كثّفت السلطات الإسرائيليّة، منذ بدء الحرب على قطاع غزة في السّابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، الضغط الذي تمارسه على عشرات التجمّعات الرعويّة الفلسطينيّة في الأغوار الشماليّة بالضفة الغربية، لكي تُجبر سكّانها على مغادرة منازلهم وأراضيهم؛ و”بدعم تامّ من الجيش والشرطة الاسرائيلية، وتحت رعايتهما، يُمارس المستوطنون بشكل يوميّ عُنفا شديدا ضد سكّان التجمّعات”.
جاء ذلك بحسب ما أكّد مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان “بتسيلم”، يوم أمس الأحد في تقرير ذكر فيه أن إسرائيل “قلّصت مساحات مراعيهم (للتجمّعات الرعويّة) ومنعت إمدادهم المنتظم بالمياه وعملت على عزل منطقة الأغوار عن مناطق الضفة الغربيّة الأخرى. وقد فعلت هذا كلّه عبر خلق التعاوُن والتنسيق بين الجيش والشرطة ومستوطني المنطقة ومجلس غور الأردن الإقليمي”.
وأضاف أن “هذه السياسة ليست جديدة. فمنذ عشرات السّنين تقيّد إسرائيل قدرة التجمّعات الفلسطينيّة على الاستمرار في الوُجود”، مشيرا إلى أن “هذه القيود تشمل إغلاق نحو 80% من مساحة منطقة الأغوار أمام الفلسطينيّين – بواسطة تعريف أجزاء مختلفة منها كـ’مناطق إطلاق نار’ أو ’محميّات طبيعيّة’ أو ’مناطق نفوذ بلديّة’ تابعة للمستوطنات”.
وأوضح أن “إسرائيل تتذرّع بهذه التعريفات، لتبرير رفضها المصادقة على خرائط بناء في التجمّعات الرّعويّة تتيح للسكّان بناء منازلهم وفقا للقانون، والارتباط بشبكات المياه والكهرباء. إضافة إلى ذلك، وبدعم تامّ من الجيش والشرطة وتحت رعايتهما، يُمارس المستوطنون بشكل يوميّ عُنفا شديدا ضد سكّان التجمّعات، وتفرض هذه السياسة على سكّان الأغوار الفلسطينيّين ظروفا معيشيّة مستحيلة”.
وقال المركز إن إسرائيل “تطبّق منذ السّابع من أكتوبر هذه السياسة بشكل أكثر صرامة، وتمارس الضغط على سكّان التجمّعات الرّعويّة بطرق متعدّدة”.
الاستيلاء على الأراضي
وذكر أنه “في نهاية العقد الماضي أنشئت ستّ مزارع استيطانيّة في منطقة الأغوار، تعيش فيها بضع عائلات وعشرات الفتيان، وهي: مزرعة ’شيرات هعسبيم’، مزرعة ’تِنِه يَروك’، مزرعة ’مَسكيوت’، مزرعة ’إيرتس هشيمش’، مزرعة ’نوف جلعاد’ ومزرعة ’غوشِن’. سكّان هذه المزارع، الذين يربّون الأبقار والأغنام، هُم من يمارسون الضغط الأساسيّ على التجمّعات الرّعويّة الفلسطينيّة في المنطقة”.
وأضاف أنه “منذ ما قبل الحرب، استولى سكّان المزارع الاستيطانيّة على نحو 57,500 دونم – وهي مساحة تفوق مساحة منطقة نفوذ بلديّة تل أبيب – يقع معظمها ما بين طريق الغور السّريع (شارع 90) و’ديرِخ ألون’ (شارع 578)”.
إضافة إلى ذلك، “استولى المستوطنون على ينبوعين كانا يخدمان التجمّعات الفلسطينيّة في المنطقة – قرب عين الحلوة وقرب تجمّعات الفارسيّة – وعلى آبار لتخزين مياه الأمطار حفرها سكّان التجمّعات، وكانوا يستخدمونها لسقي قطعان الماشية”.
منذ السّابع من أكتوبر استولى المستوطنون على نحو 4,000 دونم إضافيّة وسيّجوا المساحات التي استولوا عليها قبل الحرب، كما نصبوا حواجز لمنع وُصول الفلسطينيّين إلى الطرق الزراعيّة التي كانوا يستخدمونها سابقاً. من ذلك أنّهم سيّجوا مقطعين على امتداد شارع 90 في منطقة المستوطنتين الزراعيّتين “نوف جلعاد” و”جوشِن”. كذلك جرى تسييج مساحات أخرى قبالة تجمّعات الفارسيّة وشرقيّ شارع 578، قرب مزرعة “إيرتس شيمش”، على الطريق الزراعيّة المؤدّية من شارع 90 إلى مزرعة ” جوشِن” وعلى الطريق الزراعيّة الموصلة بين مستوطنتي “مسكيوت” و”روتم”.
تمتدّ هذه المزارع الاستيطانيّة اليوم على مساحات شاسعة سبق أن عرّفت إسرائيل بعضاً منها كمناطق إطلاق نار أو محميّات طبيعيّة ما بين ستينيّات وثمانينيّات القرن الماضي، ويمنع مستوطنو هذه المزارع الفلسطينيّين من الرّعي فيها. هذه المساحات هي عينُها التي كانت التجمّعات الرعويّة الفلسطينيّة تستخدمها منذ أجيال، قبل وبعد احتلال الضفة الغربيّة في العام 1967، وإغلاقها أمام سكّان هذه التجمّعات يمسّ بقدرتهم على رعي مواشيهم والاستمرار في كسب الرّزق من تربيتها.
عُنف المستوطنين
وشدّد المركز على أنه “منذ زمن طويل أضحى العُنف الذي يمارسُه سكّان المزارع الاستيطانيّة ضدّ التجمّعات الفلسطينيّة في المنطقة جزءا من روتين حياة أهالي التجمّعات. لكنّ الشهادات التي جمعها ’بتسيلم’ والتوثيق الذي يقوم به ناشطون إسرائيليّون في مشروع ’تواجُد دفاعيّ’ لمساعدة هذه التجمّعات، تُظهر أنّ هذا العُنف قد تسارعت وتيرته وتفاقمت شدّته منذ السّابع من أكتوبر”.
وأشار إلى أن “عُنف المستوطنين يتمظهر بشتّى الأشكال: الهجوم الوحشي بالتراكتورات الصغيرة أو بالخيول على قُطعان الفلسطينيّين ودَهس المواشي، ورَعْي قطعانهم في حُقول الفلسطينيّين المفلوحة وتخريب المحاصيل الزراعيّة، وإفلات الكلاب على الأهالي، واقتحام مناطق التجمّعات في غزوات ليليّة، وسرقة المواشي، وتخريب وحرق الممتلكات، والاعتداء الجسديّ على الأهالي وعلى الإسرائيليّين الناشطين في ’تواجُد دفاعيّ’، وتهديدات متكرّرة للأهالي لردعهم عن الخروج إلى المراعي”.
وأضاف أنه “بعد السّابع من أكتوبر تم تجنيد مستوطنين من سكّان مستوطنات المنطقة في أطر الدفاع اللّوائيّ التابعة للجيش، ومنذ ذلك الحين هُم الذين يوفّرون الحماية للمستوطنين، حتى عندما يعتدي هؤلاء على الفلسطينيّين. بل هُم يشاركون غيرَ مرّة في هذه الاعتداءات”.
وأوضح أنه “بالتعاوُن مع المستوطنين ينشط هؤلاء في تقليص إمكانيّات الرّعي أمام التجمّعات الفلسطينيّة، ويقومون ضمن ذلك باعتقال واحتجاز مُزارعين فلسطينيّين ومصادرة الجرّارات الزراعيّة التي يستخدمونها في حراثة أراضٍ محاذية للمساحات التي عُرّفت كمناطق إطلاق نار ومحميّات طبيعيّة”.
ووفق التقرير، فإنه “بالإضافة إلى ذلك، يرمّم الجيش السّاتر الترابيّ على امتداد شارع 578 – من ’بقعوت’ وُصولا إلى حاجز ’جوخيه’. وكان هذا السّاتر قد أقيم في فترة الانتفاضة الثانية بغية منع المُزارعين الفلسطينيّين من الوصول إلى أراضيهم الزراعيّة الواقعة غربيّ الشارع. وخلال السّنوات الأخيرة أصبح سكّان التجمّعات الزراعيّة يتغلّبون على هذه العقبة بالمرور إلى أراضيهم عبر الثغرات الناشئة عن التشققات في السّاتر”.
تقييد الحركة والتنقّل
وفي أواخر تسعينيّات القرن الماضي، نصب الجيش الاسرائيلي في منطقة الأغوار حاجزين، “هُما حاجز الحمرا وحاجز تياسير، على الطرق المؤدّية من محافظتي طمون وطوباس إلى الأغوار الشماليّة. في السّنوات الأخيرة أتاح الجيش للفلسطينيّين عبور هذه الحواجز بحرّية، لكنّه منذ السّابع من أكتوبر عاد ونشر فيها جنود حراسة يقومون بالتفتيش والفحص الطويلين للفلسطينيّين غير المسجّلين كسكّان الأغوار – بمن فيهم معلّمون وأطبّاء يعملون في المنطقة وفلسطينيّون متوجّهون إلى جسر أللّنبي ليغادروا إلى الأردن”.
وشدّد “بتسيلم” على أنّ “هذان الحاجزان يصعّبان توصيل المياه في الحاويات إلى التجمّعات الرعويّة في الأغوار، علما بأنّ الأهالي هناك يعتمدون عليها لأنّ إسرائيل ترفض ربطهم بشبكة المياه”.
وأضاف أنه “منذ السّابع من أكتوبر تصطفّ المركبات في الحاجزين في طابور طويل، وقد تصل مدّة الانتظار هناك إلى ساعتين”.
وذكر أنه “بالإضافة إلى ذلك، قلّص الجيش فترات فتح حاجز ’جوخيه’ الذي نُصب غربيّ مستوطنتي ’بقعوت’ و’روعي’، بغرض تفتيش العمّال الفلسطينيّين الذين يعملون في مستوطنات المنطقة، وتقييد عُبور الفلسطينيّين، بما في ذلك أيضا الحاويات التي تستخرج المياه في منطقة خربة عاطوف وتزوّد التجمّعات بها”.
وأكد تقرير “بتسيلم” أن “هذا الحاجز يُفتح حاليا، ثلاث مرّات فقط في اليوم ولفترات قصيرة ومتغيّرة دائما”.
التنكيل من جانب المجلس الإقليميّ الاستيطانيّ
ووفق التقرير، فإنه “منذ السّابع من أكتوبر، دأب مجلس إقليمي غور الأردن على مصادرة قطعان المواشي التابعة للفلسطينيّين بحجّة أنّها ’حيوانات ضالّة’، أو بموجب قانون مساعد خاص بالمجلس بشأن الرعي”.
وشدّد التقرير على أن “هذه المصادرات تجري بالتعاون مع مستوطني المزارع الاستيطانيّة والجيش والشرطة”.
وأشار إلى أن “المجلس الإقليمي قد صادر حتى الآن، قطيعين لفلسطينيّين يعدّان أكثر من مائتي رأس بقر، وطالب المزارعين بدفع نحو 200 ألف ش.ج. لقاء نقل الأبقار وحفظها والاعتناء بها”.
وقال إن “عمليّة المصادرة الأولى، جرت في 24.12.23. يومذاك صادر عمّال المجلس قطيع أبقار يخصّ رُعاة من تجمّع عين الحلوة الذي أقيمت في جواره مستوطنة ’حمدات’. ثم جرت عمليّة المصادرة الثانية في 7.1.24 عندما اقترح مستوطنو مزرعة ’نوف جلعاد’ الاستيطانيّة على رُعاة من عين الحلوة أن يرعوا أبقارهم في منطقة مستوطنة ’بروش هبقعَه’، وعندما وصل هؤلاء إلى المرعى المقترح كان في انتظارهم مفتّشو المجلس الإقليميّ الذين صادروا 48 بقرة بمساعدة جنود وعناصر شرطة، كما اعتقلوا الرّعاة أيضا”.
منع رعاة رعي مواشيهم في أراض اعتادوها على مدى عشرات السّنين
وأوضح تقرير “بتسيلم” أنه “في ردّ على رسالة وجهها المحامي ميخائيل سفارْد، باسم أصحاب القطعان، أوضح المستشار القضائيّ للجيش في الضفة الغربية، إيلي لبرطوف، أنّ المجلس قام بهذه العمليّات دون تخويله بصلاحيات التنفيذ في كلّ ما يخصّ التجمّعات الفلسطينيّة في المنطقة، وأنّ عمليّاته هذه مخالفة لقرارات المحكمة العليا الإسرائيلية، وموقف المستشار القضائيّ للجيش في الضفة الغربيّة”.
وأضاف أن “المجلس الإقليميّ خصّص مساحة رعي هائلة، تبلغ نحو 6,200 دونم، لمزرعة ’تنه يروك’ الاستيطانيّة وصاحبها ديدي عموسي، الذي كان في الماضي مركّز الأمن الجاري العسكريّ في مستوطنة ’روتِم’. وبذلك، توسّعت مساحة المراعي التابعة لمزرعة عموسي لتبلغ 16 ضعفا من المساحة التي خصّصتها لها وزارة الزراعة في العام 2021 – 370 دونما”.
وشدّد التقرير على أن “تخصيص هذه المساحات يحرم تجمّعات الفارسيّة المجاورة من رعي مواشيها في المنطقة الممتدّة من شرقيّ شارع 578، وُصولا إلى جوار شارع 90، والتي اعتادوا على رعي مواشيهم فيها على مدى عشرات السّنين”.
وذكر أن “كلّ واحد من التجمّعات التي تعيش في منطقة الأغوار يملك من الأغنام والأبقار مئات الرؤوس؛ وتقليص مساحات الرّعي وإغلاق الطريق إلى مصادر المياه يُجبر أهالي هذه التجمّعات على شراء الأعلاف التي ارتفعت أسعارها كثيرا خلال السنتين الماضيتين، منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، كما يُجبرهم على شراء –المياه التي يرتفع سعرها كلّما كان التجمّع معزولا أكثر، بسبب صُعوبات التوصيل”.
وأضاف أنه “نتيجة لذلك، تتضاءل باستمرار قدرة هذه التجمّعات على العمل في الرّعي/ تربية المواشي، نظرا لانعدام الجدوى الاقتصادية”.
وقال إن “الضغط الذي تمارسُه إسرائيل على هذه التجمّعات يرمي إلى زعزعة الأساس الاقتصاديّ الذي تقوم عليه التجمّعات الرعويّة الفلسطينيّة، ثم إقصاء السكّان الفلسطينيّين عن منطقة الأغوار، من أجل تكريس نظام الأبارتهايد في هذه البقعة الجغرافيّة وتمكين إسرائيل من استغلال الأرض لأغراضها هي”.
[email protected]
أضف تعليق