قال المحلل السياسي أمير مخول في حديث لبكرا: "شكلت المظاهرات الكبرى في المدن الإسرائيلية (1/9/2024) الحدث الاحتجاجي الأكبر والأكثر اتساعا منذ السابع من اكتوبر وبدء الحرب على غزة، وقد تكون الحدث الأكثر أثرا إذا ما تواصل التصعيد الاحتجاجي كمّاً وزخماً.

نتنياهو تخلى عن المحتجزين

انطلقت المظاهرات في أعقاب مقتل المحتجزين الاسرائيليين الستة في أحد الأنفاق في قطاع غزة، وقد وجه حراك العائلات اتهاما مباشرا لنتنياهو لدرجة تسميته بالقاتل ومنفّذ حكم الإعدام بذويهم الذين كان من المفترض أن تشمل الصفقة في حال إبرامها ولو المعوقات التي راكمتها نتنياهو بقراره الشخصي الناتج عن عقيدته، والتي وفقا لحركة الاحتجاج فقد تخلّى عن المحتجزين بذريعة بقاء جيش الاحتلال في محور صلاح الدين (فيلادلفي) عديم الاهمية استراتيجياً وفقا للتقديرات الأمنية.

الاضراب وتعطيل مرافق الدولة

يشكل انضمام نقابة العمال العامة (الهستدروت) للاحتجاج بإعلان رئيسها أرنون بار دافيد الإضراب العام يوم 2/9/2024، ولصالح إبرام صفقة التبادل، نقلة نوعية لحركة الاحتجاج وتحولها الى كتلة شعبية ضخمة تقدر بمئات الآلاف قادرة على كسر الهامشية وامتلاك أدوات تأثير على القرار الحكومي تصل إلى عتبة العصيان المدني وتعطيل مرافق الدولة. ووفقا لكل التقديرات فإن هذه الحالة قد تحقق غايتها فقط اذا تواصلت ولم تكن تحركا لمرة واحدة، ولو اتسع نطاقها ليشمل اوساطا مؤيدة للصفقة من جمهور اليمين وحصريا من جمهور مؤيدي الليكود الحاكم ونتنياهو.

سعت حكومة نتنياهو بكل قوة الى التعطيل على الإضراب بعدة وسائل، ومنها القضائية وكذلك تأليب نقابات يرأسها الليكود ضد الهستدروت، وتهديد وزير المالية سموتريتش للعاملين المضربين بأن وزارته لن تدفع أجورهم في يوم الإضراب، وكذلك قرار البلديات التي يرأسها الليكود بعدم المشاركة في الإضراب وفي مقدمتها بلدية القدس. كما سعت حكومة نتنياهو الى إطلاق حملة مفادها ان الاضراب هو سياسي وليس نقابيا ويخدم أعداء اسرائيل ويعطّل اسرائيلياً على مفاوضات الصفقة ولصالح حماس. سعيا للحيلولة دون انزياح جمهور واسع من مؤيدي اليمين لصالح الاضراب والاحتجاج، سعى نتنياهو وحكومته إلى الترويج إلى ان هدف الاحتجاجات هو إسقاط الحكومة ويعطل على الجهود الإسرائيلية لاستعادة المحتجزين.

تعميق الانقسام

تشير الحملة التي يطلقها نتنياهو وكل من وزيريه سموتريتش وبن غفير حاليا ضد حركة الاحتجاج وحول محور فيلادلفي، إلى اعتبارات المذكورين بأن تعميق الانقسام في المجتمع الإسرائيلي وتحويله إلى انقسام هوياتي دائم، يخدم عقيدتهم ومصالحهم السياسية والانتخابية، باعتبارهم ان التيارات التي يمثلونها هي المرشحة لتبوء النخب السياسية والمدنية والأمنية في إسرائيل بما فيه هوية أركان الجيش وعقيدته. وفقاً لهم، فكلما تعمق الشرخ السياسي الهوياتي، فإن ثبات اقصى اليمين في السلطة يصبح مضمونا أكثر، ناهيك عن حركة الهجرة وترك البلاد من أوساط تنتمي للتيارات المعارضة وحصريا العلمانية وعن تشتت المعارضة البرلمانية وتفريغها من اي مشروع سياسي بديل تقدمه للمجتمع الإسرائيلي.

الأثر الأكثر وضوحا لإضراب نقابة العمال العامة هو مد الاحتجاج بالقوة وبالزخم الشعبي وتحويل الشعور باليأس لدى حراك عائلات المحتجزين الى قوة تأثير، ومن مردود ذلك احداث صحوة معينة في المعارضة حصريا، لكن دونما تحقيق نقطة انكسار داخل الحكومة للمدى الفوري، لكن قد يتدحرج الى نقطة انكسار ومن المرشح ان تأتي من قبل حزبي التيار الديني الحريدي، اذ صرح اريه درعي رئيس حزب شاس في أعقاب مقتل المحتجزين الاسرائيليين الستة " ادعو اخوتي وزملائي من جميع الكتل البرلمانية، للعمل في هذا التوقيت لوحدة الشعب"، ويتماشى النداء مع مسعى اريه درعي منذ اسابيع عديدة الى توسيع الحكومة نحو "حكومة وحدة قومية" بضم احزاب من المعارضة المركزية مما يتيح إخراج بن غفير وحزب عوتسما يهوديت، وقد يشمل اخراج سموتريتش وحزبه الصهيونية الدينية من الحكومة، مما يتيح تغيير مسار التدمير الذاتي بين القوى الإسرائيلية المتصارعة. كما وتعزز مسعى حزبي الحرديم في أعقاب اقتحام بن غفير للمسجد الاقصى واعلانه انهاء "الوضع القائم" فيه، مما يتعارض وعقيدتي مرجعيات الحزبين الحريديين.

إقالة غالنت

من المستبعد ان يقوم نتنياهو بإقالة وزير الحرب غالنت، وذلك على الرغم من النداءات من داخل الليكود بهذا الصدد، كما يبدو نتنياهو مستفيدا من المشاحنات والعنف الكلامي بين سموتريتش وبن غفير وغالنت في اجتماعات الكابنيت، إلا أنه يتخوف من اتخاذ خطوة التنحية من ردود الفعل الشعبية وأكثر منها من ردود الفعل داخل الليكود واحتمالية الصدام مع مواقف عدد ضئيل من قيادات الليكود لكنه حاسم، وبالأخص مع رئيس لجنة الخارجية والأمن يولي ادلشتاين الذي يدعم الصفقة ويدعو لإبرامها. كما يدرك نتنياهو ان وقوف اثنين او أكثر من نواب الليكود مع غالنت قد يشكل نقطة انكسار اخرى في الحكومة، والتي لن تحدث إلا من داخل الحكومة.

نقطة الانكسار الاخرى التي يتخوف منها نتنياهو هي انزياح شرائح من مؤيديه ومؤيدي الليكود لصالح حركة الاحتجاج ومن اجل ابرام الصفقة وأولوياتها مقابل استمرار الحرب. في المقابل يستفيد غالنت من الحالة الشعبية ومن الشرخ العميق الذي يستفيد منه نتنياهو والمتمحور حول إبرام الصفقة التبادل، وهو ما يدفعه إلى البقاء في موقعه في حكومة نتنياهو مدعوما ايضا بموقف الجيش. الا انه قد يتخذ في حال تصاعد حركة الاحتجاج، قرارا بالاستقالة لإيقاع كامل المسؤولية على نتنياهو وشريكيه بن غفير وسموتريتش، مما يضعف قدراته على اتخاذ القرارات في ادارة الحرب، ومما قد يدفع الحريديم الى اعادة النظر في بقائهم في الائتلاف".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]