*
اختتمت في العاصمة البلجيكية بروكسل، مطلع الأسبوع الجاري، أعمال المؤتمر الأوروبي الفلسطيني لمناهضة الأبارتهايد والاستيطان ووقف حرب الإبادة الجماعية، الذي نظمته المبادرة الأوروبية الفلسطينية لمناهضة الابارتهايد، ودائرة مناهضة الفصل العنصري في منظمة التحرير الفلسطينية. وشارك في المؤتمر، رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، محمد بركة، الذي قدم مداخلة شاملة بشأن الملاحقات السياسية ونظام الابرتهايد.
كما شارك في المؤتمر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رئيس دائرة مناهضة الفصل العنصري رمزي رباح، ورئيس المبادرة الأوروبية الفلسطينية لمناهضة "الابارتهايد" المحامي "جان فيرمون"، ورئيس الائتلاف العربي لمناهضة الابارتهايد، والأمين العام لاتحاد المحامين العرب النقيب المكاوي بنعيسى، وشخصيات سياسية وبرلمانية أوروبية وعربية، وممثلو جمعيات وأحزاب أوروبية، وأكثر من 250 شخصية من مختلف دول أوروبا، وممثلو عن "الصوت اليهودي في أوروبا"، وعن "اليهود من أجل العدالة والسلام" وعن "يهود ضد الصهيونية".
وتخلل المؤتمر خمس جلسات من خلال أوراق عمل وأبحاث ودراسات قدمها ممثلو عدد من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات والنقابات والهيئات الأكاديمية والدولية والشخصيات الثقافية والسياسية والحقوقية، تمحورت حول "الفصل العنصري كجريمة ضد الإنسانية وكعنصر تأسيسي للاستعمار في فلسطين"، و"الفصل العنصري كعنصر تأسيسي للصهيونية ودور وسائل الإعلام في دعم الأبارتهايد والإبادة الجماعية"، و"دور المنظمات الدولية في النضال ضد الفصل العنصري"، و"دور أعضاء الاتحاد الأوروبي ضد الفصل العنصري والاحتلال، والتزامات الدول الثالثة الناشئة عن حالة الفصل العنصري، ودور الحقوقيين في أوروبا في معالجة الفصل العنصري الإسرائيلي كظاهرة غير قانونية وفق قوانين حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف"، و"مقترحات لحملة أوروبية ضد الفصل العنصري في فلسطين، من خلال إعادة تشكيل لجنة الأمم المتحدة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري والعمل مع البرلمانيين في أوروبا، والطلاب الأوروبيون من أجل فلسطين، وحركة التضامن مع فلسطين في سويسرا".
ويهدف المؤتمر إلى إطلاق حملة أوروبية لمناهضة الفصل العنصري الاسرائيلي والاستيطان والإبادة الجماعية، وخلق أداة عمل متمثلة بائتلاف أوروبي فلسطيني عربي، للقضاء على سياسة الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني الاسرائيلي، وإلى العمل على الساحة الأوروبية في مسارات سياسية وحقوقية ومجتمع مدني، للضغط على الحكومات والبرلمانات الأوروبية من اجل اتخاذ مواقف عملية ضد سياسة الفصل العنصري والاحتلال الاستعماري الإحلالي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودعم الاعتراف بدولة فلسطين، والضغط لمحاسبة ومساءلة دولة الاحتلال في محكمتي العدل والجنائية الدولية والمحاكم الأوروبية.
وفي الجلسة الافتتاحية، استعرض رئيس المبادرة الأوروبية الفلسطينية لمناهضة الابارتهايد المحامي "جان فيرمون" الجهود التي تبذلها المبادرة من اجل تشكيل ائتلاف أوروبي في مواجهة الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني الاسرائيلي والضغط من اجل وقف حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني.
وأشاد "فيرمون" بتصاعد حركة التضامن العالمي مع حقوق الشعب الفلسطيني، من اجل استعادة حقوقه المشروعة في العودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة.
وفي كلمته، وجه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير رمزي رباح التحية لأعضاء المؤتمر الأوروبي، مستعرضا حرب الإبادة الجماعية التي تشنها دولة الاحتلال الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، التي تهدف إلى طمس الهوية الوطنية الفلسطينية، وممارسات الاحتلال العدوانية فيما يتعلق بالاستيطان والتهويد وسرقة الأراضي وتهجير السكان وهدم المنازل، ومحاولات تطبيق سياسة التطهير العرقي.
وأدان رباح الانحياز الأمريكي والغربي الواضح لصالح دولة الاحتلال، مؤكدا ضرورة محاسبتها على سياستها الإجرامية والوحشية في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
وحّت المؤتمر سفيرة دولة فلسطين لدى بلجيكا أمل جادو التحية للمؤتمر، وأشادت بالجهود التي تبذل على المستوى العالمي في مناهضة الفصل العنصري الاسرائيلي.
بدوره، أدان "ديكلان كيرني" رئيس حزب "الشين فين" الإيرلندي حرب الإبادة الجماعية في فلسطين، داعيا إلى فرض العقوبات على دولة الاحتلال الاسرائيلي ومعاقبتها على جرائمها التي ترتكبها، ومؤكدا أهمية فرض القانون الدولي والإنساني، وملاحقة ومحاكمة قادة الاحتلال في المحكمة الجنائية الدولية.
وقدم رئيس لجنة المتابعة محمد بركة مداخلة شاملة اكد خلالها ان التطهير العرقي وعقلية الابادة لم تبدأ في الحرب الاخيرة انما تعود جذورها الى تصريح بلفور من العام 1917، وفرض الانتداب على فلسطين للتمهيد لتنفيذ ذلك التصريح وتهجير الشعب الفلسطيني، كما أشار الى ممارسات اسرائيل ضد الجماهير الفلسطينية في داخل اسرائيل من مصادرة ارض وهدم بيوت ونشر الجريمة المنظمة وسنّ القوانين العنصرية.
كما قدم البروفيسور ايلان بابي مداخلة ثاقبة حول التطهير العرقي في فلسطين مبينا بالحقائق والدلائل الطبيعة العدوانية لممارسات اسرائيل والحركة الصهيونية.
وأرسل الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني جيرمي كوربين بتحياته ودعمه للمؤتمر ولأهدافه.
من ناحيته، حيا "توماس بارتيس" عضو البرلمان الأوروبي عن "حزب فرنسا الأبية" نضال الشعب الفلسطيني، داعيا البرلمان الأوروبي لاتخاذ مواقف أكثر وضوحا في دعم حقوق الشعب الفلسطيني.
وشارك المشاركين في المؤتمر ش في مسيرة جبارة في بروكسل، التي شارك فيها ما يزيد على 70 الف متظاهر للدعوة الى وقف الابادة الاسرائلية ودعما لحقوق الشعب الفلسطيني.
البيان الختامي
وفي نهاية المؤتمر، تمت المصادقة على البيان الختامي "إعلان بروكسل" الصادر عن المؤتمر الأوروبي لمناهضة الابارتهايد والاستيطان ووقف الإبادة الجماعية، والذي دعا شعوب العالم إلى استخدام كافة وسائل الضغط واتخاذ كافة الإجراءات المتاحة لإجبار حكومة الاحتلال الإسرائيلي على الوقف الفوري لعدوانها على غزة، ورفع الحصار عنها، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية وغيرها من المساعدات الإغاثية.
وطالب "إعلان بروكسل" إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة، واعتبار قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية وحدة إقليمية واحدة من أراضي الدولة الفلسطينية كما تعترف بها القرارات الدولية، وتمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق حقهم في تقرير مصيرهم، من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة عليها، بما في ذلك القدس عاصمة لها، والاعتراف بحق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها عام 1948، تنفيذاً لقرار الأمم المتحدة 194.
وأدان الإعلان السياسات الإسرائيلية العدوانية والتوسعية والعنصرية، المدعومة من الولايات المتحدة دون قيد أو شرط، التي جعلت من دولة الاحتلال دولة خارجة عن القانون، أدارت ظهرها للمجتمع الدولي والرأي العام العالمي، وترفض تنفيذ أي قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن، وآخرها القرار رقم 2735 الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار ورفع الحصار عن غزة رغم عزلتها الدولية.
ودعا الإعلان الدول الأوروبية إلى البدء بإجراءات محاسبة دولة الاحتلال وإجبارها على الالتزام بالقانون الدولي، وخاصة اتفاقيات جنيف الأربع، وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة الأخيرة لوقف جرائم الإبادة الجماعية والتدمير الشامل التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
كما دعا الإعلان الدول الأوروبية إلى إلغاء اتفاقيات الشراكة والتعاون التجاري والاقتصادي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لإجبارها على التراجع عن منظومة قوانينها العنصرية، وفي مقدمتها قانون الدولة القومية اليهودية ومشروع ضم الضفة الغربية والقدس لإقامة ما يسمونه إسرائيل الكبرى، لإجبارها على الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والتوقف عن تزويدها بالسلاح واعتبار استمراره تواطؤاً في جرائم حرب الإبادة الجماعية ويستحق المحاسبة، ومقاطعة البضائع الاستيطانية وكل ما يتعلق بالمستوطنات على مختلف المستويات، وكذلك الشركات العاملة في المستوطنات والمدرجة على القائمة السوداء من قبل الأمم المتحدة، والمشاركة مع حركة المقاطعة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات التي تلعب دورا استباقيا وفعالا في هذا الصدد.
ولفت الإعلان إلى ضرورة إعلان الاعتراف بدولة فلسطين وحقها في الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، أسوة بمواقف عدد من الدول الأوروبية مثل إسبانيا وأيرلندا والنرويج، وتنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 13 سبتمبر 2024، بشكل فوري وغير مشروط وبشكل كامل، تعزيزاً لفتوى محكمة العدل الدولية التي تنص على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة.
وذكر "إعلان بروكسل" أهمية دعم نضال الشعب الفلسطيني داخل أراضي 1948 من أجل إلغاء سياسة التمييز العنصري التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في مناطق 48، والتي تتضمن حرمانه من حقوقه الأساسية، وخاصة الاعتراف بحقوقه الوطنية، والحق في المساواة وحقوق المواطنة، خاصة بعد تفاقم مظاهر الفصل العنصري وانتهاكات حكومة اليمين العنصري المتطرف التي تمارس الإرهاب وجرائم الحرب والإبادة الجماعية ضد كافة أبناء الشعب الفلسطيني، وحماية دور واستمرارية عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا)، ورفض محاولات إسرائيل إغلاق مقراتها وتدمير مؤسساتها، باعتبارها أهم مؤسسة دولية تقدم خدمات الإغاثة للاجئين بأعلى مستويات الكفاءة والدقة، وتعبر في الوقت نفسه عن الالتزام الدولي بقضية اللاجئين وحقهم في العودة.
ودعا الإعلان الدول الأوروبية إلى الانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بشأن ارتكاب إسرائيل جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، ومطالبة المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق مجرمي الحرب "نتنياهو" ووزير حربه "غالانت" بتهم ارتكاب جرائم وجرائم حرب ضد الإنسانية، والمطالبة بتفعيل الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتفاقية قمع ومعاقبة جريمة الفصل العنصري، وهي اتفاقية دائمة وراسخة صدرت عام 1976 لمحاسبة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا آنذاك.
كما دعا إلى تكثيف الجهود المشتركة مع النقابات ومؤسسات المجتمع المدني والاتحادات العالمية وغيرها من المؤسسات والمنظمات الأكاديمية والثقافية والاجتماعية، لتعليق عضوية إسرائيل في هذه الاتحادات والمؤسسات إلى حين امتثالها للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
وثمّن "إعلان بروكسل" عمل ودور المبادرة الأوروبية الفلسطينية لمناهضة الفصل العنصري والاستيطان واستعدادها لبذل جهودها في توسيع ائتلاف المبادرة الأوروبية الفلسطينية وتشكيل فروع لها في الدول الأوروبية، وتنسيق الجهود في الحملات الشعبية والإعلامية والثقافية بين مكونات المبادرة في دول الاتحاد الأوروبي، على أسس الدعم والتكامل وتوفير الإمكانيات اللازمة، وتعزيز خطوات العمل المشترك والتعاون مع الجمعيات واللجان المناصرة والمؤسسات الأخرى الناشطة في دعم الحرية والعدالة للفلسطينيين، إضافة إلى تشكيل لجنة قانونية متخصصة من الخبراء القانونيين، لمتابعة ملفات الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في المحاكم الدولية والوطنية، حتى تأخذ العدالة مجراها.
وأوضح المشاركون في المؤتمر الأوروبي الفلسطيني لمناهضة الفصل العنصري والاستيطان والإبادة الجماعية أن النتائج التي توصل إليها المؤتمر في "إعلان بروكسل" ستوجه عمله الاستراتيجي في دوائر الرأي العام السياسي والرسمي والبرلماني والحكومي، بما في ذلك الرأي القانوني، وأن موجهاً إلى المؤسسات الدولية، مدركين أن توسيع حملة الضغط الشعبي والإعلامي والبرلماني سيكون له الأثر الكبير في إحداث التحولات لدحر نظام الفصل العنصري والاستيطان الاستعماري، مهما طال الزمن.
وأشار المشاركون إلى تنظيم حملات شعبية وإعلامية وثقافية في كل دولة أوروبية وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي ككل بجهود موحدة، وانضمام مكونات جديدة إلى التحالف الأوروبي، وتعزيز علاقات التنسيق والتعاون مع لجان التضامن والمناصرة بما يخدم الأهداف المشتركة.
وأعرب المشاركون في المؤتمر عن تضامنهم العميق مع الحركة الفلسطينية الأسيرة داخل سجون الاحتلال الاسرائيلي، مطالبا بالإفراج الفوري عنهم، وخاصة الأطفال وكبار السن والمرضى والنساء.
وأدان المشاركون الممارسات الوحشية واللاإنسانية بحق الأسرى والمعتقلين، التي تتنافى مع القوانين الدولية وقانون حقوق الإنسان، واتفاقية جنيف الرابعة.
[email protected]
أضف تعليق