على الرغم من اعتراف المحكمة بوجود تصريح ضمني لسكن الأهالي في القرية وأنهم عاشوا فيها منذ عام 1978 على الأقل، فقد أمرتهم، وهم أكثر من 500 نسمة، بهدم منازلهم والإخلاء بحلول نهاية عام 2024 لإفساح المجال أمام التوسعة اليهودية لمدينة ديمونا.

رفضت المحكمة المركزية يوم الاثنين، الموافق الثالث من حزيران\يونيو 2024، الاستئناف التي تقدّم به مركز عدالة باسم أهالي قرية راس جرابة على قرار محكمة الصلح الصادر الصيف الماضي والذي قضى بتهجير السكان. هذا وانعقدت جلسة تداول في الاستئناف يوم الأربعاء الماضي الموافق التّاسع والعشرين من أيّار\مايو 2024.
 

ومن أبرز ما جاء في القرار، أن المحكمة المركزية في بئر السّبع، خلافًا لقرار محكمة الصلح، أقرّت بشرعيّة وجود أهالي القرية منذ عقود، وذلك بمعرفة سلطات الدولة و موافقتها الضمنية، حيث قدّمت لهم خدمات طوال هذه المدّة ولم تتخذ أي إجراء ضدهم. بالرغم من أن المحكمة أقرت أن السكان ليسوا بمتسللين أو بغزاة، إلا أن هذا لم ينقذ أهالي القرية من خطر التهجير. إذ أقرت المحكمة أيضًا أن هذه الموافقة الضمنية التي أعطتها الدولة بالإمكان إلغاؤها أيضًا بالوقت الذي تراه مناسبًا، ضاربة بذلك كل الحقوق الدستورية للسكان عرض الحائط. وعليه، فقد أمرت المحكمة السكان بإخلاء القرية حتى موعد أقصاه الواحد والثلاثين من كانون الأول\ديسمبر 2024.

هذا وترفض سلطة أراضي إسرائيل، بل وتزعم أنها غير مخولة، للنظر في دمج المواطنين البدو في البلدات اليهودية، وتصر بدلاً من ذلك على نقلهم قسرًا إلى قرى بدوية أخرى. استمرت دائرة أراضي إسرائيل بالتعنت في موقفها هذا حتى خلال جلسة البتّ في الاستئناف وحتى بعد أن عرض مركز عدالة أمام المحكمة اشتراط لجنة التخطيط المركزية بحث إمكانية دمج أهل جرابة في المخطط قبل الاستمرار في إجراءات التخطيط.

تطرقت المحكمة في قرارها الى أنه، وفقًا لقرار مجلس سلطة أراضي إسرائيل ذي الصلة، تستطيع الأخيرة تخصيص قسائم سكنية للبدو دون مناقصة فقط في القرى والبلدات البدوية، مما يحول دون فعلها ذلك في الحي الجديد في ديمونا. كما رفضت المحكمة ادعاءات عدالة بشأن الفصل العنصري معلّلة ذلك بأنه “سيحق للمستأنفين، مثل أي مواطن آخر، المشاركة في مناقصات شراء قسائم في الحيّ المعتزم بناؤه. لذلك، لا يوجد أساس للادعاء بعدم المساواة".

ويرى "عدالة" بأن هذا الادعاء مغلوط حيث لا يوجد ما يمنع سلطة أراضي إسرائيل من فحص بدائل من أجل دمج السكان في مخطط توسيع ديمونا وأن هذا التصريح يدل على عمق سياسة الفصل العنصري المتجذّرة والممنهجة في الأجهزة الحكومية المختلفة في إسرائيل التي تهدف إلى تركيز السكان البدو في الحد الأدنى من الأراضي داخل البلدات البدوية حصرًا ولا تعتبر نفسها مخولة حتى لفحص إمكانية دمجهم في بلدات يهودية أو ذات أغلبية يهودية، كما وأن وجود إمكانية نظرية لشراء قسائم في ديمونا لا يلغي طابع الفصل العنصري للقرار.


تجدر الاشارة الى أنّ قرار المحكمة أوضح أنه لا اقتراحات لحلول سكنية متاحة تعرضها الدولة على السكان إلى أنه ذكر عدة مرات أقوال مندوب "سلطة توطين البدو" والتي وفقها " لن تلقي السلطة بأحدٍ على قارعة الطريق بلا مأوى". يرى "عدالة"، أن هذا التصريح لا يمت بالواقع بصلة. إذ أن سلطة البدو مكلفة على وجه التحديد بتهجير السكان البدو ونقلهم إلى بلدات بدوية فقيرة حصرًا. وفي كثير من الحالات، تنفذ عمليات الهدم دون توفير أي بدائل سكنية متفق عليها. في عام 2023 فقط، هدمت سلطات الدولة 3,283 مبنى، العديد منها عبارة عن منازل، مما أدى إلى تشريد العديد من السكان. ومؤخرًا، في أيار/ مايو ومطلع حزيران/ يونيو 2024، هُدمت جميع المباني الـ 75 في قرية وادي الخليل، ويشمل ذلك 47 منزلاً، وكذلك الأمر في قرية أم متنان حيث اضطر السكان لهدم أكثر من 100 مبنى، يشمل ذلك 49 منزلاً، مما ترك أكثر من 600 مواطنًا بدويًا دون سكن. علاوة على ذلك تمارس السلطات الإسرائيلية الضغوط على أهالي القرى من خلال "مخططات تطوير" حكومية ومضايقات وإلصاق دعاوى إخلاء ودعوات للتحقيق في وحدة 'يوآب' بمحاولة لإرغام المواطنين على القبول بشروط أحادية الجانب مجحفة بحقهم. هذا ورصد مركز عدالة 9 قرى تواجه خطر الإخلاء القريب والتي يسكنها أكثر من 6000 مواطنًا.

لمزيد من المعلومات حول مخطّطات التهجير؛ يمكنكم الاطلاع على الخريطة التفاعلية للقرى المهدّدة بالتهجير في النقب: https://bit.ly/4bNwZAc

وتقع قرية راس جرابة شرقي مدينة ديمونا وضمن منطقة نفوذها ويُقدَّر عدد سكان القرية بـ500 شخص ينتمون لعائلات الهواشلة، أبو صُلب والنصاصرة. تتبع هذه الأرض تاريخيًا لقبيلة الهواشلة وتعرف باسم "الشعيرية" أو "مركبة الهواشلة" وتمتد من منطقة كرنب (بقرب محطة الشرطة الانجليزية الانتدابية) وإلى منطقة أم دِمنى وهي منطقة فيها بئر ماء معروفة وعليها أقيمت البيوت الأولى في ديمونا وسُميت باسمها.

وأفاد مركز عدالة: "إن تظافر جهود المؤسسات الإسرائيلية المختلفة من أجل اقتلاع البدو من أراضيهم هو تجسيدٌ لنظام الأراضي في إسرائيل وقوانينه، التي تخلق نظامًا ممنهجًا لاقتلاع البدو من أراضيهم وقراهم وللفصل العنصري. كما يتضح من قرار المحكمة، وكذلك في حالات أخرى مثل أم الحيران، أن المبادئ العنصرية التي تقوم عليها سياسات التطوير والتهويد في إسرائيل تغلب في أهميتها الحقوق الدستورية المنصوص عليها في القوانين الأساسية، وهذا يدل على عمق ترسيخ المفاهيم العنصرية والفصل العنصري بشكل بنيوي بالنظام الإسرائيلي. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]