تحظى عائلات الرؤساء باهتمام كبير بين الأوساط الشعبية والإعلامية في الولايات المتحدة، إذ تلعب معرفة خلفياتها وجذورها دوراً مهماً في تشكيل الصورة الإنسانية لسيد البيت الأبيض الجديد، ومع احتمالية صعود نائبة الرئيس كامالا هاريس لتولي أعلى منصب في البلاد، تتوجه الأضواء نحو أسرتها غير الاعتيادية.
ومع اقتراب ترشيحها رسمياً من قبل الديمقراطيين، لن تكون هاريس الرئيسة المحتملة الأولى فحسب، إذا هزمت ترمب في انتخابات 5 نوفمبر، بل سيصبح أيضاً زوجها اليهودي دوج إيمهوف أول "سيد أول" في تاريخ الولايات المتحدة، وكان بالفعل، في موقع مشابه خلال الثلاث سنوات ونصف السنة الأخيرة، باعتبار أن زوجته ذات الأصول الجامايكية الهندية أول أمرأة أميركية تتولى منصب نائب الرئيس.
ومع هذه الميزة التي جلبها جنسها إلى طاولة السياسة والقفزات الكبيرة التي تخطو بها نحو السباق إلى البيت الأبيض، تُثقل التوقعات المتزايدة لـ"الرئيسة الأولى"، والمرأة الملونة الأولى على رأس حزب سياسي، كاهل هاريس، وتُضيف عائلتها المختلطة ما بين أعراق وسياسات واتجاهات متعددة تحدياً آخر، لاسيما موقف زوجها الداعم لإسرائيل، في مقابل ابنته التي تقوم بجمع التبرعات من أجل غزة.
والدا هاريس والحقوق المدنية
في مطلع الستينيات، كانت الولايات المتحدة وجهة شيامالا جوبالان، القادمة من الهند للحصول على درجة الدكتوراه في الغدد الصماء من جامعة كاليفورنيا بيركلي. وفي الوقت نفسه، هاجر دونالد هاريس من جامايكا لدراسة الاقتصاد في نفس الجامعة، حيث التقى الشابان، وشاركا في احتجاجات حركة الحقوق المدنية، التي اجتاحت الشوارع الأميركية في تلك الفترة، بهدف إنهاء الفصل والتمييز العنصري القانوني في الولايات المتحدة.
ثم سرعان ما تزوجت شيمالا ودونالد بعد قصة حب، وأنجبا كامالا هاريس وشقيقتها مايا، المستشارة السياسية لهاريس، والتي عملت في حملتها الرئاسية عام 2020.
وكانت السياسة حاضرة بشكل طبيعي وانسيابي في حياة كامالا هاريس، وهو ما أوضحته عبر منشور في "إنستجرام"، قالت فيه: "عندما كنت فتاة صغيرة أزور أجدادي في الهند، كنت أنضم إلى جدي وأصدقائه في نزهتهم الصباحية على طول الشاطئ حيث كانوا يتحدثون عن أهمية النضال من أجل الديمقراطية والحقوق المدنية".
وعندما تم انتخابها عضوة في الكونجرس، كتبت عن نضال والديها في الستينيات: "بفضلهم وبفضل الأشخاص الذين نزلوا إلى الشوارع للقتال من أجل العدالة، وصلت إلى حيث أنا الآن. لقد مهدوا الطريق لي، باعتباري ثاني امرأة سوداء يتم انتخابها لعضوية مجلس الشيوخ الأميركي".
"أم حطّمت كل الحواجز"
عندما كانت في السابعة من عمرها، انفصل والدي هاريس، وفي المراحل اللاحقة لم يكن الأب حاضراً في حياتها إلا نادراً.
وعلى غرار والدها، الذي أصبح مطلع السبعينيات أول باحث أميركي من أصل إفريقي يحصل على وظيفة دائمة في قسم الاقتصاد بجامعة ستانفورد، كانت هاريس أول إمرأة من أصل إفريقي تتولى منصب نائبة الرئيس عام 2021.
ومع ذلك، كانت والدتها، الأستاذة المتخصصة في مجال سرطان الثدي والتي توفيت بسرطان القولون عام 2009، هي الأكثر تأثيراً في حياتها. وكتبت عنها هاريس بعد تنصيبها نائبة جو بايدن "أنا ابنة أم حطّمت كل أنواع الحواجز".
وتركت تجربة انفصال والدي هاريس أثراً عميقاً في نفسها، جعلها تكرس حياتها للعمل والسياسة، إذ تزوجت عام 2014 عندما كانت في نهاية الأربعينيات من عمرها من دوج إيمهوف، وكان مطلقاً، ولديه طفلان من زواجه السابق، وُلد في نيويورك ونشأ في نيوجيرسي، لوالد مصمم أحذية، ووالدة ربة منزل.
وفي العام 1992، تزوج إيمهوف، الذي يعمل في المحاماة حينها، زواجاً تقليدياً من كريستين إيمهوف، واستمر لمدة 16 عاماً، أنجبا خلاله كول وإيلا. وعلى عكس زواجه الأول، ارتبط إيمهوف وهاريس، التي كانت تشغل منصب المدعي العام في ولاية كاليفورنيا، بعد قصة حب بدأت في الموعد الأول المرتب مسبقاً.
وبعد نحو عام من التعارف، تقدم إيمهوف لخطبة هاريس، وتزوجا خلال 4 أشهر. وعلى النقيض من علاقة والديها التي تدمرت بعد الطلاق، سمحت العلاقة القوية بين زوجها وطليقته بتقرب الأخيرة منها ومساندتها لها في حملتها التمهيدية الأولى للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي عام 2020.
"مومالا" وعلاقة استثنائية
حضرت كريستين وأولادها، حيث كان لهاريس دور في تربيتهما، حفل تنصيبها وتأديتها اليمين الدستورية كنائبة للرئيس عام 2021.
وقالت إيلا آنذاك في مقطع فيديو مسجل مسبقاً: "بالنسبة لي ولأخي، ستظلين دائماً مومالاً، أعظم زوجة أب في العالم. أنت صخرة. ليس فقط لأبينا، ولكن لثلاثة أجيال من عائلتنا الكبيرة المختلطة". ويُطلِقُ كول (29 عاماً)، الذي يعمل في شركة إنتاج بمدينة لوس أنجلوس، وإيلا (24 عاماً) وهي خريجة فنون تعمل في تصميم الأزياء، على هاريس لقب "مومالا"، وهو مزيج من نهاية اسم كامالا ووالدتها شيامالا، شجعته قوة علاقتها مع ابني زوجها على ابتكاره بدلاً عن "زوجة الأب" التقليدي.
كما تربط هاريس أيضاً علاقة قوية بطليقة إيمهوف، إذ شكّلا ثنائياً من المشجعات في المدرجات أثناء مسابقات السباحة ومباريات كرة السلة التي كانت تشترك فيها إيلا.
وتحدث أبناء إيمهوف عن علاقتهم بكامالا وبوالدتهم، والتي جعلت الكثيرين يصفوا هذه العائلة بأنها شديدة العصرية، لكن هاريس، التي دخلت الأسرة منذ 10 سنوات وهما في أعمار المراهقة، كانت تعرف كيف سيكون شعور أطفال عانوا من انفصال الأباء، فاقتربت منهما بالتدريج حتى أصبحت "الصخرة" التي ترتكز عليها العائلة.
وظهرت صلابة العلاقة بين هاريس وكول، في نوفمبر العام الماضي، عندما تولت بنفسها مراسم عقد زواجه من خطيبته جرينلي ليتلجون، بناءً على طلبه.
وقالت هاريس وقتها: "لقد كان الأمر رائعاً للغاية أن يطلب مني الأطفال القيام بذلك. بالنسبة لنا، نعتقد أن الزواج ليس مجرد اجتماع بين هذين الشخصين، بل هو اجتماع للعائلات. لذلك، كان الأمر بهذه الروح التي شاركنا بها جميعاً".
اتهامات "فانس"
لكن يبدو أن العلاقة الاستثنائية بين زوجة الأب وأبناء الزوج لم تسلم من سهام المنافسين، إذ سبق وشكك المرشح لنائب ترمب جيه دي فانس، خلال مقابلة أجريت عام 2021 في برنامج "تاكر كارلسون تونايت" على قناة "فوكس نيوز"، في عدم وجود مصلحة شخصية لبعض الشخصيات الديمقراطية في الولايات المتحدة، وقد أُعيد حديثاً تداول مقطع فيديو من تلك المقابلة، يقول فيه "إنها مجرد حقيقة أساسية، إذا نظرت إلى كامالا هاريس، وبيت بوتيجيج، وأوكاسيو كورتيز، فإن مستقبل الديمقراطيين بالكامل يتم التحكم فيه من قبل أشخاص ليس لديهم أطفال".
ودفعت إعادة نشر الفيديو كريستين، طليقة إيمهوف، في منتصف يوليو الحالي، لتولي مهمة الرد على فانس، ووصفت انتقاداته لهاريس، بأنها "هجمات لا أساس لها".
وفي حديث لشبكة CNN، قالت: "لأكثر من 10 سنوات، منذ أن كان كول وإيلا مراهقين، كانت كامالا والدة مشتركة مع دوج وأنا. إنها محبة بشدة ودائمة الحضور. أنا أحب عائلتنا المختلطة، وممتنة لوجودها فيها".
بدورها شاركت إيلا إيمهوف، منشور والدتها على إنستجرام وعلقت: "كيف يمكنك أن تكوني بلا أطفال عندما يكون لديك أطفال جميلين مثلي ومثل كول، وأضافت: "أنا أحب آبائي الثلاثة"
زوج داعم
بعد حفل تنصيبها نائبة بايدن في مبنى الكابيتول، وقف إيمهوف بجانب زوجته هاريس، وودعا بشكل بروتوكولي نائب الرئيس السابق مايك بنس وزوجته كارين.
قبل توليها المنصب، تخلى إيمهوف عن شراكته في شركات المحاماة الكبرى "فينابل" و"دي إل إيه بايبر"، لتجنب تضارب المصالح مع زوجته المدعي العام، واكتفى بوظيفة زائر لتدريس القانون في جامعة جورج تاون بالعاصمة واشنطن.
وحتى قبل توليها منصب نائب الرئيس، كان إيمهوف عضواً ناشطاً في الحملة التمهيدية الرئاسية الأولى لهاريس، واعتمد على علاقاته الواسعة لجمع الأموال وتأمين التبرعات لها.
وبعد توليها منصب نائبة الرئيس كتب في التعريف الخاص به على حسابه بمنصة "أكس" حيث يتابعه مليون و700 ألف شخص: "زوج فخور لنائبة الرئيس كامالا هاريس".
زوج يؤيد إسرائيل وابنة تتبرع لغزة
في حفل زفافهما عام 2014، أدت هاريس، التي نشأت في بيت يستوعب التعددية الدينية ما بين المسيحية والهندوسية، الطقوس اليهودية دعماً لزوجها إيمهوف.
وسمحت له ديانته اليهودية، حتى قبل هجمات حركة "حماس" في 7 أكتوبر، وما تبعها من حرب شاملة على قطاع غزة، الانخراط في التجمعات والأنشطة اليهودية، وقام بدعوة الزعماء اليهود إلى البيت الأبيض، والمساعدة في توجيه جهود الإدارة الأميركية ضد معاداة السامية.
وكرّس إيمهوف وقته لمحاربة ما أسماه المد المتصاعد من معاداة السامية في الولايات المتحدة، مطلقاً عليه "وباء الكراهية"، خلال اجتماعه بقيادات الجالية اليهودية في ديسمبر 2022، وذلك بعد أسبوعين فقط، من عشاء دونالد ترمب مع نيك فوينتس والمغني كاني ويست، المتهمين بمعاداة السامية.
وفي مقطع فيديو خلال مايو، وصف إيمهوف ترمب بأنه "معاد للسامية"، وذلك رداً على انتقادات وجهها ترمب لليهود الذين يصوتون لبايدن، قائلاً "يجب أن يخضعوا لفحص عقولهم".
وخلال الحرب الإسرائيلية على غزة، وقف إيمهوف بجانب الرئيس جو بايدن في إدانة هجمات "حماس" باعتبارها "عملاً إرهابياً".
ورغم احتجاجات بعض المجموعان اليهودية المنددة بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، رفض إيمهوف فرضية وجود انقسامات داخل المجتمع اليهودي بشأن رد فعل إسرائيل، وفي مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، قال: "أعتقد أن المجتمع اليهودي متحد للغاية بشأن هذه القضية، قضية الهجوم الإرهابي الوحشي البربري الذي قتل أطفالاً وجدات وناجين من الهولوكوست في مهرجان موسيقي".
وأضاف إيمهوف: "لذلك، لا يوجد انقسام في المجتمع اليهودي بشأن البربرية والإرهاب. لا تخطئوا، حماس منظمة إرهابية ارتكبت هذه الفظائع".
وعلى النقيض من والدها، قامت إيلا في نوفمبر 2023، وبعد رؤية الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينين والتي أدت إلى موجة احتجاجات واسعة في الولايات المتحدة، بتضمين رابط في حسابها على "إنستجرام" لحملة جمع تبرعات تحت عنوان "إغاثة عاجلة لأطفال غزة"، يديرها صندوق إغاثة أطفال فلسطين، وهي منظمة مقرها في أوهايو، وتعرضت إيلا إثر ذلك لانتقادات شديدة من صحيفة "نيويورك بوست".
لكن لم تثنيها الانتقادات عن موقفها، وبعد 4 أشهر، نشرت إيلا رابطاً آخر على "إنستجرام" للتبرع إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، بعد أن قطعت الولايات المتحدة تمويلها إثر مزاعم إسرائيلية بمساعدة موظفين في الوكالة بهجمات 7 أكتوبر.
وبقدر ما كان موقف إيلا إنسانياً وبعيداً عن السياسة، إلا أن العلاقة المتشابكة مع نائبة الرئيس والمرشحة المفترضة للحزب الديمقراطي للرئاسة تجعل تبعاته أكثر تأثيراً وقوة، فبينما يثير موقفها حماسة الناخبين الديمقراطيين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، وقد يجذب الكثيرين منهم للتصويت لزوجة أبيها في نوفمبر المقبل، فإنه قد يثير حفيظة الجمهوريين والمؤيدين لإسرائيل ويستخدمونه لمهاجمة كامالا هاريس.
[email protected]
أضف تعليق