإسرائيلية واستنزافها. وقال المقاتل الجريح للصحيفة: “حماية أرض الوطن تعني أكثر من شيء”. وطلب وصفه باسم إبراهيم التركي و”اليوم، تعني إهانة العدو بألف جرح وطرده من فلسطيننا المقدسة”. وقال إن حماس مجهزة تجهيزا جيدا وتستطيع المقاومة لمدة طويلة. وهي تعتمد على الأسلحة الخفيفة وكميات صغيرة من العبوات الناسفة وفرق صغيرة تتألف من ثلاثة إلى خمسة مقاتلين يعملون بسرعة ثم يختفون في أنقاض غزة.
وقد أصبحت قدرة حماس على ممارسة حرب عصابات واضحة بشكل متزايد: فقد قتل عقيد إسرائيلي في الفترة الأخيرة في انفجار لحماس على مشارف جباليا خلال الهجوم الرابع الذي شنته قوات الدفاع الإسرائيلية على مخيم اللاجئين منذ بدء الحرب. وقال مسؤول عسكري إسرائيلي ثان إن القتال كان ضاريا هناك وقد ينتشر لمناطق أخرى من غزة. ونقلت الصحيفة عن إبراهيم دلالشة، مدير مركز الأفق في رام الله إن آلة حماس “تتكاثر، وهذا قتال لا علاقة له بالشخصيات، فهم مهمون. بل يتعلق ببدء عملية جديدة تستفيد من القضاء على [السنوار]”. وقال:”أنا كبير السن بما يكفي لرؤية شخصيات تصعد وتهبط على مدى سنوات عديدة، من خلال الانتفاضات والصراعات”.
[email protected]
أضف تعليق