أسدل الستار نهاية الأسبوع المنصرم على الجلسة السنوية (المؤتمر السنوي) السابع والعشرين للجماعة الإسلامية الأحمدية في الديار المقدّسة.

عقد المؤتمر هذا العام في ظلّ ظروف استثنائية تمر بها المنطقة والعالم، واستجابة لهذه الظروف الحرجة كان المؤتمر بعنوان "وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ".
انطلقت فعالياته مساء الخميس الرابع من تمّوز/ يوليو لعام 2024، حيث خصّص ذاك اليوم للناطقين بالعبريّة، وشهد توافد مئات المشاركين من كافة أرجاء البلاد، ومن المجتمع اليهودي خصوصًا، وقد غابت مشاركة الوفود العالمية هذا العام نظرا للأحوال الأمنية الحرجة التي تعيشها المنطقة.

نجحت الجماعة الإسلامية الأحمدية، من جديد، في جمع مكونات النسيج الإنساني المتباين في باحة مسجدها في الكبابير- حيفا، بعدما فعلت ذلك مرّات عدّة منذ السابع من أكتوبر بشكل خاص، انطلاقا من وعيها المتنامي المدرك لضرورة الحوار البنّاء كمخرج وحيد من أتون الأزمة الوجودية التي تختبرها البلاد.

وفي اتصال مع الواقع تمحور المؤتمر حول الحاجة الملحّة إلى إحلال السلام، في ديار يُفترض أنها مقدّسة، وأنها مسرى السلام ومهبِطُه.. إلا أن ساكنيها المُقدِّسين إياها أضاعوا بوصلتهم، كما تصف الجماعة الإسلامية الأحمدية، فانحرف بهم الأمر لتدنيس بلادهم بالدم المسفوك على مذبح القداسة.

وقد أشار أمير الجماعة الإسلامية الأحمدية في البلاد، السيد محمد شريف عودة، في خطابه، الخطاب الرئيس في المؤتمر، إلى الخلل الكبير الواقع في فهم النصوص الدينية والذي تُبنى عليه عقائد ملوّثة بالكراهية والفوقية والأنانية العنصريّة، التي في مجملها جعلت الأديان مصدرا محرّضا على العنف والحرب والإقصاء، بدلا من رسالتها الأصلية الداعية إلى القيم الإنسانية والحريات والعدالة المطلقة.

وقد باتت شريعة الغاب وازدواجية المعايير سمة الحياة الغالبة، ليس في منطقتنا فحسب بل في العالم أجمع.

كما حذّر الأمير في كلمته من اقتراب نقطة اللاعودة من دخول المنطقة والعالم في كارثة نزاع عالمي دموي، يسوق كوكبَنا إلى دمار هائل لم يشهد له التاريخ مثيلا.

دعا شريف في خطابه أيضا إلى ضرورة إجراء إصلاحات جذرية عاجلة في الخطاب الديني الإسلامي واليهودي، لتفادي خسارة ما بقي من الإنسانية والحضارة البشرية.

كما أكّد على أنه من مقتضيات العدل عدم اللجوء إلى سياسة العقاب الجماعي أو الثأر المساق بالغضب الأهوج الظالم.

وذكر شريف أن الأيام دول، وأن الأحوال تتبدّل، وأن الله يَحطُم بيده كل شخص أو كيان يتمادى في الظلم.

هذا وقد شهدت الأمسية كلمات مقتضبة قدمها عدد من الضيوف، تعقيبا على موضوع المؤتمر وما جاء في خطاب أمير الجماعة. كان منهم رئيس بلدية حيفا السيد يونا ياهاف، والبروفيسور أرئيل سمنسون، المحاضر في جامعة حيفا ورئيس دفيئة الأديان فيها، والبروفيسور الحاخام دانييل هيرشكوفيتش، الرئيس الأسبق لجامعة بار إيلان.

امتدّ المؤتمر على مدار يومين، خُصّص الثاني منهما للناطقين بالعربية، وشهد مشاركة وفد محدود من أبناء الطائفة في الضفة الغربية، وأعداد من المجتمع العربي في إسرائيل، من بينهم شخصيات مؤثرة أكاديميا واجتماعيا ودينيا من مختلف الأديان والطوائف.

تركّزت فعاليات اليوم الثاني على ترسيخ رسالة الصلح الداخلي في المجتمع العربي، وأكد الخطباء على أهمية صيانة منظومتنا القيمية والتربوية التي تتحمل جزءًا معتبَرا من المسؤولية عن واقع العنف والجريمة. إلى جانب المسؤولية الكبيرة المهملة التي تتحملها المؤسسة الرسمية.

كما وقد عرض في المؤتمر فيلم مصور سلّط الضوء على أنشطة وإنجازات الجماعة في البلاد على مدار عام منصرم. وفيلم آخر حول الحرب الراهنة وما تنطوي عليه من مظالم، وتوجيهات الإمام العالمي للجماعة، حضرة ميرزا مسرور أحمد، والذي يولي الحرب الحالية والأحداث في المنطقة اهتماما خاصًا منذ اندلاع الأزمة، ويخصّص لها جزءًا من خطبة الجمعة كل أسبوع تقريبا، والتي تنقل في بث مباشر عبر شبكة قنوات الجماعة الفضائية MTA international، ومنصات الجماعة المختلفة على الفضاء الإلكتروني.
كما قدّم حضرته، منذ اندلاع الحرب، عدة توجيهات لكافة مؤسسات وأفراد الجماعة، لبذل كل جهد ممكن، وتجنيد كل الموارد المتاحة لدعم جهود وقف الحرب، وإغاثة المنكوبين في قطاع غزة.

تجدر الإشارة إلى مجموعة من الرسائل الواضحة التي جاءت في خطب المتحدثين خلال اليوم الثاني، والتي تقدّم الرؤية الأحمدية لتعاليم الإسلام فيما يخصّ شؤون الحكم والسياسة، ومنها نصًّا:

● ضرورة إصلاح الخطاب الديني الإسلامي واليهودي، بشكل خاص في هذه البلاد، هو الحلّ الأول والوحيد!
● لا يمكن العيش بسلام بين مجموعات متدينة، بأي دين كان، إذا كانت منظومة معتقداتهم تضم كماً هائلاً من التكبر والفوقية الدينية والكراهية وعدم تقبل الآخر، ورفض مبدأ الحرية الدينية والشراكة المدنية العادلة في الأوطان!
● لا يأمر الإسلام بإقامة دولة دينية قط، والدولة التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لحظة دولة دينية، بل إن عهد المدينة الذي اعتبر كل سكان المدينة، مؤمنين ومشركين وأهل كتاب، كلهم جزء من الأمة، يثبت أن الدولة التي أقامها حضرته كانت دولة مدنية لكل مواطنيها وليست دولة دينية.
● ينطلق الكثير من علماء المسلمين اليوم من الآية: (ومَنْ لمْ يَحكُمْ بِمَا أنزَلَ اللهُ فأولئِكَ همُ الكافرون) بوجوب السعي للحكم باسم الله وتطبيق الشريعة عنوة على الشعوب، وأن عدم السعي لذلك إثم، وأن الحاكم الذي لا يطبق الشريعة فهو كافر حلال الدم.
● تدعي الأحمدية أن الإسلام الذي تقدمه الحركات الإسلامية السياسية والعسكرية هو نسخة مشوهة من الإسلام، في كثير من التفاصيل.
● هناك مصلح ديني منتظر، مهمته إصلاح التشوّهات التي لحقت بالأديان فجعلتها مصدرا للكراهية والعنف، وهذا المبعوث، حسب معتقدات الجماعة، قد أتى، وهو مؤسّسها ميرزا غلام أحمد القادياني، عليه السلام، المتوفّى عام 1908، تاركا وراءه ميراثا كبيرا من التعاليم الإصلاحية الدقيقة.
● سمح الاسلام لبني الإنسان بالقتال وخوض الحرب لهدف واحد ووحيد، وهو ترسيخ السلام.
● لا يمكن تحقيق السلام في العالم دون إيجاد قواعد محدّدة وموحّدة ومشتركة، ومن أهم هذه القواعد التي يطرحها الإسلام بحسب الجماعة:
أولا: العدل المطلق، عابرُ الحدودِ والجنسياتِ والأديان.
ثانيا: نَبْذُ الكِبرِ والتَعَالي والفوقية، على أي أساس كان.
ثالثا: قدسية حياة النفس البشرية، كلِّ النفسِ البشرية.
● السلم والأمن حقّ للجميع، لا يمكن أن تنعم به فئة على حساب فئة أخرى من بني الانسان.
● الدفاع عن النفس والعرض والمال حقّ مشروع للجميع لا خلاف عليه.
● هناك وضع غير طبيعي في تراثنا الإسلامي ونبوءاته واسمه (آخر الزمان)، وبحسب الأحمدية فهو زماننا الحالي، فيه تتغير معادلات الحرب عالميا، وتتشكل أقطاب قوى عسكرية هائلة، تتسلح بالنار الملتهبة، حسب النبوءات.
● تتحدث النبوءات النبوية، حسب تفسير الجماعة، عن عدم جدوى مواجهة هذه القوى بالنار، وأن الأولوية هي للانشغال بالإصلاح الذاتي الداخلي، على كل المستويات، وانتظار التدخل الإلهي لرفع مظاهر ظلم تلك القوى العظمى، التي سمّتها النبوءات حسب فهم الجماعة بـ: "يأجوج ومأجوج".

ندعوا بأن يهب الله أهل الدنيا الحكمة والفطنة اللازمة ليلتفتوا إلى دعوات السلم والمحبة، وليتجنبوا كل سبل الصراعات والنزاعات والحروب، وأن نبني لأوطاننا وللأجيال القادمة عالما مليئا بالأمل والمحبة بين الجميع، لا أن نورث أجيالنا كوكبا خرابا يبابا يرزح في الألم والمعاناة!

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


مع فائق التقدير

إدارة الجلسة السنويّة
الجماعة الإسلاميّة الأحمديّة في الديار المقدّسة
الكبابير- حيفا
7 تمّوز/ يوليو 2024

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]