جميع سكّان قطاع غزّة جائعون، أي 2,2 مليون إنسان. تمرّ عليهم أيّام وليالٍ دون أن يتناولوا أيّ طعام تقريباً، بل أصبح من العاديّ إسقاط الوجبات من الحساب. البحث اليائس عن طعام لا يتوقّف للحظة، لكنّه في معظم الأحيان لا يُسفر عن نتيجة، فيبقى السكّان جائعين، بمن فيهم الرضّع والأطفال والنساء الحوامل أو المُرضعات وكبار السنّ.
"أصبحتُ أعاني من سوء التغذية نتيجة لعدم توفر مواد غذائية متنوعة، بما في ذلك الخضروات والفواكه والأجبان والألبان، كما كان في السابق. الأسعار مرتفعة جداً نظراً لشحّ المواد الغذائية في الأسواق؛ ولذلك، نحن نضطر إلى التقليل من عدد الوجبات الغذائية اليومية. فبدلاً من تناول ثلاث وجبات، كما كان في السابق، أصبحنا نكتفي بوجبة واحدة أو اثنتين على الأكثر في اليوم. بالإضافة إلى ذلك، لديّ طفلة (4 سنوات) تعاني من هشاشة العظام وهي بحاجة إلى تناول الحليب بصورة يومية، لكنني لا أستطيع توفيره لها".
وصال أبو عودة (34 عاماً)، أم لابنتين وحامل،
من سكان بيت حانون نزحت من منزلها وموجودة الآن في منطقة خان يونس
الجوع في قطاع غزة ليس من النتائج الجانبيّة الناجمة عن الحرب وإنّما هو نتيجة مباشرة لسياسة معلنة تطبّقها إسرائيل. هذا ما أكدته ورقة موقف جديدة أصدرتها بتسيلم. أصبح السكان اليوم يعتمدون بشكل كّلي على الغذاء المجلوب من خارج قطاع غزّة، لأنّه لم تتبقّ لديهم تقريباً أيّة إمكانيّة لإنتاج الغذاء بشكل ذاتيّ مستقلّ. الغالبية العظمى من الحقول الزراعيّة قد دُمّرت، والخروج إلى الأراضي المفتوحة خلال الحرب خطير على أيّة حال؛ المخابز والمصانع ومخازن الغذاء إمّا قُصفت أو أغلقت لانعدام الموادّ الأساسيّة والوقود والكهرباء؛ المخزون الذي كان في قطاع غزّة - في المنازل والحوانيت والمخازن - قد نفد منذ وقت طول. وجرّاء هذا الوضع انهارت أيضاً شبكات الدّعم العائليّة والاجتماعيّة التي كانت تساعد السكّان في بداية الحرب.
إلّا أنّ إسرائيل تمنع، بشكل متعمّد، إدخال الغذاء إلى قطاع غزّة بالكميّات اللّازمة لتلبية احتياجات السكّان. بدلاً من ذلك، تسمح فقط بإدخال الغذاء بكميّات أقلّ بعشرات الأضعاف من تلك التي كانت تدخل قبل الحرب، كما تفرض في الوقت نفسه قيوداً مختلفة على أنواع البضائع التي تسمح بإدخالها، على طريقة إدخالها وعلى طرق توزيعها في داخل القطاع.
تستطيع إسرائيل، إن أرادت فقط، تغيير هذا الواقع. الصور المنشورة حتى الآن لأطفال يتوسّلون الطعام وطوابير طويلة تنتظر الطعام القليل الذي يتمّ توزيعه في القطاع والسكّان الجائعين وهُم ينقضّون على شاحنات الإغاثة، كلّها تفوق التصوّر. غير أنّ الفظاعة تتفاقم لحظة بعد لحظة وخطر المجاعة ما زال يخيّم على القطاع. ورغم ذلك، ما زالت إسرائيل ترفض تغيير سياستها.
تغيير السياسة ليس واجباً أخلاقيّاً فقط على إسرائيل. إدخال الغذاء إلى قطاع غزّة ليس حسنة يُطلب من إسرائيل أن تمنّ بها وإنّما هو التزام موجِب يفرضه عليها القانون الإنسانيّ الدوليّ: تجويع السكّان كأسلوب من أساليب القتال هو أمرٌ محظور، وعندما لا يجد السكّان المدنيّون ما يحتاجون إليه من أجل البقاء، يُفرض على الأطراف المتحاربة واجب العمل الفعلي لإتاحة مرور الإغاثة الإنسانيّة على وجه السّرعة ودون إعاقة، بما في ذلك الغذاء. هاتان القاعدتان تُعتبران من القواعد العُرفيّة وخرقهما يشكّل جريمة حرب وفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
[email protected]
أضف تعليق