تواصل تبادل الاتهامات على المستوى غير رسمي بشأن الجانب الذي شرع بإطلاق النار في المنطقة الحدودية مع مصر جنوبي قطاع غزة، في واقعة أسفرت عن استشهاد جندي مصري بنيران إسرائيلية، الإثنين، وسط تضارب في الروايات.
وفي ظل غياب الرواية الرسمية، امتنع الجانب الرسمي المصري عن التصعيد، وجاءت تعليقات الجيش الإسرائيلي مقتضبة، في حين أشارت تقارير صحافية إلى تشكيل لجنة تحقيق مشتركة تهدف إلى "تجنب تدهور العلاقات" بين القاهرة وتل أبيب.
الرواية الإسرائيلية
وكشفت هيئة البث الإسرائيلية ("كان 11") أن التحقيق الأولي أظهر أن تبادل إطلاق النار حصل في الساعة 11:30 صباحا، "عندما كانت قوة من سلاح الهندسة التابعة للجيش الإسرائيلي تمارس نشاطا عملياتيا لتحييد نفق على الحدود المصرية".
وأضافت أن الواقعة حصلت في محور فيلادلفيا، قرب مواقع انتشار جنود مصريين في الجانب المصري، وزعمت أنه "خلال النشاط العملياتي للجيش، أطلق جندي مصري النار على شاحنة تابعة للقوة من مسافة قصيرة نسبيا".
وتابعت أن عناصر الاحتلال الذين قاموا بتأمين القوة، والذين "كانوا داخل ناقلة جنود مدرعة تابعة لسلاح الهندسة، بإطلاق النار من منظومة ‘كاتلاني‘ على الجندي المصري الذي أطلق النار ما أدى إلى مقتله وإصابة آخرين كانوا بالقرب منه".
ومنظومة "كاتلاني" (كلمة بالعبرية تعني قاتل) هي عبارة عن مدفع رشاش مثبت على ناقلة الجنود المدرعة.
الرواية المصرية
في المقابل، كشف مصدر أمني تحدث لصحيفة "العربي الجديد"، أن الجندي المصري استشهد "برصاص قناص إسرائيلي"، مضيفا أن القوات المصرية "لم تبدأ بإطلاق النار"، بخلاف الرواية الإسرائيلية.
وبحسب المنشورات المصرية على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الجندي المصري الذي استشهد في الواقعة هو خالد شريف عصفورة؛ في حين لم يعرف عدد المصابين في صفوف الجيش المصري.
ووفق "مسؤول أمني مطلع" تحدث لقناة "القاهرة الإخبارية"، فإن "التحقيقات الأولية لحادث إطلاق النيران واستشهاد جندي على الحدود تشير إلى وقوع إطلاق نيران بين عناصر من قوات الاحتلال الإسرائيلي وعناصر من المقاومة الفلسطينية".
وقال إن ذلك "أدى إلى إطلاق النيران في عدة اتجاهات، وقيام عنصر التأمين المصري (الذي استشهد في الحادث) باتخاذ إجراءات الحماية والتعامل مع مصدر النيران".
وأضاف المسؤول الأمني "هذا ما حذرنا منه منذ شهور... والهجوم الإسرائيلي على محور فيلادلفيا يخلق أوضاعا ميدانية ونفسية يصعب السيطرة عليها ومرشحة للتصعيد".
وفي روايته الرسمية، قال المتحدث العسكري المصري إن "القوات المسلحة المصرية تجري تحقيقًا بواسطة الجهات المختصة حيال حادث إطلاق النيران بمنطقة الشريط الحدودي في رفح، ما أدى لاستشهاد أحد العناصر المكلفين بالتأمين".
وقبل البيان المصري، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه يجري تحقيقا في حادثة "إطلاق نار وقعت على الحدود المصرية"، مؤكدا وجود اتصالات مع مصر بهذا الشأن.
تشكيل لجان تحقيق... مشتركة؟
ونقلت قناة "القاهرة الإخبارية" المقربة من المخابرات المصرية عن المصدر الأمني المطلع ذاته (لم تسمه)، أنه "تم تشكيل لجان تحقيق للوقوف على تفاصيل الحادث لتحديد المسؤوليات واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تكراره مستقبلا".
ولم يوضح المصدر ما إذا كان لجان التحقيق هذه مصرية خالصة أم مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، لكن حديثه يأتي بعد إعلان إذاعة الجيش الإسرائيلي بدء تحقيق مشترك مع الجانب المصري في هذا الحادث.
وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن مسؤولين في الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك) أجروا محادثات مع نظرائهم في القاهرة في الساعات الماضية، بعد حادثة تبادل إطلاق النار على الحدود المصرية.
وأشارت إذاعة الجيش إلى "تحقيق إسرائيلي مصري مشترك، في محاولة للتوصل إلى تفاهم بشأن الواقعة ومنع تدهور العلاقات" التي تشهد توترا منذ بدء هجوم الاحتلال على منطقة رفح.
وطالب المصدر الأمني المصري، "المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته إزاء خطورة تفجر الأوضاع على الحدود المصرية مع غزة ومحور فيلادلفيا".
وقال إن خطورة تفجر الأوضاع لا تتعلق بـ"الجانب الأمني" فقط، ولكن أيضا بـ"مسارات تدفق المساعدات". وأشار إلى أن "مصر (سبق أن) حذرت من تداعيات العمليات العسكرية الإسرائيلية بمحور فيلادلفيا".
ومحور فيلادلفيا أو محور صلاح الدين، هو شريط حدودي بين مصر وقطاع غزة يمتد داخل القطاع بعرض مئات الأمتار وطول 14.5 كيلومترا من معبر كرم أبو سالم وحتى البحر المتوسط.
في السياق ذاته، نقلت قناة "القاهرة الإخبارية" أيضًا عن "مصدر مصري رفيع المستوى"، لم تسمه، أن "مصر تحذر من المساس بأمن وسلامة عناصر التأمين المصرية المنتشرة على الحدود".
ويأتي ذلك في ظل توتر تشهده العلاقات بين القاهرة وتل أبيب في الفترة الأخيرة على خلفية قيام الجيش الإسرائيلي ببدء عملية عسكرية في مدينة رفح في 6 أيار/ مايو الجاري، والسيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.
وكانت مصر قد قالت إنها رفضت التنسيق مع الجانب الإسرائيلي في المعبر، مؤكدة أنها "لن تقبل" بسياسة "فرض الأمر الواقع" التي تتبعها إسرائيل، متهمة تل أبيب بالمسؤولية عن توقف عمل المعبر، وتصاعد الأزمة الإنسانية في غزة.
وعبرت مصر في أكثر من مناسبة خلال الفترة الأخيرة، عن خشيتها من استغلال إسرائيل الحرب على غزة لمعالجة ما تعتبره "معضلة سكانية فلسطينية" عبر تمرير خطط لتهجير الفلسطينيين إلى مصر، وهو ما رفضته القاهرة باعتباره "خطا أحمر".
كما يأتي حادث إطلاق النار بعد ساعات من استشهاد 45 فلسطينيا وإصابة عشرات أغلبهم أطفال ونساء، في قصف استهدف خيام نازحين بمنطقة تل السلطان شمال غرب رفح ومناطق مجاورة.
[email protected]
أضف تعليق