بعثت الرشقة الصاروخية التي أطلقتها حركة حماس من قطاع غزة الثلاثاء نحو البلدات الاسرائيلية، الشك في نفوس الإسرائيليين حيال الكثير مما يحدث في الحرب وحيال "الإنجازات" التي يتحدث عنها الجيش الاسرائيلي، وصدقية ما يعلنه عن السيطرة على مناطق في غزة.

وقال الصحافي المختص بالشؤون العسكرية رون بن يشاي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن رشقة الصواريخ الأخيرة تستدعي فحصاً جديداً لقرار جيش الاحتلال الإسرائيلي سحب الفرقة 36 من مخيمات وسط قطاع غزة.

وتابع بأنه "طالما أن مواقع الإطلاق والقيادة والسيطرة هذه موجودة ونشطة، فإن هذا يعني أن السيطرة العملياتية على القطاع وتفكيك البنية التحتية لحماس، التي تمكّن سكان غلاف غزة من العيش بأسلوب حياة آمن نسبيًا، لم تكتمل بعد".

وفي نفس الصحيفة كتب مراسل الشؤون العسكرية والأمنية يوسي يشواع، قائلا إن "الدمج بين إخراج الفرقة 36 من قطاع غزة وإطلاق 25 قذيفة من وسط القطاع لمنطقة الجنوب، رشقة كبيرة نسبياً في هذه المرحلة من الحرب، أثارت انتقادات تجاه قيادات المستوى الأمني والعسكري".


وعبّر رؤساء المستوطنات الإسرائيلية في "غلاف غزة"، الذين التقوا مجلس الحرب (كابينت الحرب) عن انتقادهم الشديد، لعدم علم سكان هذه المستوطنات موعد عودتهم إلى منازلهم، وكيفية خدمة الانتقال للمرحلة الجديدة، لهذا الهدف.

وأشار الكاتب في الوقت نفسه إلى أنه "حتى لو بقيت الفرقة في غزة، فإنه ما زال لدى حركة حماس القدرة على إطلاق القذائف، ولا يمكن لسلسلة بشرية من الجنود منع ذلك، ولكن يمكن تقليصها من خلال عمليات هجومية، في حين أن المشكلة بالنسبة للجيش الإسرائيلي، تكمن في حجمه الحالي، فهو محدود بحجم القوات التي يمكنه تخصيصها لمهمة مكثّفة إلى هذا الحد، فالقوات البرية محدودة من حيث الموارد البشرية".

من جهة أخرى، رأى أنه "تحديدا في هذا الوقت لا بد أن تخلد القوات (التي تم سحبها) للراحة وإعادة شحن طاقاتها".

مقامرة في كازينو مآلها الخسارة
الصحافي الإسرائيلي المتخصص في الأمن القومي رونين بيرغمان، كتب في "يديعوت أحرونوت"، أن الضغط العسكري لا يقود إلى إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين.

وأضاف أنه "في الوقت الذي يتحدث فيه الجيش الإسرائيلي والحكومة عن إنجازات في غزة، هناك ضبابية حيال وضع الإسرائيليين المحتجزين في القطاع". ولفت إلى أنه خلال أكثر من 100 يوم من المعارك "تم تحرير محتجزة واحدة فقط في عملية عسكرية لتخليصها".

ويقصد الكاتب عملية أثارت الشكوك حولها، في بدايات التوغل البري، كما نفت حركة حماس في حينه أنها كانت تحتجز من وصفتها إسرائيل بالأسيرة.

ويرى أن العمليات التي يردد الكثير من العسكريين بأنها ستؤدي إلى إطلاق سراح الأسرى "لا تحقق النتائج المرجوة". ونقل الكاتب الإسرائيلي، عن مسؤول وصفه بالمطّلع جداً على حيثيات الحرب، قوله، إن ما تقوم به حكومة الاحتلال الإسرائيلي، أشبه بما يحدث في عمليات المراهنات والمقامرة في الكازينوهات.

وتابع أن "ما تقوم به إسرائيل هو أنها تخسر مراراً وتكراراً، وبين هذا وذاك تحظى ببعض العملات النقدية. وتواصل تكرار نفس الشيء أملاً بأن الحظ سينقلب في لحظة ما لصالحها، وأنها ستتمكن من تحقيق أهدافها والفوز بالجائزة الكبرى، ولكنها لا تنتبه إلى أنها تخسر كل أموالها ولا تدرك أنه في نهاية المطاف الكازينو دائماً ما يفوز".

وأشار الكاتب إلى أنه "بعد أكثر من 100 يوم، فإن الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات يتحدثون بهمس عن الخشية من مقتل مختطفين، إما على يد حماس أو في ظروف متعلقة بشكل مباشر بالعملية البرية التي كان يُفترض أن تنقذ حياتهم".

وخلص الكاتب إلى أنه "يجب إعادة حساب المسار من جديد. في نهاية المطاف، المختطف الذي يُقتل، لا يهم إن كان قد قُتل في أمور تتعلق بالعملية العسكرية أو انهيار بيت عليه، أو أنه اختنق داخل النفق الذي يوجد فيه، أو قامت حماس بقتله خلال محاولة الجيش الإسرائيلي تخليصه، أو أن جنود الجيش الإسرائيلي شخصوه على نحو خاطئ كمخرب، على الرغم من أنه رفع العلم الأبيض".

واستطرد قائلا إن "من يهمسون (من المسؤولين الإسرائيليين) باتوا يتحدثون لأول مرة عن الحاجة لإعادة الحسابات من جديد، وأنه لا يوجد احتمال حقيقي للفوز بالجائزة الكبرى في آلة الحظ هذه، خاصة أنه في الحقيقة ليس الحديث عن أموال وإنما عن أشخاص يواجهون ظروفاً صعبة وقد يفقدون أيضاً حياتهم".


واتضح برأي الكاتب أن "احتمالات تخليصهم بالقوة ضئيلة جداً"، في ضوء الاستعدادات الكبيرة من قبل حركة حماس، للتصدي لأي محاولة لإنقاذهم.

عائلات المحتجزين الإسرائيليين تخشى مقتلهم
وفي صحيفة "هآرتس"، كرر المحلل العسكري عاموس هرئيل اليوم، أن الهدفين الأساسيين للحرب في قطاع غزة، وهما القضاء على قدرات حركة حماس وخلق ظروف لإعادة المحتجزين الإسرائيليين، يصطدمان ببعضهما البعض.



وأكد الكاتب بدوره أن العمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي لا تقود إلى إطلاق سراح المحتجزين، وأن عائلاتهم تخشى أن تؤدي هذه العمليات إلى موتهم. وأشار إلى أن القلق يزداد على المحتجزين، جراء ظروف احتجازهم الصعبة، كما تبين من أقوال محتجزين سابقين تم إطلاق سراحهم.

ولفت إلى أن وزير الأمن يوآف غالانت، كرر تصريحاته أنه "فقط مواصلة الضغط العسكري على حركة حماس ستقود إلى صفقة جديدة لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، وأنه بدون هجوم الجيش فإن هذا لن يحدث".

وأضاف هارئيل أن جزءاً من كبار المسؤولين في الجيش يشاركون غالانت هذا الموقف ولكن على نحو أقل.

ولفت إلى أن موقف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو "بالقتال حتى النصر"، نابع بالأساس من حسابات سياسية تتعلق ببقائه، كما أن "نتنياهو يدرك أنه على الرغم من الدعم المتزايد بين الإسرائيليين لإبرام صفقة تشمل تنازلات صعبة وكبيرة بالنسبة لإسرائيل، فإن خطوة من هذا النوع قد تؤدي إلى تفكيك حكومته من الداخل لأنها ستقود إلى خروج شركائه من اليمين المتطرف".

وأشار إلى أن "كابينت الحرب" منقسم في هذه القضية، وأن الوزيرين بيني غانتس وغادي آيزنكوت وحتى زعيم حزب شاس أريه درعي، يميلون إلى إبرام صفقة حتى لو كان الثمن وقف الحرب، وأن "هذا الموقف نابع بالأساس من التزام الدولة الأخلاقي تجاه المحتجزين"، بخلاف موقف نتنياهو وغالانت المؤيدين لاستمرار القتال.

وأشار الكاتب إلى أنه على الرغم من وجود "إنجازات" معيّنة للجيش الإسرائيلي في غزة، على حد تعبيره، ولكن حتى الآن، فإن "الجهود المبذولة من أجل العثور على كبار المسؤولين في حركة حماس والمحتجزين لم تؤت ثمارها بعد".

ويخشى الجيش الإسرائيلي و"جهاز الأمن العام" (الشاباك)، وفق هارئيل، أن تؤدي الحسابات السياسية لنتنياهو إلى الإضرار بالإنجازات التي تم تحقيقها حتى الآن.

وكانت القناة "13" الإسرائيلية قد أفادت الليلة الماضية أن رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي هرتسي هليفي، قد حذّر المستوى السياسي من رفض صوغ استراتيجية لما يُسمى "اليوم التالي" للحرب، وأن هذا الأمر قد يؤدي إلى جر الجيش الإسرائيلي لعملية عسكرية أخرى في المناطق التي أنهى القتال فيها. وتطرق تحذيره بالأساس إلى شمال قطاع غزة، حيث أعادت حركة حماس إظهار بعض سلطتها، بعد تقليص قوات الجيش الإسرائيلي، كما قامت عدة مرات بإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل من شمال القطاع.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]