أثارت زيارة الناشط السياسي ورئيس صندوق إعمار القدس، سامر السنجلاوي، قبل أيام، ردود فعل مستنكرة ومستهجنة في الشارع المقدسي، ونداءات لمقاطعته.
حول الزيارة التي قام بها السنجلاوي الى "كفار عزة" برفقة جيسون غرينبلات، وحيثياتها، كان لموقع بكرا هذا الحديث.
زيارتك لغلاف غزة الأخيرة، أثارت ردود فعل مستنكرة في الشارع الفلسطيني، لا سيما وأن الجيش الإسرائيلي يواصل قصف غزة وينفذ مجازر عدة ضد المدنيين الأبرياء؟ ما الهدف من هذه الزيارة؟
السنجلاوي: يمكن لإسرائيل إن تدعي انها الطرف المتفوق عسكريا واقتصاديا في هذا الصراع، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر اننا كفلسطينيين نحن الطرف المتفوق اخلاقيا في هذا الصراع.
لإسرائيل أن ترتكب اسوأ جرائم الابادة الجماعية و الإنسانية في هذا العصر، في كل صباح وفي كل مساء كما تشاء: في غزة ، في بيت لاهيا، في جباليا، في خان يونس ، في دير البلح ، في طولكرم ، في القدس وفي جنين.
لها أن تستخدم القنابل الذكية والقنابل الغبية والفسفورية وان تمحو أطفالنا وضحايانا من الحياة وحتى أن تحاول ان تمحوهم عن الذاكرة الانسانية. لأن اطفالنا وضحايانا الان قد لا يحظون بحقهم الانساني بالدفن، ومن يدفن منهم قد لا يحظى بقبر، ومن يحظى بقبر قد لا يكون عليه شاهد يحمل اسمه.
نحن علينا ان نبقى فلسطينيين وانسانيين
لإسرائيل إن تقنلنا بفعل القنابل ولها إن تقتلنا تجويعا أو تترك الأمراض لتفعل بأجسادنا ما لم يطاله القصف أو الرصاص. فلتفعل إسرائيل اسوأ ما تشاء معنا وبنا، هذا دليل على انهيار اخلاقهم إلى أدنى المستويات أو تجرد قلوبهم من أدنى النزعات الإنسانية فيما يتعلق بالفلسطينيين. هم ما شاؤوا لأنفسهم إن يكونوا عليه ، اما نحن علينا ان نبقى كما نحن فلسطينييين وانسانيين.
رسالتي كانت للإسرائيليين بأنه في الوقت الذي لا تيستطيعون هم التحسس من الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعبنا في غزة، وفي الوقت الذي يدفن كافة الإسرائيليين من اليسار إلى اقصى اليمين رأسهم في الرمال ولا يريدون إن يروا المجازر التي يرتكبها جيشهم في كل يوم في غزة ، فأننا نحن نختلف عنهم ولا نشبههم في شكل التجرد من الإنسانية التي يتعاملون فيها مع حرب غزة.
السؤال المطروح هو بأي حق يدعي الإسرائيليون ومعهم قادة الغرب بمنتهى النفاق إن حياة الطفل الإسرائيلي في كيبوتس كفار غزة هي مقدسة بينما حياة الطفل الفلسطيني في غزة وعلى بعد كيلومتر واحد فقط، هي غير مقدسة؟ الان يسقط في غزة طفل فلسطيني كل ٦ دقائق وأصبحت غزة المكان الأخطر للطفولة على وجه الأرض ولا يوجد إسرائيلي واحد يدين ذلك.
نحن الفلسطينيين لأننا انسانيين لا نفرق بين قدسية الحياة لأي طفل على وجه الأرض لا في غزة ولا في كفار عزة. نحن نريد الاحتفاظ بكامل عدالة قضيتنا الفلسطينية والوطنية والسياسية والاخلاقية بالرغم من تورط اسرائيل المتعمد في ارتكاب جرائم الحرب ضد شعبنا في غزة فاننا كفلسطينيين ولأننا انسانيين لا نسعى ولا نقبل المساس بالابرياء المدنيين وخاصة الأطفال. وأن وقع مثل ذلك فنحن علينا أن نتفهم الأبعاد الإنسانية لذلك ونتحمل المسؤولية الاخلاقية بكل شجاعة وجرأة .... وهنا نتساءل ايضا بكل جرأة هل نجد من الطرف الاسرائيلي الان شخصا واحدا يستطيع أن يقف من ناحية إنسانية ضد الجيش الإسرائيلي في ارتكابه هذه المجازر اليومية في غزة التي طالت أرواح عشرات الالاف من الأطفال والنساء والمدنيين الابرياء؟!
نحن ننجح إنسانياً وهم يفشلون
الواقع يثبت اننا نحن ننجح في هذا الامتحان الانساني وهم يفشلون اخلاقيا وانسانيا في هذا الامتحان.
الكرة الان في الملعب الإسرائيلي ونحن بانتظار إن نسمع أصواتا إسرائيلية تدين الابادة الجماعية في غزة وتحاول أن تضع حدا لهذا الانهيار الأخلاقي الذي يمر به المجتمع الإسرائيلي الذي يتمسك بإجماع في دعمه الأعمى لكل ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في غزة.
وهناك تساؤل اخر أيضا موجه للشارع الإسرائيلي وهو اي جانب من الجيش الاسرائيلي يتحد الشارع الاسرائيلي على مساندته؟ هل هو الجانب الذي خذلهم يوم ٧ أكتوبر ام الجانب الذي اوصلهم لقفص الاتهام بارتكاب جريمة الابادة الجماعية في محكمة العدل الدولية؟
الانهيار الأخلاقي الذي يتعرض له المجتمع الإسرائيلي
هذا جدل اخلاقي مشروع بيننا داخليا كفلسطينيين وايضا بيننا وبين الاسرائيليين؟ جدل يرتكز على درجة اهتمام كل طرف بأخلاقه وانسانيته والى اي مستوى يقبل اي طرف بأن يتخطى كل الخطوط الحمر الاخلاقية حتى في أصعب اوقات هذا الصراع. برأيي اننا نحن الفلسطينيين لأننا فلسطينيين فنحن انسانيين وسنبقى كذلك.
اذا ما قارنا بين الخسائر التي دفعها شعبنا الفلسطيني منذ يوم ٧ أكتوبر وحتى اليوم او حتى نهاية الحرب فأننا نستطيع التغلب عليها. حتى لو وصل عدد ضحايانا إلى ٥٠ الف في هذه الحرب فأنه الان يوجد ٥٠ الف امرأة حامل في غزة ستعوضنا عن الشهداء. وحتى لو تم تدمير معظم غزة بالكامل أيضا سنكون قادرين على إعادة اعمارها خلال سنين محدودة. ولكن إذا نظرنا إلى اضرار هذه الحرب في الجانب الإسرائيلي فإن اهمها هو الانهيار الأخلاقي الذي يتعرض له المجتمع الإسرائيلي في هذه الحرب وهنا ستحتاج إسرائيل إلى ٢٠ أو ٣٠ سنة كي تستطيع الخروج من أعراضه داخليا وخارجيا.
وماذا تقول للرافضين لهذه الزيارة التضامنية؟
نحن كفلسطينيين نتألم في كل دقيقة منذ السابع من أكتوبر، نتألم مع كل صورة وفيديو يخرج من غزة وينتابنا جميعا هذه المشاعر من الحزن والغضب والقهر، وهذا طبيعي. والى جانب هذا القهر والحزن علينا أن نخاطب العالم بلغة اخلاقنا التي نمتاز بها عن غيرنا بكل حرص وانتماء ووفاء لغزة واطفالها.
انا انخرطت في السياسة منذ كان عمري ١٥ عاما وامضيت في الانتفاضة الأولى ٥ سنوات في السجون الإسرائيلية وكان زملائي في السجن ينتخبونني باستمرار مفوضا عاما وناطقا باسم الاسرى. وبعد الافراج عني تم انتخابي سكرتير علاقات دولية لشبيبة فتح في الضفة وغزة وبعدها منسق العلاقات الاسرائيلية والدولية للجنة الحركية العليا لفتح. ومنذ ذلك الحين وانا احاول ان اخاطب الإسرائيليين والعالم بأفضل طريقة ممكنة وافضل اسلوب ممكن يليق بنا كفلسطينيين ويعكس حقيقة واخلاقية قضيتنا ونضالنا. وأحيانا لا بد من اتخاذ خطوات قد يثار حولها الجدل ولكن مطلوب الحكم عليها بالعقل قبل العاطفة.
انا معروف عني اني من أصوات المعارضة للقيادة الفلسطينية وهذا يثير حفيظة العديد منهم خاصة بعد أن نشرت صحيفة النيويورك تايمز الأميركية يوم ٢١ من الشهر الماضي مقالا لي على الصفحة الاولى تحت عنوان ( على محمود عباس أن يرحل ) استعرضت فيه فساد القيادة الحالية و تحدثت عن مطالبة الشارع بالتغيير. وربما استفز ذلك مجموعة ما وشعرت انها تستطيع استغلال حواري مع جيسون غرينبلات بحملة تخوين وتشهير. وهذا ليس غريب لانه من سمح لنفسه بقتل نزار بنات قبل ٣ أعوام لا يمانع في شن حملة تشهير لأي من معارضيه تحت مسميات لا وجود لها مثل صقور فتح أو المجتمع المقدسي أو فبركة اعلان عائلي لا اساس له من الصحة.
انا أتفهم إن يكون هناك جدل وانتقاد داخل الشارع الفلسطيني لتصرفات أو تصريحات شخصيات اعتبارية أو نشطاء سياسيين واجتماعيين ولكن كل حملات التشويه والتخوين دائما يكون وراءها خصوم سياسيين لا يمتلكون مهارة الحجة والاقناع والنقاش الموضوعي فيلجؤون إلى اسلوب الضعفاء في التكفير والتخوين. وهذه ظاهرة ننفرد بها للأسف بين شعوب العالم.
اتقبل بصدر رحب كل انتقاد
ولهذا انا اتقبل بصدر رحب كل انتقاد من اي فلسطيني سواء على التوقيت او المكان او الكلام ولكن للخصوم السياسين الذين وقفوا خلف حملة التشهير اذكرهم أن الأوطان تبنى بالشفافية لا بالتدليس بالحريات لا بالبطش وبالعلم لا بالجهل.
هل أنت نادم على هذه الزيارة؟
اولا هذا كان حوار مع شخصية أمريكية فعالة تمثل اليمين اليهودي في أمريكا وتمثل يمين الحزب الجمهوري وهذه فئة مهمة ومؤثرة ونادرا ما تقام علاقات بيننا وبينهم. انا تعرفت على جيسون غرينبلات مؤخرا وهو شخص إيجابي وتبادلنا الحديث ليس فقط عن كيبوتس كفار عزة ولكن أيضا عن غزة ومن نواحي إنسانية. ومن رأيي انه علينا أن لا نخجل ابدا من أن نظهر أنفسنا على حقيقتنا وهي اننا جزء من الأسرة الإنسانية واننا فخورون بانسانيتنا وأن قضيتنا هي قضية عادلة وانسانية وأننا نفهم إن لا جريمة تبرر الأخرى واننا قادرون على أن نكون انسانيين مع الطرف الآخر حتى لو لم يبادلنا نفس الموقف.
في المقطع الذي نشره جيسون غرينبلات من هذا الحوار وهو مقطع صغير من حوار طويل أنا كنت ادعو إلى إعادة المحتجزين الاسرائيليين إلى عائلاتهم ووقف الحرب على غزة وهذا هو الموقف الفلسطينين ولا يعيبه إن يصدر من شخص فلسطيني من اي مكان وفي أي زمان. علما ان كيبوتس كفار عزة ليست مستوطنة كما تم ذكرها في حملة البيانات المفبركة انما هي قرية زراعية إسرائيلية داخل الخط الأخضر.
ناشطة السلام فيفيان سيلفر كمثال
وسؤالي الاخر للخصوم السياسين الذين وقفوا وراء هذه الحملة لماذا علي ان اخجل أنا أو أي من اعضاء الكنيست العرب أو من العشرات من الفلسطينيين الذين عرفوا ناشطة السلام الإسرائيلية( فيفيان سيلفر) وشاركوا في جنازتها؟ هذه انسانة كانت تقف كل أسبوع إلى جانبنا في المظاهرات المشتركة ضد الاستيطان في الشيخ جراح وترفع العلم الفلسطيني وترفع يافطات ضد الاستيطان. هي انسانة اسست مجموعة نساء من أجل السلام وتعدادها ٥٠ الف يتظاهرون باستمرار للمطالبة بالسلام وحل الدولتين. وكانت فيفيان تنظم متطوعين اسرائيليين وهي من بينهم لنقل المرضى الفلسطينين من حاجز ايريز إلى مستشفيات القدس يوميا. وكل من يعرف فيفيان كان سيحزن على موتها وسيشارك في جنازتها. في مثل هذه القضايا الإنسانية نحن أحق شعوب الأرض يالتمسك بانسانيتنا والتفاخر بها جهرا وعلنا.
[email protected]
أضف تعليق