لطالما كان النقب موضوعًا يُكتب عنه في السنوات الأخيرة في الاعلام العبري، التحريض العنصري على أهل النقب العرب، عمليات الهدم، القرى غير المعترف بها، الطلاب العرب في بئر السبع، ثم فجأة تأتي احداث السابع من أكتوبر، بدو من النقب بين القتلى، وبين المخطوفين وبين المصابين، غرف طوارئ عربية يهودية في بلدات بدوية، وحتى مقتل جندي بدوي من رهط في القتال في غزة وتوافد الوزراء لزيارة عائلته، وعلى رأسهم رئيس الحكومة نتنياهو، فهل يتغيّر التعامل مع بدو النقب على أنهم مجرد أشخاص يعيشون على الفوضى والتصرفات الخارجة عن القانون والسيطرة على مساحات بملكية الدولة؟
"هنالك فئات عديدة تنظر للعرب بشكل عام من منظار أمني، هذه الفئات تقول الآن أن البدو أصيبوا وقُتلوا وخُطفوا في احداث السابع من أكتوبر، وبعضهم ساعدوا المصابين وقتها، لذلك قد تتغير النظرة نحوهم، ولكن هذا لا يمثل حالة عامة، فالحالة العامة، لم تتغير كثيرًا، العنصري ازدادت عنصريته، والعقلاني، يتعامل مع الأمر بعقلانية" يقول المحامي شحدة بن بري، المرشح في قائمة يهودية عربية في بئر السبع، ويضيف: "أقول هذا، لأن هنالك من جهة أخرى، شعور أن فئات أخرى، جعلتنا أحداث السابع من أكتوبر تشعر بالخذلان والتراجع عن فكرة الشراكة والسلام، وكأنها استفاقت من الحلم الذي كان يتحدث عن المحبة والشراكة والحياة المشتركة، بمعنى أن أحداث السابع من أكتوبر لم تصنع حالة معينة لكنها أثرت على كل جهة بشكل مختلف عن الأخرى".
شعوران متناقضان
"فعلًا هنالك شعورين مختفلين، كأن الأحداث أثرت على الاتجاهين، فمثلًا عند بعض متخذي القرارات رأيت تغييرًا ايجابيًا في التوجه والتعامل، في الفترة الأخيرة عندما كنت في الكنيست وطرحت مواضيع تتعلق بالنقب، شعرت بأن هنالك أعضاء كنيست يستمعون لي ويهتمون لما أقوله، في الماضي هذا لم يكن، مثلًا استمعوا وفهموا أن القتلى السبعة في النقب في السابع من أكتوبر جراء الصواريخ، كانوا نتيجة للاهمال المتعمد من الدولة وعدم بناء ملاجئ في البلدات العربية"، تقول هدى أبو عبيد، من منتدى التعايش السلمي في النقب، وتضيف:" ولكن في نفس الوقت، العنصريون ما زالوا في نفس المكان، وربما زادت عنصريتهم، خصوصًا في صفوف الجيل الشاب الذي يميل لليمين أكثر، وهذا يمكن ملاحظته في التعقيبات بمجموعات الفيسبوك وغيرها، خصوصًا الذين لا تعجبهم أريحية العرب في بئر السبع. هذا بالإضافة إلى تعامل العنصريين من الحكومة".
بعد أن توقفت في بداية الحرب، لمدة نحو 3 شهور، عادت في الأسابيع الأخيرة عمليات الهدم في النقب، بشكل كثيف، تفسير أو عبيد ذلك "في البداية كانت حالة الصدمة مسيطرة وقسم كبير من الموظفين كانوا في جيش الاحتياط، وهذا يفسر توقف عمليات الهدم، وليس تضامنًا مع البدو قطعًا، أما الآن فقد تراجع الشعور بالصدمة وتحرر قسم كبير من الاحتياط وعادت عمليات الهدم بوتيرة عالية، تذكرنا بما كان عليه الأمر قبل السابع من أكتوبر، حيث ارتفعت الوتيرة بشكل كبير وقام بن غفير بزيارة تل عراد مع قوات كبيرة من الشرطة وهدد وتوعد باستمرار عمليات الهدم، في شهر 9 مثلًا تم هدم 12 بيتًا في أم قرينات وحدها، ونظمنا مظاهرة احتجاجية وكانت هنالك خطوات عديدة، توقفت مع بداية الحرب، والآن عاد الهدم إلى نفس الوتيرة، وباعتقادي، فإن لدى السلطات هدف معين لعدد البيوت التي يجب هدمها في النقب كل عام، وبسبب التوقف لمدة ثلاثة أشهر، عادوا الآن بوتيرة عالية للتعويض".
تركيز السكان البدو .. مشروع قديم جديد
وتعتقد أبو عبيد أن الوزير عميحاي شيكلي لم يرفض التنازل عن سلطة توطين البدو من فراغ :"لدى شيكلي خطة للتركيز السكان البدو، في رهط وحورة وبير هداج، لتقليص المساحات، ويقوم بخطوات لهذا الأمر في لجان التخطيط، لكنه لم يصل الميدان بعد، وقبل أسبوعين كان جلسة بخصوص هذا الأمور في لجنة التخطيط اللوائية، وضمن مخططه أيضًا، ترحيل الناس ووضعها في كرفانات لتسريع العملية، ولكن هذا المخطط الشبيه بمخطط برافر، لا يمكن أن نسمح له بأن ينجح كما حصل مع برافر".
"الحكومة عنصرية بشكل كبير ولا يمكن لا لأحداث السابع من أكتوبر ولا غيرها أن تغيّر من تعاملها تجاه البدو في النقب، ووبن غفير حتى اليوم ما زال يحاول اشعال الأمور بطريقة أكثر حدة من أي وقت مضى، وهذا ينعكس بحدة عمليات الهدم التي عادت الآن" يقول ناتي يفت، المتحدث بلسان القرى غير المعترف بها بالنقب: "العشرات من عناصر الشرطة والآليات، وصلت قبل أيام لهدم جدار صغير، أو لغرفة صغيرة لسيدة مسنة ومريضة، تبذير أموال الدولة لأهداف عنصرية، حتى أن مسؤولين في النقب في الأشهر الأخيرة قالوا لبعض قيادات المجتمع البدوي أنهم يشعرون بعدم الراحة لإعادة الهدم، لكن الحكومة هي التي تحدد السياسات، والأمر الآن أكثر شراسة بشكل واضح، ففي الماضي مثلًا كانوا يبلغون صاحب المنزل بنيتهم للهدم كي يقوم بنفسه بالأمر، و 90% من الناس كانوا يهدمون بيوتهم بأنفسهم، أو بشكل أدق، يفككونها بأنفسهم، فلا يتسبب ذلك بخسارة كبيرة لهم ويحافظون على جزء كبير من مكونات المنزل، أما الآن فالهدم يأتي دون انذار مسبق، تهدم البيوت غالبًا على اغراضها، في بعض الحالات تم هدم البيت وبداخله أغراض مدرسية للأطفال، حقائق وكتب، وفوق هذا يطالبون صاحب المنزل بعد الهدم بدفع التكاليف التي قد تصل إلى عشرات آلاف الشواقل!"
عمليات هدم شرسة
المركز الميداني للمجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، معيقل الهواشلة، أضاف على كلمات يفت: "بعدما أوقفوا الهدم لمدة 100 يوم لأسباب تتعلق بهم، عادوا الآن، ودون سابق انذار، عمليات هدم شرسة تثير غضب الناس وسخطهم، تخيلوا شعور الطفل الذي هدموا بيته أمام أعينه وفوق أغراضه المدرسية وفي هذا البرد، كيف له أن ينسى؟".
ناتي يفت يقول أنه ورغم العنصرية الشديدة من الحكومة عدد من البدو في النقب قالوا أنهم يشعرون بتغيير إيجابي في العلاقات بينهم وبين اليهود، وقد أكد سائق يعمل بالمواصلات العامة على خط ديمونا هذا الأمر: "هنالك شعور منذ بداية الحرب، في بعض المناطق، أن بعض المواطنين اليهود غيروا من تعاملهم مع العرب في النقب، أتحدث مثلًا عن منطقة ديمونا التي يعتبر ساكنها من مؤيدي اليمين، قبل الحرب كانوا يصعدون إلى الحافلة ولا يتحدثون إلى كسائق، الآن يأتون ويلقون التحية، ويتحدث بعضهم عن المصير المشترك وما إلى ذلك، ولكن هذا في مناطق معينة فقط".
معيقل الهواشلة يقول أن "التوتر هو سيد الموقف، والأمور تحتاج إلى تهدئة وهذه تأتي بالعمل المشترك، وهنالك مبادرات مشتركة عديدة، ولكن ورغم التوتر، فإن العلاقات بالمجمل بين العرب واليهود لم تتغير، لا للأسوأ ولا للأحسن، السيء بقي سيئًا والجيد بقي جيدًا".
تعاطف فردي
"الشعور بالتعاطف كان فرديًا أكثر، بمعنى، العائلات التي تضررت بالحرب، وصل العديد من المسؤولين وحتى المواطنين اليهود وعبروا عن تعاطفهم معها، وكانت هنالك بعض المبادرات المشتركة، لكن ليس أكثر من ذلك" تقول هدى أبو عبيد، وتضيف: "الحرب ستنتهي قريبًا، وسنعود لحياتنا الطبيعية، العنصرية كانت واصلة للقمة قبل الحرب، وستبقى كما هي غالبًا للأسف، خصوصًا في ظل هذه الحكومة العنصرية".
منذ بداية الحرب تم اعتقال 3 شبان إداريًا من النقب، وفي الأيام الأخيرة صدرت عدة أحكام على شبان من النقب من أحداث أيار 2021، سجنوا بين 3-10 سنوات، "هذا كله متعلق بالأجواء العامة" يقول المحامي شحدة بن بري "العنصرية ضد العرب في النقب تنعكس في هذه الأحكام وفي الملاحقات وفي عمليات الهدم التي عادت، والتي توقفت أصلًا بسبب انشغال الدولة بالحرب ليس أكثر، وحتى بالنسبة للمواطنين، فتعامل سكان الكيبوتسات يختلف عن تعامل سكان البلدات الأخرى، وفي بئر السبع كل فئة تتعامل وفق ثقافتها وهي بالذات لا تعتبر مدينة عنصرية".
وختم بن بري حديثه بالتطرق إلى الانتخابات المقبلة ولقائمة "شراكة":" باعتقادي نسبة التصويت ستكون منخفضة، بسبب الأجواء العامة، وفكرة ترشحنا أصلًا لم تكن سهلة ولكن هذا الأمر كان يجب أن يحصل، لا يمكن أن يبقى المواطنين العرب في بئر السبع دون تمثيل حقيقي لهم يطالب بحقوقهم، هنالك في بئر السبع عائلات من الشمال مثلًا، تتواجد منذ عقود، وأصبح الرجل جدًا ويسكن مع عائلته في بئر السبع، وعندما يموت لا يدفن فيها لأنه لا يوجد في مقبرة للعرب مثلًا، ولا حتى مدرسة ولا أي مؤسسة، تماما يعيش العربي في بئر السبع كالذي يعيش في فندق، هذا الوضع يجب ان ينتهي ويتغيّر، وهذا سبب ترشحنا، بقائمة عربية يهودية مشتركة".
[email protected]
أضف تعليق