نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أعده كل من ديفيد أس كلاود، ستيفن كالين، سمر سعيد ودوف ليبر، أشاروا فيه إلى جهود أمريكا لبناء ما قالوا إنه تحالف شرق أوسطي هش لمواجهة الهجوم الإيراني ضد إسرائيل.
وترى الصحيفة أن الولايات المتحدة تعمل على بناء التحالف منذ سنوات لكن لم يتم امتحانه إلا في العملية الإيرانية الأخيرة يوم السبت مع إطلاق وابل من الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل.
في الوقت الذي حلقت فيه المسيرات وانطلقت الصواريخ في سماء الشرق الأوسط ليلة السبت، تم تفعيل خط من الرادارات الدفاعية والمقاتلات والبوارج الحربية والبطاريات الدفاعية الجوية
ففي الوقت الذي حلقت فيه المسيرات وانطلقت الصواريخ في سماء الشرق الأوسط ليلة السبت، تم تفعيل خط من الرادارات الدفاعية والمقاتلات والبوارج الحربية والبطاريات الدفاعية الجوية من إسرائيل والولايات المتحدة ونصف دزينة من الدول ضد الهجوم الإيراني المنتظر. ولم يصل منها أي شيء تقريبا إلى إسرائيل.
وتقول الصحيفة إن الانتشار الضخم للدفاع الجمعي هو تتويج لعمل عقد من الزمان وهدف بعيد المنال لتحقيق تعاون عسكري بين إسرائيل وخصومها العرب من أجل مواجهة التهديد الإيراني المشترك.
إلا أن الجهود التي قادتها الولايات المتحدة وقبل أيام وساعات من الهجوم الإيراني اقتضت تجاوز عدد من المعوقات، بما فيها مخاوف دول الخليج الظهور بمظهر المسارع لمساعدة إسرائيل في وقت تشهد فيه العلاقات توترا معها بسبب الحرب في غزة.
إلا أن التعاون في ليلة السبت أدى لإسقاط معظم الوابل الإيراني وبسرعة، وقد تم الاحتفاظ بتفاصيل الدور الذي لعبته السعودية وبقية الدول العربية في إحباط هجوم إيران بسرية. ففي الوقت الذي اعترضت فيه إسرائيل والولايات المتحدة معظم المسيرات والصواريخ الإيرانية، ولكنهما استطاعتا القيام بالمهمة بسبب تعاون الدول العربية التي قامت وبهدوء بتمرير المعلومات الاستخباراتية عن الهجوم الإيراني وفتحها المجال الجوي للطائرات ومشاركتها معلومات الرادارات وفي بعض الأحيان قدمت المساعدات للقوات حسب المسؤولين.
وتعلق الصحيفة أن العملية هي تتويج لجهود أمريكية من أجل كسر الحواجز السياسية والفنية التي عرقلت التعاون العسكري بين إسرائيل والدول العربية، كما يقول المسؤولون. وبدلا من نسخة شرق أوسطية للناتو، ركزت الولايات المتحدة على تعاون أقل رسمية في الدفاع الجوي من أجل إحباط الترسانة الإيرانية من المسيرات والصواريخ، والتي استخدمتها للهجوم على إسرائيل ليلة السبت.
وتقول الصحيفة إن الجهود لبناء نظام دفاع جوي متكامل في الشرق الأوسط تعود إلى عقود. فبعد سنوات من البدايات الخاطئة والحد الأدنى من التقدم حصلت الفكرة على زخم جديد بعد اتفاقيات إبراهيم التي رعتها إدارة دونالد ترامب في 2020، والتي وقعت فيها دول عربية كالإمارات والبحرين على اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل. وبعد عامين نقلت البنتاغون إسرائيل من القيادة المركزية الأوروبية إلى القيادة المركزية للشرق الأوسط والتي تضم بقية المنطقة وهو تحرك قاد إلى تعاون عسكري أوسع مع الحكومات العربية وبرعاية أمريكية.
وقالت دانا سترول، والتي كانت حتى كانون الأول/ديسمبر أكبر مسؤولة مدنية في البنتاغون بمهام متعلقة في الشرق الأوسط إن “نقل إسرائيل للقياد المركزية غير قواعد اللعبة”. وفي آذار/مارس 2022 عقد الجنرال فرانك ماكينزي، الذي كان أكبر قائد عسكري بالمنطقة لقاء بين مسؤولين عسكريين إسرائيليين بارزين مع مسؤولين بارزين عرب لمناقشة كيفية التعاون من أجل مواجهة القدرات الصاروخية والمسيرات الإيرانية. وعقد اللقاء في شرم الشيخ بمصر، وكان أول لقاء يلتقي فيه عسكريون إسرائيليون وعرب لمناقشة التهديد الإيراني.
وقال مسؤول إسرائيلي بارز “جعلت اتفاقيات إبراهيم الشرق الأوسط مختلفا ولأننا لم نعد ندير الأمور تحت السطح ولكن فوقه”، كما أدى نقل إسرائيل لمسؤوليات القيادة المركزية إلى المزيد من التعاون الفني مع الحكومات العربية وهو “ما خلق هذا التحالف” حسب قول المسؤول.
ورغم التقدم الذي حققته الولايات المتحدة في دفع إسرائيل والحكومات العربية للمشاركة وبسلاسة في البيانات، إلا أن هذا الهدف لم يتحقق بسبب مظاهر القلق السياسي. وقال بلال صعب، المسؤول السابق في البنتاغون والذي عمل على التعاون الأمني في الشرق الأوسط إنه من الباكر لأوانه الحديث عن تكامل أمني في المنطقة. وأضاف صعب الزميل حاليا في تشاتام هاوس بلندن “كان الأمر دائما تدريجيا، وفي [يوم السبت] كان خطوة مهمة وأولى في العالم الحقيقي”. لكن التعاون في مجال الدفاعات الجوية بين إسرائيل والحكومات العربية وبوساطة أمريكية بات شائعا حتى مع السعودية والتي لم توقع اتفاقيات مع إسرائيل، حسبما يقول المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون.
ولم يتم فحص هذا التحالف الدفاعي الناشئ إلا عندما ضربت إسرائيل في 1 نيسان/أبريل القنصلية الإيرانية في دمشق وقتلت عددا من العسكريين أبرزهم محمد رضا زاهدي الذي قيل إنه مسؤول عن عمليات الحرس الثوري في سوريا ولبنان، ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن الهجوم. وبحسب مسؤولين مصريين وسعوديين، فقد ضغطت الولايات المتحدة على الدول العربية لمشاركة المعلومات الأمنية عن خطط إيران في الرد والمساهمة في اعتراض المسيرات والصواريخ التي أطلقت من إيران ودول أخرى. وفي الوقت الذي كان فيه النظام الدفاعي المتعدد الطبقات لإسرائيل قادرا مواجهة الصواريخ والمسيرات، إلا أن المسؤولين والمحللين خافوا من إغراق النظام بعدد كبير من الصواريخ والمسيرات بحيث لا يكون قادرا على الرد.
وفي البداية كان الرد العربي هو الخوف وجعلهم جزءا من النزاع وتعريضهم لهجمات انتقامية من إيران. وبعد محادثات موسعة مع الولايات المتحدة وافقت الإمارات العربية المتحدة والسعودية على المشاركة سرا بالمعلومات الأمنية، فيما قال الأردن إنه سيسمح للولايات المتحدة ودول أخرى باستخدام مجاله الجوي واستخدام طيرانه للمساعدة في اعتراض الصواريخ والمسيرات الإيرانية.
وقبل يومين من الهجوم أحاط المسؤولون الإيرانيون نظراءهم في السعودية ودول الخليج بخطط الضربة الإيرانية وتوقيتها من أجل حماية مجالها الجوي. وتم نقل المعلومات لواشنطن مما أعطى الولايات المتحدة وإسرائيل وقتا كافيا لتحضير الرد. ومع التأكد من الهجوم الإيراني أمر البيت الأبيض البنتاغون بإعادة نشر الطائرات والصواريخ الدفاعية في المنطقة وقاد الجهود للتنسيق بين إسرائيل والحكومات العربية، حسب مسؤولين إسرائيليين بارزين. وقال مسؤول “كان التحدي هو جلب هذه الدول لمساعدة إسرائيل”. و”كان قضية دبلوماسية”.
وتقول ياسمين فاروق، الزميلة غير المقيمة في وقفية كارنيغي للسلام العالمي إن الدول العربية عرضت المشاركة في الدفاع ضد الهجمات الإيرانية لأنها رأت منافع في التعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل، طالما ظل التعاون سرا “تعرف دول الخليج أنها لا تتمتع بنفس الدعم الذي تحظى به إسرائيل من الولايات المتحدة ولهذا رأت أن ما فعلته [السبت] وسيلة للحصول عليه في المستقبل”.
وتم تتبع الصواريخ الإيرانية من لحظة انطلاقها في إيران، حيث التقطت رادارات التحذير المبكر في الخليج المرتبطة بمركز العمليات في قطر الإشارات ونقلتها إلى المقاتلات من دول متعددة في المجال الجوي الأردني ودول أخرى وكذا البوارج في البحر وبطاريات الدفاع في إسرائيل. وعندما اقتربت المسيرات الإيرانية التي تتحرك ببطء أسقطها الطيران الأمريكي والإسرائيلي وعدد أقل من الطيران البريطاني والفرنسي والأردني.
وفي نقطة ما كان هناك 100 صاروخ باليستي في الجو متجهة نحو إسرائيل وتم اعتراض الغالبية منها في المجال الجوي الإسرائيلي. وأسقطت المقاتلات الأمريكية 70 مسيرة وأسقطت مدمرتان للصواريخ ستة صواريخ باليستية إيرانية فوق البحر المتوسط، كما وأسقطت بطارية باتريوت صاروخا باليستيا فوق إربيل شمال العراق.
وقال مسؤول إسرائيلي إن يوم السبت كان أول تعاون شامل في المجال العسكري بين إسرائيل وحلفائها العرب. وتساءلت الصحيفة في تقرير آخر أعده ياروسلاف تروفيموف إن كان هذه التعاون الذي تم لمواجهة هجوم معلن عنه في البداية سيتكرر وبخاصة أن إسرائيل لا يمكنها الدفاع عن نفسها بدون مساعدة خارجية. وقال إن الهجمات الإيرانية خلقت واقعا استراتيجيا جديدا ويجب على إسرائيل والولايات المتحدة التفكير به، فالهجوم هو الأول الذي تشنه الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها عام 1979 ضد إسرائيل.
وقال المسؤولون إن الرد الإسرائيلي قد يحدث سريعا وربما يوم الإثنين. وقال نداف بولاك، المحلل الإسرائيلي السابق والمحاضر في جامعة ريخمان “بدأت إيران مرحلة جديدة ولم تعد تقف وراء جماعاتها الوكيلة وباتت عرضة لهجوم مباشر من إسرائيل” و”المضي قدما، فلن تجلس إسرائيل مكتوفة الأيدي وتعترض كل شيء”. ولم تستخدم إيران في هجوم السبت إلا جزءا من ترسانتها الصاروخية ولديها مخزون كبير في لبنان، حيث يملك حزب الله آلافا من الصواريخ والمقذوفات الصاروخية.
وفي الوقت الذي لم تصل فيه إلا قلة من الصواريخ والمسيرات الإيرانية، حيث ضرب بعضها قاعدة نيفاتيم إلا أن إيران جمعت الكثير من المعلومات حول كيفية عمل إسرائيل والولايات المتحدة. ويقول جوناثان شانز من منظمة الدفاع عن الديمقراطية إن “إيران تفحص النظام الدفاعي الصاروخي وقدرة الدول الإقليمية والولايات المتحدة”، مضيفا “من هذا تأتي الكثير من المخاطر وعندما يواجه طرفان قويان بعضهما البعض في عدوان مباشر، فلا أحد يعرف ما سيجري”.
وفي الوقت الذي تفكر فيه إسرائيل بالرد عليها التفكير بمصالح شركائها مثل الأردن والإمارات والسعودية التي ساعدت إسرائيل ضد إيران رغم الغضب الشعبي من حرب إسرائيل والقتل الذي تمارسه في غزة. وقال ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية “تقدم شركاؤنا في المنطقة رغم ستة أشهر من التوتر بينهم وبين إسرائيل وبينهم وبين الولايات المتحدة التي رجوها أن تعمل أي شيء لضبط إسرائيل”. وقال كوك إن الدول العربية الشريكة تكره إيران أكثر مما تكره بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي. وتعتقد الصحيفة أن الدور المهم الذي لعبته الدول العربية وبخاصة الأردن سيعطيها على الأرجح تأثيرا كبيرا على إسرائيل مع تكشف الأزمة.
[email protected]
أضف تعليق