يترقب العالم بأسره، والغزيون بشكل خاص، قرار محكمة العدل الدولية في دعوى دولة جنوب افريقيا ضد إسرائيل، على أمل التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار.
حول مداولات المحكمة، وتوقيت اصدار القرار واسقاطاته وتبعاته، تحدث موقع بكرا مع د. ضرغام سيف، أستاذ القانون الدولي في جامعة القدس، فلسطين.
ما هو تقييمكم لمرافعة كل من دولة جنوب افريقيا واسرائيل، ومن منهم نجح بإقناع القضاة بوجهة نظره، بحسب رأيك؟
المرافعات من قبل المحامين من دولة جنوب افريقيا كانت غاية في المهنية والموضوعية، واقتصرت على المستوى القانوني وتجنب المحامون العواطف ولم يقدموا أية صورة لأي طفل مألوم او بيت مهدوم و عرضوا ادلة تشير الى ركنين اثنين، أولهما ان لإسرائيل كانت النية من خلال التصريحات والأمر الآخر فهو الركن المادي أي أن الاعمال التي نفذها الجيش الإسرائيلي وخاصة من تدمير غزة وضربها بعدة قنابل تزن قرابة 1000 كيلو تشير الى ذلك.
هناك سوابق قضائية بتت فيها محكمة العدل الدولية، مثل البوسنة وكوسفو وميانمار وغيرها، عُرضت فيها ادلة اقل بكثير مما رأيناه في جلسة المحكمة الأخيرة.
وهناك أصدرت المحكمة أوامر بوقف اطلاق الناروقبول الدعوى.
احد الأمور الذكية التي قام بها طاقم المحامين من جنوب افريقيا انه لم يقم بإعطاء أية شرعية لما قام به حماس في السابع من اكتوبر وهي خطوة ذكية جداً، وشددوا على انهم ضد قتل المدنيين.
ركزوا عن ردة الفعل الإسرائيلية، مؤكدين على عدم إعطاء شرعية لتدمير غزة انتقاما على ما قامت به حماس، وانه لا يمكن تبرير أية إبادة جماعية في أي عمل.
من جهة أخرى، فإن الطعون الإسرائيلية ذهبت باتجاه خط استراتيجبي واضح، ان كل شيء مبني على ما حدث في السابع من أكتوبر متجاهلين كل السنوات التي سبقته من احتلال، وكأن النزاع بدأ في ذلك اليوم، وهذا غير صحيح.
مدعين ان إسرائيل تنتقي أهدافها بدقة وتستهدف حماس فقط في حين ان حماس تستغل المدنيين كذروع بشرية.
اعتقد ان قضيتهم صعبة، لأن الواقع في غزة صعب، فغالبية المنازل غير قابلة للسكن، المدارس مدمرة وكذلك المستشفيات والبنية التحتية، هذا الوضع الموجود امام المحكمة.
من جهة ثانية هناك قرابة 24 الف شهيد و7 الاف تحت الأنقاض ناهيك عن ما يقارب 60 الف مصاب أي ما يقارب 100 الف فلسطيني بين قتيل وجريح خلال 100 يوم أي قرابة 1000 قتيل وجريح خلال يوم فهذه الصورة أيضا موجودة امام المحكمة.
إضافة لتجاهل الاحتلال، فقد كان خطابهم موجها لجهة غائبة وهي حماس، فحماس ليست موضوع المحكمة وهذا الضعف لديهم في القضية، وانا على دراية انه لم تكن لهم بدائل ولو كنت مكانهم لفعلت نفس الشيء، التركيز على نقاط القوة، كل ادعاءات الموقف الإسرائيلي كانت متوقعة، ولم تكن مفاجئة.
هم يريدون منع المحكمة النظر في القضية، والقول ان المحكمة تفتقر للصلاحية وتفتقر لمركبات معينة في الاتفاقية وهي استباق الدعوى فيما يسمى محادثات ولقاءات بين طرفي النزاع جنوب افريقيا وإسرائيل، وفقط اذا لم يتوصلا لاتفاق يتوجهان للمحكمة.
وارادوا الدفاع عن النفس وشيطنة حماس والإدعاء بعدم وجود صلاحية للمحكمة وان إسرائيل تستهدف منشآت عسكرية فقط.
وانكروا وجود مجاعة، فهم من يدخل المساعدات قالوا.
متى سيتم الإعلان عن قرار المحكمة وهل يستوجب الحصول على عدد أدنى من الموافقين على أحقية المحكمة للبت في الدعوى، ام بغالبية الأصوات؟
هناك شقان للإجابة على هذا السؤال، في قضية الأوامر المؤقتة التي طلبتها جنوب افريقيا، وعددها ثمانية، سوف تقوم المحكمة في الأيام القريبة بإصدار قرارها، في حالات معينة أُصدرت القرار خلال أسبوع، في حالات أخرى أسبوعين او شهر، في قضية البوسنة مثلا صدر قرار خلال أسبوع.
القرار يكون بغالبية القضاة، 17 قاضيا، القضاة 15 الثابتين، إضافة للقاضيين في المرحلة المؤقتة( قاضيا جنوب افريقيا وإسرائيل)، القرارات يجب ان تصدر على كل طلب من البنود الثمانية في الأوامر المؤقتة وفي الأغلبية، اضافة لبند احقية المحكمة للبت في القضية..
والشق الثاني عبارة عن مرحلة الإثباتات، وهي طويلة.
المطالب المحددة التي قدمتها جنوب افريقيا:
1. الوقف الفوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة وضدها
2. التأكد من أية وحدات مسلحة عسكرية او غير نظامية خاضعة لسيطرة إسرائيل، وكذلك المنظمات والأفراد الخاضعين لسيطرتها، لا تتخذ أية خطوات لتعزيز العمليات العسكرية المذكورة في الطلب الأول.
3. يجب على كل من جنوب افريقيا وإسرائيل، وفقاً لالتزاماتهما بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، اتخاذ جميع التدابير المعقولة في حدود سلطتهما لمنع الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.
4. إسرائيل مطالبة بالكف عن ارتكاب الأفعال المنصوص عليها في المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، بما في ذلك قتل أعضاء الجماعة الفلسطينية، والتسبب في أذى جسدي أو عقلي خطير، وتعمد إلحاق أحوال معيشية تؤدي إلى التدمير الجسدي، وفرض تدابير لمنع الولادات داخل الجماعة.
5. يجب على إسرائيل أن توقف إجراءاتها، بما في ذلك إلغاء الأوامر والقيود والمحظورات ذات الصلة، لمنع الطرد والتهجير القسري والحرمان من الوصول إلى الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية وتدمير حياة الفلسطينيين في غزة.
6. التأكد من أن الجيش الإسرائيلي أو الوحدات المسلحة غير النظامية أو الأفراد المتأثرين به لا يرتكبون الأفعال الموصوفة في المطلبين 4 و 5 ، واتخاذ خطوات نحو العقاب في حالة حدوث مثل هذه الأفعال.
7. يجب على إسرائيل اتخاذ تدابير فعالة لمنع تدمير وضمان الحفاظ على الأدلة المتعلقة بمزاعم ارتكاب أفعال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، وبما يضمن السماح لبعثات تقصي الحقائق والجهات الدولية بالوصول إلى غزة لهذا الغرض.
8. تقديم تقرير إلى المحكمة بجميع الإجراءات المتخذة لتنفيذ الأمر خلال أسبوع من صدوره، وعلى فترات منتظمة حتى صدور القرار النهائي في القضية.
9. يجب على إسرائيل الإمتناع عن أي عمل قد يؤدي الى تفاقم النزاع المعروض على المحكمة او إطالة أمده أو يجعل حله أكثر صعوبة.
هل بالإمكان أن يكون القرار بحتمية حدوث الإبادة الجماعية، لكن لا تصدر المحكمة قرارا بوقف فوري لإطلاق النار؟
في هذه المرحلة ليس من المطلوب من المحكمة ان تقرر ان هناك حتمية بمعنى الإدانة التامة لإسرائيل لارتكاب جريمة إبادة جماعية وانما يكفي ان تحدد ان هناك أساسا منطقيا لادعاء جنوب افريقيا ان هناك عملا قد يؤدي بالفعل الى إبادة جماعية لذلك مستوى الأدلة المطلوب في هذه المرحلة من جنوب افريقيا هو مستوى ادلة متدن، بينما عندما تنتقل المحكمة الى مرحلة الاثباتات كي تقر ان إسرائيل ارتكبت حقاً هذه الجريمة فذلك يتطلب مستوى ادلة عالٍ جدا ، أي مستوى ادلة جنائي.
قضية وقف اطلاق النار هي واحدة من الطلبات الثمانية التي طلبتها دولة جنوب افريقيا، وان أي قبول لأي واحد من الطلبات الثمانية في الامر المؤقت هو انجاز فلسطيني، لأنه عمليا يقول ان المحكمة مستمرة بالنظر بهذه القضية ، وهناك أساس للإدعاءات ان إسرائيل ارتكبت الإبادة الجماعية، وهذا يدل انه ستكون مداولات طويلة ضد إسرائيل في كل هذا الموضوع وسيكون ادلة وشهود وبينات.
اسرائيل تنصلت من قرار سابق للمحكمة فيما يتعلق بالجدار العازل، هل تستطيع فعل ذلك هذه المرة ايضاً وتضرب القرار بعرض الحائط بالرغم من مشاركتها في المحكمة بشكل فعلي؟
يجب التمييز بين قرار محكمة العدل الدولية في سياق الإقرار ان جدار الفصل العنصري غير قانوني وبين هذه القضية، ذلك القرار سمي قرار استفتائي ، فتوى قضائية، غير ملزم، لأن في المحكمة العليا صلاحيتين في الاساس، صلاحية فض النزاعات بين الأطراف لمعاهدات دولية، وصلاحية إعطاء فتاوى قضائية موجهة لها من هيئة الأمم المتحدة او من مجلس الامن، في تلك الحالة، هيئة الأمم وجهت سؤالا لمحكمة العدل وطلبت مشورة قضائية، والسؤال كان ما هو موقفكم من الجدار وبالفعل اقرت ان الجدار منافي للقانون الدولي، وهو قرار غير ملزم، فإسرائيل غير مجبرة بالقرار.
هنا يختلف الموضوع، لأن القرار ملزم لإسرائيل بحكم كونها موقعة على امرين،أولهما موقعة على ميثاق الأمم المتحدة والذي بموجبه هي عضو في الأمم المتحدة، والذي احد بنوده وجود المحكمة العليا وأيضا موقعة على اتفاقية منع الإبادة الجماعية ، لان احد بنود اتفاقية منع الإبادة الجماعية هو الإحتكام لمحكمة العدل الدولية في حالة الإخلال بالإتفاقية، ونحن موجودون هناك، فبما ان إسرائيل موقعة على العقد، الاتفاقية، فيجب ان تكون ملزمة به، فهي مجبرة على الإنصياع له.
في طبيعة الحال، قرار المحكمة سيحول الى مجلس الأمن للتصويت عليه، والتاريخ يشير إلى أن مجلس الأمن صوت دائما مع هكذا قرار، السؤال ماذا سيكون موقف الولايات المتحدة الأمريكية او بريطانيا في حال التصويت ضد القرار، من ناحية القانون الدولي؟ هل هناك اجراءات عقابية معينة؟
بالفعل عندما يصدر قرار من المحكمة يلزم طرفا معينا بالتوقف عن الحرب او فعل معين، ولا تنصاع لقراراته، فعلى مجلس الأمن إلزام هذه الدولة بتطبيق القرار.
نع هناك حق فيتو، ولكن الوضع سيصعب على أمريكا او غيرها استخدامه لأننا نتحدث عن احدى مؤسسات الأمم المتحدة، وهي اعلى هيئة قضائية في العالم وقضاتها من خيرة القضاة في العالم ناهيك الى انه تم تعيينهم من قبل مجلس الامن، فالتصويت ضد القرار سيضعف مصداقية الأمم المتحدة بشكل عام والمحكمة بشكل خاص، ولكن الأمر غير مستبعد.
لا يوجد إجراءات عقوبية، لكن هناك إمكانية اخرى، فعندما يرفض مجلس الأمن فرض إسرائيل قبول الانصياع، او انه فرض عليها القرار ولا زالت اسرائيل ترفض الإنصياع، فهناك صلاحية لنقل الموضوع للهيئة العامة للأمم المتحدة، وبالرغم من قراراتها غير ملزمة، لكن هناك صلاحية مهمة جدا وهي طرد احد أعضائها كعضو في ميثاق الأمم المتحدة من الأمم المتحدة وهذا اجراء لم يحدث ابدا، اي قد نصل لطرد إسرائيل من الأمم المتحدة، وهذا الامر له ابعاد ما بعدها ابعاد.
Photo by Abed Rahim Khatib/Flash90
[email protected]
أضف تعليق