في خطوة وصفها المراقبون بـ"النأي بالنفس"، تراجع لبنان عن قراره السماح للمحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في جرائم حرب على أراضيه.
واستنكرت منظمات حقوقية هذه الخطوة، التي اعتبرتها ضياعا لفرصة تاريخية، يمكن أن تحقق العدالة للبنان.
وصوّتت حكومة تصريف الأعمال في لبنان، في نيسان/ أبريل الماضي، على توجيه وزارة الخارجية لتقديم إقرار يسمح للمحكمة بالتحقيق في مزاعم عن ارتكاب جرائم حرب نفذّتها إسرائيل على الأراضي اللبنانية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وإجراء محاكمات بهذا الخصوص.
ولم يقدم وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، الإقرار المطلوب إطلاقا، ونشرت الحكومة قرارا معدلا لم يأت على ذكر المحكمة الجنائية الدولية، وجاء به أن لبنان سيتقدم بشكاوى إلى الأمم المتحدة بدلا من ذلك.
وطرح البعض تساؤلات عن الأسباب التي دفعت للبنان للتراجع عن خطوة مقاضاة إسرائيل في المحكمة الدولية، وتداعيات هذه الخطوة.

اعتبر المحلل السياسي اللبناني، جورج علم، أن "موقف لبنان الرسمي مما هو مطروح على الجنائية الدولية في قضية إسرائيل، يأتي منسقا مع موقف جامعة الدول العربية، والبيان الختامي الذي صدر عن القمة العربية في البحرين، وكذلك مع السعوية ودول مجلس التعاون الخليجي".
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، فإن "الموقف اللبناني الأخير قد يكون شابه بعض الالتباس والتخبط، نتيجة الضغوط الأمريكية المستمرة، التي تتزامن مع البنية الداخلية الهشة في الداخل اللبناني".

وفيما يتعلق بالموقف الأخير الذي اعتبره البعض تحولا، قال علم إن "ما قام به لبنان لا يمكن اعتباره تغييرا في المواقف، لكن بعض النأي بالنفس من أجل تحاشي الضغوط المستمرة، والعقوبات الأمريكية".
تصريف الأعمال
اعتبر الناشط المدني اللبناني، أسامة وهبي، أن "هناك أكثر من تفسير لهذه الخطوة، أهمها حكومة تصريف الأعمال، التي لا تملك السلطة والقدرة على أن يكون بيدها قرار الحرب والسلم، وهي تراعي الأطراف الأقوياء الذين يتحكمون في السياسة اللبنانية، كما أنها ضعيفة أمام المجتمع الدولي والغرب".
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك": "هذه الحكومة تدير بلدا ومسؤولة أمام الرأي العام اللبناني عن الأزمات الاقتصادية والانفلات الأمني وكل هذا الفشل، وبالتالي هي حكومة ذات شخصية ضعيفة أمام الثنائي الشيعي وأمام المجتمع الدولي، الذي يطلب من الحكومة الكثير ولا تستطيع أن تلبي أيا من الجوانب المطلوبة، سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي أو السياسي، أو قضية النازحين".
ويعتقد وهبي أن "هناك تخوفا لدى "حزب الله" اللبناني، أنه في حال ذهاب الحكومة إلى المحكمة الدولية قد يتكرر السيناريو الذي حدث بين إسرائيل وحركة "حماس" الفلسطينية، بالتالي إصدار مذكرات بحق القادة الإسرائيليين الذين هم أصلا صدرت بحقهم مذكرات، ومن أجل التوازن الحاصل في موازين القوى الدولية، قد تصدر مذكرات بحق قادة من "حزب الله" كما حصل مع "حماس"، و"حزب الله" في غنى عن هذا".

أما التفسير الثاني، بحسب وهبي، فإنه "يتركّز على رهبة الحكومة من السطوة الأمريكية، والخطوط الحمر التي ترسمها لها، سواء على مستوى ملف النازحين، أو قرار الحرب والسلم، وكذلك الإصلاحات، فالحكومة ليس لديها هامش كبير للتحرك، وهي تعرف بأن هناك جهودا أمريكية للوصول لاتفاق وتسوية بين لبنان وإسرائيل".
وتابع: "بالتالي، تخاف الحكومة بأن تؤدي هذه الخطوة إلى إزعاج الأمريكيين ووقف كل الجهود المبذولة من أجل التوصل لتسوية، أصبح "حزب الله" بحاجة لها، بعد الدمار الكبير في الجنوب، والتململ من قبل الجنوبين الذين يتسائلون عن مستقبلهم في ظل الحرب، وعن موعد توقفها، وعن قرار الإعمار، خاصة أن الوضع الآن لا يتطابق مع يوليو/ تموز من عام 2006، حيث تحملت الدول العربية لا سيما الخليجية منها إعمار الجنوب، فيما لا تهتم في الوقت الراهن، إضافة إلى أن إيران مأزومة وليس لديها القدرة الاقتصادية على الإعمار، وهذا ما تتخوف منه الحكومة و"حزب الله".

يشار إلى أن لبنان تراجع عن قراره بعد أيام قليلة من طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيليين، و3 من قادة حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" بتهمة "ارتكاب جرائم حرب".
ومنذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، ارتفعت حدة التوترات على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، حيث يتبادل الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" قصفًا مدفعيًا متقطعًا.
وتتوسع العمليات بشكل يومي على طول الحدود الجنوبية للبنان، من رأس الناقورة إلى مزارع شبعا، وأدت إلى الكثير من الأضرار بالبنية التحتية والأراضي والمزروعات، وهجرت قرابة 90 ألف مواطن لبناني من القرى الحدودية إلى مناطق أكثر أمانا.

وأسفر الهجوم الإسرائيلي على غزة، حتى الآن، عن سقوط أكثر من 36 ألف قتيل وأكثر من 82 ألف جريح، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وذلك ممن وصلوا إلى المستشفيات، فيما لا يزال أكثر من 7 آلاف مفقود تحت الأنقاض الناتجة عن القصف المتواصل في أنحاء القطاع.
وتعاني جميع مناطق قطاع غزة أزمة كبيرة في المياه والغذاء، جراء تدمير الجيش الإسرائيلي للبنى التحتية وخطوط ومحطات تحلية المياه، فيما حذرت الأمم المتحدة من تداعيات أزمة الجوع التي يتخبط فيها سكان غزة مع استمرار الحرب بين حركة حماس وإسرائيل.
ومنذ اندلاع الحرب المدمرة على القطاع، في 7 أكتوبر 2023، أحكم الجيش الإسرائيلي حصاره على قطاع غزة، وقطع إمدادات الماء والغذاء والأدوية والكهرباء والوقود عن سكان القطاع البالغ عددهم نحو 2.3 مليون فلسطيني، الذين يعانون بالأساس أوضاعا متدهورة للغاية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]