كلما اقتربت مفاوضات وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب على قطاع غزة من نهايتها، يعيدها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى النقطة الأولى، مكرراً سلسلة من الاشتراطات ترفضها حركة "حماس"، ومضيفاً الكثير من العراقيل والعقبات التي تحول حتى الآن دون التوصل إلى اتفاق مع "حماس" يوقف الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو ما يفسّر طول أمد المفاوضات وعدم تحقيقها أي تقدم حقيقي وملموس.

وفي أكثر من موقف، أعاد نتنياهو شروطاً كان قد تجاوزها مستغلاً "ليونة ومرونة" حركة حماس، ومعيداً التفاوض إلى البدايات، وهو ما دفع الحركة وفصائل المقاومة التي تنوب عنهم في التفاوض مع الوسطاء لإعلان موقف حازم بعدم الحاجة إلى تفاوض جديد وطلب العودة إلى ردّها المسّلم في 2 يوليو/تموز الماضي.

يستند ردّ حماس في 2 يوليو إلى موقفها من مقترح كانت سلّمته إسرائيل في 27 مايو وإلى ما عرف بإطار بايدن

وفي 2 يوليو الماضي، سلّمت حركة حماس الوسيطين القطري والمصري ردّها على مقترح وقف إطلاق النار وصفقة التبادل، الذي يستند في الأساس إلى موقفها من مقترح كانت سلّمته إسرائيل في 27 مايو/أيار الماضي إلى الوسيطين والإدارة الأميركية، وإلى خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن، وما عرف يومها بإطار بايدن في الـ31 من الشهر ذاته.

مفاوضات غزة: "حماس" لا تتراجع

وقالت مصادر في حركة حماس، لـ"العربي الجديد"، إن الحركة وفصائل المقاومة متفقة في ما بينها على أنه لا تراجع عن الرد المُسّلم للوسطاء في 2 يوليو الماضي، وأنه لا مجال للتفاوض من جديد، وأن المطلوب فقط آلية لتنفيذ ما اتفق عليه ووقف الحرب والذهاب إلى صفقة جادة. وذكرت المصادر أن حماس كان لديها شرط بألا تقبل أي مفاوضات إلا بانسحاب كامل ووقف إطلاق نار دائم في المرحلة الأولى من الصفقة، لكنها عادت ووافقت على أن تكون الصفقة على ثلاث مراحل، والمرحلة الأولى منها ليس فيها انسحاب كامل بل انسحاب خارج التجمعات الكبرى والمدن، وأن يناقش وقف اطلاق النار الدائم في المرحلة الثانية.
 
التهجير في غزة... أداة ضغط إسرائيلية على الأهالي

وهذا يتقاطع مع إعلان "حماس" في بيانها مساء أول من أمس الأحد، الذي اتهمت فيه نتنياهو بوضع شروط جديدة في مقترح وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، خلال مباحثات الدوحة الخميس والجمعة الماضيين، التي لم تكن الحركة طرفاً فيها، ما يحول دون إنجاز الصفقة.

وقالت حركة حماس، في بيان، إن نتنياهو وضع شروطاً جديدة في ملف تبادل الأسرى، وتراجع عن بنود أخرى، ما يحول دون إنجاز صفقة التبادل، مشيرةً إلى أنها بعد أن استمعت إلى الوسطاء حول ما جرى في جولة المباحثات الأخيرة في الدوحة، تأكد لها مرة أخرى أن نتنياهو لا يزال يضع العراقيل أمام التوصل إلى اتفاق، ويضع شروطاً ومطالب جديدة، بهدف إفشال جهود الوسطاء وإطالة أمد الحرب.

وذكرت مصادر مواكبة لعملية التفاوض، لـ"العربي الجديد"، أن نتنياهو تراجع عن اتفاق سابق يقضي بالانسحاب من محوري صلاح الدين (فيلادلفيا) والشهداء (نتساريم)، وأعاد شرط تفتيش النازحين الراغبين في العودة إلى شمال القطاع، ووضع قيوداً تتعلق بأعداد وأسماء من ترغب حماس في الإفراج عنهم مقابل الأسرى الذين بحوزتها، واشترط عمليات إبعاد جماعية.

سهيل الهندي: اقتراح 2 يوليو يمثل الحد الأدنى لمطالب الشعب الفلسطيني والمقاومة

وفي السياق، أكدّ عضو المكتب السياسي لحركة حماس سهيل الهندي، لـ"العربي الجديد"، أن الحركة تتمسك باقتراح 2 يوليو الماضي، وهو يمثل "الحد الأدنى لمطالب الشعب الفلسطيني والمقاومة"، مشدداً على أن "حماس" وقوى المقاومة تعمل بكل جهد لوقف الحرب المجنونة وحقن الدماء، لذلك "أبدينا مرونة كبيرة للوصول إلى اتفاق". وشدّد الهندي على أن الحركة توافقت مع الوسطاء على المقترح "لكن العدو لم يلتزم، وفي كل مرة يُخلف ما اتفق عليه مسبقاً، ونحن قلنا لا يمكن أن نقبل باتفاق دون 2 يوليو" الماضي، موضحاً أن الاحتلال يعتقد أن مزيداً من الضغط العسكري والجرائم وقتل الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ ومدنيين في قطاع غزة يستطيع تركيع المقاومة لكنه واهم.

وأشار إلى أن "المقاومة تتألم لما يصيب شعبها، وتؤلم المحتل الإسرائيلي أيضاً، وهي ترفع شعاراً دائماً أنه من دون الأمن والأمان للشعب الفلسطيني، لن يكون هناك أمن وأمان للمحتل الإسرائيلي"، داعياً "الوسطاء والمجتمع الدولي للضغط على الاحتلال ونتنياهو لتطبيق الاتفاق وإجباره على وقف الحرب".

ثوابت التفاوض

ولفت الهندي إلى ثوابت "حماس" التي تتمسك بها و"لا يمكن قبول أي اتفاق من دونها"، وهي وقف الحرب وانسحاب الاحتلال وعودة النازحين المهجرين إلى أماكن سكناهم والوصول إلى صفقة تبادل أسرى حقيقية نستطيع من خلالها الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، خصوصاً أصحاب المحكومات العالية، وإعادة إعمار قطاع غزة وإغاثة الشعب الفلسطيني، مشيراً إلى أن "هذه رسالة وصلت إلى الوسطاء الأخوة في مصر وقطر، ووصلت إلى الأميركيين والجميع، فلا يمكن أن نقبل بصفقة دون هذه الشروط".

وبينما فسّر نتنياهو "ليونة" حركة حماس على أنها رضوخ ورفع للراية البيضاء، واعتقد أن الضغط العسكري والسياسي والميداني هو الذي أدى إلى هذه نتيجة، قال الهندي إن الليونة التي ظهرت من "حماس" كانت "من أجل حقن دم الشعب الفلسطيني وليس إعلان الولاء أو الخضوع للاحتلال، فما زالت المقاومة رغم مرور كل هذه الأيام ثابتة وتواجه المحتل بكل قوة"، مشدداً على أن المقاومة "على استعداد للاستمرار ما دام العدو لا يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، ولن ترفع الراية البيضاء، والشعب الفلسطيني لم يسبق له أن رفع الراية البيضاء أو الاستسلام".

تدعو حماس الوسطاء في مصر وقطر للضغط على إسرائيل من أجل الالتزام بما اتفق عليه مسبقاً

ولم يغفل الهندي المعاناة الكبيرة التي يعيشها الفلسطينيون في القطاع في ظل استمرار حرب الإبادة والتجويع، قائلاً إن حركته والمقاومة تعمل بكل جد من أجل التخفيف عنهم، ووقف حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وأن الشعب الفلسطيني لم يقبل في يوم من الأيام أن يتراجع عن مواقفه وحقوقه. ودعا أيضاً إلى ضغط الوسطاء في مصر وقطر على إسرائيل من أجل الالتزام بما اتفق عليه مسبقاً، والضغط على المجتمع الدولي من أجل الضغط على الاحتلال ووقف جرائمه وإنهاء هذه الحرب وإلزام الاحتلال بالاتفاق، مشيراً إلى أن "التاريخ سيلعن من لا ينصف الشعب الفلسطيني والضحايا والذين يعانون أشد العناء في قطاع غزة".

ركائز التفاوض والمطالب

في الأثناء، لفت الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى ركائز وأساسيات تعتمد عليهم حركة حماس في هذه المفاوضات، وضمنها مطالب لا يمكن أن تقفز عليها وهي وقف إطلاق النار الدائم والانسحاب الكامل وإغاثة الشعب الفلسطيني وعودة النازحين، موضحاً أن حماس لا يمكن أن تتجاوز هذه النقاط والمطالب في أي مفاوضات مقبلة. وأوضح المدهون أنه من دون هذه الشروط والركائز "من الصعب الوصول إلى اتفاق، لذلك فإن الاحتلال يدرك ذلك ويحاول نتنياهو التشويش على الأساسيات في أي عملية تفاوض"، مشيراً إلى أن نتنياهو استغل مرونة "حماس" والتماشي مع عروض الوسطاء وما يقدم، واعتقد أنه استجابة للضغط العسكري الممارس، وهو أمر غير صحيح، لأن "حماس" لديها أولوية وقف الكارثة في غزة.

ورأى المدهون أن ليونة ومرونة حركة حماس في مفاوضات عزة الجارية لا تعني القبول بأي شيء، فأي عروض لا تلبي الحدّ الأدنى من المطالب الفلسطينية ستُرفض، متسائلاً: "ما فائدة أن تقبل حماس بصفقة لا توقف الحرب ولا تؤدي إلى انسحاب الاحتلال الإسرائيلي وعودة النازحين؟". وأشار إلى أن "مشكلة الولايات المتحدة أن لديها ازدواجية في الأدوار: هي شريك وطرف في الحرب ضد المقاومة والفلسطينيين، وهي وسيط في الوقت نفسه، ويجب عليها أن تقرر وقف هذا العدوان"، منبهاً إلى أنه "مطلوب من الوسطاء أن يطالبوا بوقف العدوان ووقف إطلاق النار من أجل إفساح المجال للمفاوضات، فالمفاوضات تحت إطلاق النار تفرغها من مضمونها"، غير أن الاحتلال، برأيه، "يعتبر المفاوضات ساتراً لجرائمه". وذكر المدهون أن "حماس" تتمسك بما وافقت عليه في 2 يوليو الماضي لأنه "يلبي الحدّ الأدنى من مطالب الشعب الفلسطيني، لذلك هي تتمسك به وتفضله"، مشيراً إلى أن "هذا الاقتراح معتمد على رؤية بايدن وعلى قرار الأمم المتحدة الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار، وما تم الاتفاق عليه في أوقات سابقة".

المصدر: العربي الجديد

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]