رغم الاعتراضات والدعوات لمعارضة إقرار موازنة الحكومة لعام 2024 كما هي مقترحة، أقرّت الحكومة تقليصات واسعة في البرامج والخطط الاقتصاديّة المخصّصة للمجتمع العربي، بما في ذلك الخطّة الخماسيّة (تَقَدُّمْ)، والّتي أُقرّت سابقًا لتقليص الفجوات، وخطّة مكافحة العنف والجريمة، وغير ذلك.
أقرّت الحكومة إضافة 55 مليار شيكل لميزانية الأمن، ومقابلها، أقرّت تقليص 15% من مجمل خطط التنمية والتطوير في المجتمع العربي، رغم أنّ معدّل التقليصات في الوزارات والمكاتب الحكوميّة الأخرى لم يتعدَّ 5%. تشير التقديرات إلى تقليص نحو 5 مليارات شيكل من ميزانيّات الخطّة الخماسيّة المعدّة لتعزيز التشغيل، التعليم، الرفاه، الصحّة، تطوير البنى التحتيّة وغير ذلك. هذا إضافة إلى التقليصات الأفقيّة بنسبة 5% في ميزانيّات السلطات المحلّيّة العربيّة، والمسّ بهبات الموازنة المخصّصة للسلطات العربيّة، والّتي نتيجتها تصبح قدرة هذه السلطات على تعزيز وتوفير الاحتياجات الماسّة للمجتمع العربي مقيّدة إلى حدٍّ كبير جدًّا.
يُشار إلى محاولات عديدة فاشلة كانت سابقًا لتقليص ميزانيّات الخطّة الخمسيّة، لكن الآن وتحت ذريعة الحرب، أُقرّت هذه التقليصات. كنتيجة مباشرة من هذه الخطوة، هناك ضربة قاسية وخطيرة -على أقلّ تقدير- للمجتمع العربي، حيث تعمّق هذه التقليصات الفجوات الاقتصاديّة والاجتماعيّة الّتي يعانيها عمليًّا هذا المجتمع، وتعزّز التمييز الّذي يعانيه مقارنة بعامّة المواطنين في البلاد.
أيضًا، تتأثّر وتُمسّ خطّة مكافحة العنف والجريمة، حيث سيُقلَّص من ميزانيّتها نحو 15%، هذا التقليص الّذي سيكلّف المجتمع العربي مزيدًا من الأرواح، كما هو واضح من صرخة القيادات العربيّة في توجّهاتها ومناشداتها قبل إقرار الموازنة، وذلك على ضوء المعطيات الصادمة عام 2023، حيث حصدت الجريمة نحو 244 ضحيّة. كما وستُقلَّص خطّة تشغيل الشباب العاطلين عن العمل، وهذا ما قد يفاقم من ظاهرة العنف والجريمة في المجتمع العربي.
لا شكّ أنّ الحديث هنا عن قرارات مصيريّة سيكون لها بالغ الأثر على المرأة العربيّة، والّتي تعاني عادة من الإقصاء والتمييز المزدوج، كونها امرأة من جهة، وعربيّة من جهة أخرى.
على سبيل المثال، وفقًا لما نُشر من معطيات، فإنّه رغم تفعيل الخطّة الخمسيّة جزئيًّا للمجتمع العربي في السنوات الماضية، فقد ساهمت هذه الخطّة في تحقيق قفزة في تشغيل المرأة العربيّة، حيث ارتفعت نسبة تشغيلها من 27.5% عام 2011 إلى ما يقارب 45% في نهاية عام 2023، ولا شكّ أنّ هذه القفزة هي ركيزة هامّة على طريق تقليص الفجوات حتّى داخل المجتمع العربي نفسه، وأيضًا مقارنة بعامّة المواطنين. وهكذا، وبدلًا من المحافظة على "النجاح"، فإنّ التقليصات المرتقبة في ميزانيّات البرامج والخطط المخصّصة للمجتمع العربي قد تُلحق أضرارًا جسيمة بتشغيل النساء، لا سيّما هذه الفترة الّتي يعاني فيها المجتمع العربي عمومًا، والنساء خصوصًا، جرّاء الحرب وتداعياتها على مجال التشغيل.
نقول ما نقوله هنا بالذات إثر الحرب، وحقيقة عرقلتها لما كان من ارتفاع ملموس في نسبة تشغيل النساء العربيّات، وما يتبع من مسٍّ وانتهاك بحقوقهن، خاصّة في مجال التشغيل، ممّا يعني أنّ التقليصات المرتقبة لا شكّ ستؤدّي إلى تراجع في نسبة تشغيلهن، وإلحاق أضرار جسيمة في هذا المجال.
نحن، كشريكات في مشروع "تذويت التفكير الجندري في الخطّة الخمسيّة"، إيتاخ -مَعَكِ – حقوقيّات من أجل العدالة الاجتماعيّة، شتيل ومركز أدفا، نؤمن أنّ الطريق لتقليص الفجوات في المجتمع ككلّ يبدأ من معالجة الفجوات القائمة داخل المجتمع العربي، ولهذا، يجب تعزيز حلول قادرة على الحدّ من عدم المساواة الجندريّة، مثل تخصيص الموارد مع مراعاة الفجوات الجندريّة (ميزانيّة جندريّة)، وصياغة خطط من شأنها تعزيز القوّة الاقتصاديّة لدى النساء داخل المجتمع العربي، والاستثمار في البنى الّتي تساهم في ذلك. هذا بدلًا من إجراء تقليصات واسعة النطاق في الموازنات، والّتي ستكون لها عواقب مدمّرة على المجتمع ككلّ، كما وستعمّق الفجوات وتوسّع دائرة العنف والجريمة حتّى ضدّ النساء.
[email protected]
أضف تعليق