رأى المُحلِّل الإسرائيليّ ناحوم بارنيع، أنّ لكلّ حروب إسرائيل توجد مؤشرات ودلائل، ولكن حرب السابع من أكتوبر الحاليّة تختلِف من حيث الميّزات. عمليًا كلّ شيءٍ كان في حرب تشرين أكتوبر من العام 1973: مفاجأة وإخفاق مجلجل عند بدء الحرب، احتجاجٌ ضدّ الحكومة كان عشية حرب لبنان الأولى، أيْ في العام 1982، ضدّ حكومة مناحيم بيغن، واحتقار السياسيين المُدمنين على المتعة، فسادهم، وتأييدهم لمقاطعة الخدمة الإجباريّة في الجيش الإسرائيليّ، عمليًا الجمهور احتقر نظام الحكم برّمته، على حدّ تعبيره.
ولكن، أضاف المُحلِّل في مقالٍ نشره بصحيفة (يديعوت أحرونوت) كانت الضربة التي ألحقتنا بها حركة (حماس) على العمق المدنيّ الأقسى على إسرائيل وعلى المشروع الصهيونيّ بكامله، وكانت عمليًا أكبر تحدٍّ عسكريٍّ للدولة العبريّة، وغنيُّ عن العودة لشرح تفاصيل الأضرار التي لحقت بنا، فوضع إسرائيل في العالم لم يكُن في أيّ مرّةٍ أسوأ من الوضع الذي تتواجد فيه الدولة حاليًا، وهذا يشمل اليهود أيضًا في جميع أصقاع العالم، فخلال أسبوعٍ تحوّلنا من أمّة التكنولوجيا المُتطوّرة والمُتنورّة، إلى نسخةٍ جديدةٍ من جنوب إفريقيا أبّان فترة الأبرتهايد في تلك الدولة الإفريقيّة.
علاوة على ما ذُكِر أعلاه، شدّدّ المُحلِّل، الذي يعتمِد على مصادر سياسيّةٍ واسعة الاطلاع في تل أبيب، على أنّ الحرب الحالية وجدت قيادة الحكومة في حالةٍ متنافرةٍ، ورئيس الوزراء انهار في الساعات الأولى من أكتوبر، أمّا بعد ذلك فقد صبّ جُلّ اهتمامه في مسألة البقاء بمنصبه، فيما كانت العلاقة بينه وبين وزير الأمن متوترة، ولا يثِق بهيئة الأركان العامّة للجيش، لافتًا إلى أنّ تصريحات نتنياهو عن الانتقال من الجنوب إلى الشمال لا تمُت للواقع بصلةٍ.
وخلُص بارنيع إلى القول إنّ “هذه الحرب غريبة وعجيبة وكشفت النقاب عن مدى تعلّق إسرائيل بالولايات المُتحدّة الأمريكيّة، وهو تعلّق يُثير الإزعاج، لأنّه منذ العام 1956، أيْ خلال العدوان الثلاثي على مصر، لم تكُن إسرائيل في وضع مشابهٍ، وهذا الأمر ينسحب على تبادل النار مع إيران: الدجاجة الإسرائيليّة قادرة على الطيران حتى المكان الذي تُحدده واشنطن، فنحن أمام حربٍ صعبةٍ ومعقدّةٍ، والأجدر بنا أنْ نعرف محدودية قوّتنا”، على حدّ تعبيره.
إلى ذلك، وفي أعقاب الهجوم الإيرانيّ على الكيان ادعى مسؤولون إسرائيليون أنّ دفاعاتهم كانت ثابتة، وقال الجيش إنّ إيران أطلقت أكثر من 180 صاروخًا، لكن لم يتِّم الكشف عن تفاصيل تذكر عن الأضرار.
ولكن في الوقت الذي تستعد فيه إسرائيل للرد، قالت صحيفة (أوبزفير) البريطانيّة، يعتقد المحللون أنّ هذه التقارير الأولية يمكن أنْ تكون مضللة، ويمكن أنْ تُغيِّر حسابات ردّ إسرائيل إذا كانت تخشى الدخول في نوبةٍ من “كرة الطاولة الصاروخيّة” المطولة مع إيران، خاصّةً إذا اختارت طهران أهدافًا أكثر ليونة في المستقبل.
وتابعت: “أظهرت لقطات الأقمار الصناعية ووسائل التواصل الاجتماعي صاروخًا تلو الآخر يضرب قاعدة (نيفاتيم) الجويّة في صحراء النقب، ويؤدي إلى بعض الانفجارات الثانوية على الأقل، ممّا يشير إلى أنّه على الرغم من الفعالية التي تمّ الترويج لها بشدة للدفاعات الجوية الإسرائيليّة (القبة الحديدية) و(السهم)، إلّا أنّ ضربات إيران كانت أكثر فعالية ممّا كان معترفًا به سابقًا”.
وأردفت: “في حين يبدو أنّ هذه الصواريخ لا تصيب الطائرات على الأرض، إلّا أنّها سيكون لها تأثير مميت إذا أطلقت على مدينة مثل تل أبيب، أوْ إذا تمّ توجيهها إلى أهدافٍ أخرى عالية القيمة مثل مصافي النفط بالقرب من حيفا، ممّا قد يخلق كارثة بيئية بجوار مدينةٍ إسرائيليّةٍ كبيرةٍ”.
“تبقى الحقيقة الأساسية هي أنّ إيران أثبتت أنّها تستطيع ضرب إسرائيل بقوّةٍ إذا اختارت ذلك”، كتب ديكر إيفيليث، المحلل في مجموعة الأبحاث والتحليل CNA، الذي حلل صور الأقمار الصناعية. “القواعد الجوية هي أهداف صعبة، ونوع الهدف الذي من المحتمل ألّا يؤدي إلى الكثير من الضحايا. يمكن لإيران أنْ تختار هدفًا مختلفًا، على سبيل المثال، قاعدة مكتظة بالقوات البرية للجيش الإسرائيليّ، أوْ هدفًا داخل منطقة مدنية، ومن شأن ضربةٍ صاروخيّةٍ هناك أنْ تُسفِر عن عددٍ كبيرٍ من القتلى”.
وأضافت: “مشكلة أخرى لإسرائيل هي اقتصاديات سلسلة مطولة من الضربات المتبادلة مع الإيرانيين، فمخزونات الدفاع الجويّ الإسرائيليّة باهظة الثمن ومحدودة، ممّا يعني أنّ البلاد قد تصبح أكثر عرضة للضربات الإيرانيّة مع استمرار الصراع”.
“بالنظر إلى أنّ إسرائيل يبدو أنّها التزمت علنًا بضرب إيران، فمن المحتمل ألّا تكون هذه هي المرّة الأخيرة التي نشهد فيها تبادل الصواريخ”، يكتب إيفيليث. “ما يقلقني هو أنّ هذا سيكون، على المدى الطويل، تبادلاً لن تتمكن إسرائيل من تحمله إذا أصبح صراعًا طويل الأمد”.
وأوضحت الصحيفة البريطانيّة: “على المدى الطويل، قد تستهدف إسرائيل خطوط إنتاج الصواريخ الباليستيّة والبنيّة التحتيّة الإيرانيّة من أجل منع الهجمات. وتشمل الخيارات المستهدفة المنشآت العسكرية الإيرانيّة، بما في ذلك المواقع العسكرية للحرس الثوري، أوْ مراكز القيادة والسيطرة، والبنية التحتيّة للطاقة، مثل مصافي النفط، والتي يمكن أنْ تؤدي لضربةٍ مماثلةٍ على إسرائيل. وهناك أيضًا خيار توجيه ضربة مباشرة إلى البرنامج النوويّ الإيرانيّ، الذي حذرت طهران من أنّه أحد خطوطها الحمراء والذي حذر بايدن نتنياهو من القيام به”.
[email protected]
أضف تعليق