أثارت أحداث مدينة قيصري جنوب تركيا، وحملات العنف والهجوم على ممتلكات السوريين ليل الإثنين، بعد تداول ادعاءات مغلوطة بتعرض طفلة تركية للتحرش من قبل شاب سوري، حالة من الغليان برزت بوادرها شمال غربي سوريا من خلال مظاهرات عمت، الإثنين، مدن الباب وإعزاز والراعي وعفرين وجرابلس بريف حلب، وصولا إلى معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا، حيث اعترض المحتجون طريق شاحنات تركية وطالبوا سائقيها بالرجوع إلى بلدهم، كما كسروا زجاج بعض الحافلات، وأنزلوا الأعلام التركية ودعوا إلى إغلاق المكاتب التركية الرسمية في المنطقة.

الناشط الميداني عبد الكريم الثلجي، قال في اتصال مع “القدس العربي” إن حالة من الاحتقان والغليان تسود مدينة إدلب والأرياف القريبة في مدن وبلدت ريف حلب، حيث يتحضر المئات للمشاركة بمظاهرات غاضبة تهدد وتستنكر أحداث قيصري.
وأضاف المتحدث: “هاجم الأهالي في مدينة عفرين، الإثنين، منطقة السرايا التي يتواجد فيها الوالي التركي، ردا على الاعتداءات الجماعية التي طاولت ممتلكات لاجئين سوريين في مدينة قيصري الليلة الفائتة، كما أنزل كل من معبر باب السلامة، والمجلس المحلي في مدينة إعزاز العلم التركي، وسط دعوات شعبية للخروج بمظاهرات عارمة واستهداف المصالح التركية في الشمال السوري”.
المرصد السوري لحقوق الإنسان، قال إن العشرات تجمعوا عند دوار مدينة الراعي لمنع دخول الأرتال والشاحنات التجارية التركية، وسط دعوات للخروج بمظاهرة حاشدة عند معبر باب السلامة الحدودي تنديداً بالانتهاكات بحق اللاجئين السوريين في تركيا، بينما أقدم شبان على إغلاق مركز البريد التركي وطرد الموظفين في مدينة إعزاز وبلدة الراعي، وإنزال العلم التركي من سطح مبنى دائرة النفوس في مدينة إعزاز، كما منعوا دخول السيارات التركية إلى مدينة الباب، وسط حالة احتقان شديدة.
وكانت قد شهدت مدينة قيصري التركية، مساء الأحد، اعتداءات وأحداث عنف من قبل شبان أتراك، هاجموا لاجئين سوريين وكسروا ممتلكاتهم ضمن حملة هي الأشد من نوعها، وتداول ناشطون صورا ومقاطع مرئية مرعبة لهجمات عنيفة تعرض خلالها العديد من المنازل والمحال التجارية والممتلكات الخاصة بالسوريين للحرق، وسط حالة من الهلع نتيجة تصاعد الحملات ضد الوجود السوري في تركيا.
حاكمية ولاية قيصري دعت من طرفها إلى ضبط النفس. وأفادت في بيان رسمي، الإثنين، بأن “مواطناً سورياً تحرش بطفلة سورية في حي دانيشمنت غازي في منطقة مليك غازي بالولاية، حيث اعتقلته قوى الأمن وتم وضع الطفلة في حماية الأقسام المعنية”، وأضاف البيان: “نتابع هذه القضية بدقة، وننصح الجمهور بكل احترام بحثّ مواطنينا على ضبط النفس وعدم القيام بأي تصرف والتركيز على التصريحات الصادرة عن السلطات الرسمية”.
وشددت وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية التركية، في بيان الاثنين، على أن الطفلة القاصر وإخوتها ووالدتها باتت تحت حماية الدولة، كما “بدأت فرق الخبراء لدينا عملية دعم نفسي واجتماعي للطفلة وعائلتها”، وأكدت الوزارة تدخلها لمتابعة القضية العملية وضمان حصول المجرم على أشد العقوبة.
كما أفادت وكالة الأناضول التركية، بأن السوري المعتدي ي.أ (26 عاماً)، اعتدى على ابنة عمه م.أ (7 سنوات) في دورة مياه بالسوق. وأصدرت المحكمة الجنائية الثانية للصلح في قيصري أمراً جاء فيه: “من أجل حماية صحة الضحية والأسرة ومنع الأحداث الاجتماعية التي تتزايد بعد الحادث، يمنع نشر جميع أنواع الأخبار، بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي وتداول صور الطفلة الضحية في وسائل الإعلام المرئية ووسائل الإعلام العاملة على الإنترنت، ومنع المقابلات والنقد والمنشورات المشابهة لحين الانتهاء من مرحلة التحقيق.
وفي أبرز رد رسمي، قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في اجتماع التشاور والتقييم لإدارات حزب العدالة والتنمية المحلي إن الوضع الذي نشأ في قيصري أمس جاء بسبب الخطاب السام للمعارضة. وأضاف: “لا يمكن تحقيق أي شيء من خلال تأجيج العداء للأجانب والكراهية تجاه اللاجئين. وإشعال الشوارع بالتخريب أمر غير مقبول (…) نرى أن العناصر الراديكالية داخل المعارضة تحاول إعادة تفعيل ممارسات تذكرنا بفترة 28 شباط. يجب عدم السماح بذلك”.
وقال وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، إنّ السلطات التركية أوقفت 67 شخصاً على خلفية الأحداث التي جرت في ولاية قيصري، مشيراً إلى أنّ “المواطنين الأتراك تصرفوا بطريقة غير لائقة بالقيم الإنسانية، وأقدموا على أعمال غير قانونية وألحقوا أضراراً بمنازل ومحال وسيارات تعود للسوريين”.
وأوضح المسؤول في تغريدة على حسابه الرسمي، أن المشتبه به في عملية التحرش الجنسية هو مواطن سوري، كما أن الضحية المزعومة تحمل الجنسية السورية أيضاً، وهي من أقاربه. وأضاف: “قام شخص يحمل الجنسية السورية بالتحرش بفتاة سورية من أقاربه، مساء أمس، وذلك في منطقة إسكي شهير باغلاري في ميليك غازي، قيصري، وقد تم القبض عليه من قبل المواطنين في المنطقة وتسليمه لقوات الأمن، كما فتح تحقيق فوري في الحادثة”.
الحملة ضد اللاجئين السوريين في تركيا، وما قابلها من ردة فعل في الداخل السوري، أثارت موجة من الانتقادات رصدتها “القدس العربي”، كان أبرزها مطالبة “الهيئة العامة الثورية لمدينة حلب” بفتح تحقيق حول الانتهاكات التي تعرض لها السوريون.
وكتب الناشط أحمد حنيفة يقول: “لا يوجد خبر صباح اليوم أهم من الذي يتعرض له أهلنا في مدينة قيصري التركية، طبعاً نعود لأصل الخبر، شاب سوري قيل عنه إنه مختل عقليا، وجد في وضعية مشبوهة مع طفلة سورية من عائلته في أحد الحمامات في أحد الأسواق، بينما يقوم شخص تركي بتصوير الحادثة وينشرها على أنها لسوري يعتدي على طفلة تركية، وبعدها انطلقت حملة همجية وبربرية وعنصرية ضد السوريين لم تمر على أحد من قبل بتركيا، مرافقة لحملة ثانية بمدينة غازي عنتاب”. وأضاف أن الصور والفيديوهات مرعبة جداً من ليلة البارحة وكيف ظهرت المدينة صباح اليوم بعد تكسير ممتلكات السوريين والمحلات والاعتداء على المنازل، ما اضطر الأهالي للالتجاء للجوامع في المنطقة.
وكتب الباحث السياسي محمد منير الفقير يقول: “التعبير عن الغضب في الشمال السوري مشروع وحق ويعبر عن لحمة وطنية سورية ظنناها تبددت، الاعتداء على المصالح والملكيات العائدة للأشقاء في الجمهورية التركية مرفوض تحت أي مبرر في الشمال السوري ولا نقابل الإساءة بمثلها، الإساءة للعلم التركي مستنكرة ومدانة، ونلتقي مع كل الخيرين من العقلاء من الشعب التركي في لملمة الجراح ورأب الصدع”.
في موازاة ذلك، ندد الائتلاف الوطني السوري “بأعمال الشغب والاعتداءات التي طالت اللاجئين السوريين في تركيا، نتيجة ترويج إشاعات مغرضة حرضت الأهالي في تركيا ضد اللاجئين، حيث شملت أعمال الشغب والانتهاكات إحراق ممتلكات وتكسير آليات مساء الأحد”.
ودعا الائتلاف في بيان، الإثنين، إلى ضبط النفس وعدم الانجرار وراء تلك الإشاعات وخطاب الكراهية والعنصريين الذين يحرضون على الفوضى والأذى، “ويؤكد أنه قد قام بالتواصل مع الجهات التركية ذات العلاقة بخصوص ما حدث، ويشير بهذا الخصوص إلى تصريحات الرئيس أردوغان التي أعلن فيها بوضوح رفضه واستنكاره لما حدث من أعمال شغب وفوضى وأي تجاوزات قانونية حدثت في قيصري، وأنه قد وجه السلطات المختصة لمعالجة الأوضاع فيها وتأمين سلامة وأمن المواطنين والمقيمين فيها من اللاجئين ووضع حلول لأي تجاوزات قانونية حدثت بأسرع وقت ممكن”.
كما طالب الائتلاف الأهالي “داخل المناطق المحررة، بضرورة عدم السماح بانتشار الفوضى، والوقوف صفًا واحدًا لمجابهة خطابات التحريض والكراهية الساعية لبث الفوضى وزعزعة الاستقرار والتفرقة بين من ضحوا بدمائهم من أبناء الشعب السوري بمجابهة النظام المجرم، وخاضوا المعارك المشتركة مع أبناء الشعب التركي ضد التنظيمات الإرهابية التي تسعى لزعزعة أمن واستقرار البلدين”.
وأكد على ضرورة وواجب حماية اللاجئين وضمان سلامتهم وأمنهم في الدول المضيفة من قبل السلطات المختصة في حكوماتها.
 

المصدر: القدس العربي

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]