صدر عن دار كنعان للدراسات والنشر في دمشق كتاب جديد بعنوان "بيتٌ لغيمِ النوارس" للشاعر الفلسطيني نمر سعدي وهو نصوص نثرية.. قراءات.. مقالات.. أفكار .. موسيقى نثريَّة هادئة.. أحلام مكتوبة.. وتهويمات حول القصيدة.. صمَّم غلاف الكتاب الأستاذ باسم صباغ، وجاء الكتاب في نحو 100 صفحة وهو بحجم متوسِّط. وهو يبدو امتداداً لايقاعات الشاعر النثريَّة التي بدأها في كتابيه النثريَّين الآخرين "غبار الورد" و "كحل الفراشة".
في الكتاب غيرةٌ على الشِعر الذى أمسى لا يُقرأ مع الأسف، وأصبح يعيش في غربة وجوديَّة.. وطاله التهميش... لكن سيأتي صوتٌ لا محالة يوقظ هذا الشعر من نومه المسرنم، فهجرةُ الشعراء مهرولين إلى الرواية يوحي بأزمة تلقِّي شعري، وهم كمن أصابتهم صدمة واستفاقوا مذعورين.. "بيتٌ لغيمِ النوارس" كتاب صغير، مختزل بصورة رائعة، يتطَّرق إلى عدة جوانب من شعر الروَّاد الذين تركوا بصمتهم الشعرية ويتطرَّق إلى محاولة الشباب في مجال الشعر. هؤلاء الشباب المتحمس الذي يبحث عن صوته متلمساً طريق الإبداع على طريقة الكبار غير أنه يحتاج لصقل أكثر ليواكب شعراء الحداثة سواء شعراء التفعيلة أو شعراء قصيدة النثر الثائرة على العروض والمنطلقة في جو من الحرية الإنزياحية. هذا الكتاب على صغر حجمهِ سيكون بمثابة قاطرة يمشي في سكتِّها الشعراء القادمون، وينسجون قصائد من وحي هذا الكتاب الذي سيشدُّ كل من قرأهُ ويعيد الروح للشعر الذي همَّشته دعاية جابر عصفور حين صرخ صرختهُ وجاء بكتاب "زمن الرواية" لكن مع توالي الأزمان تراجع جابر وكتب كتاب تكت عنوان"في محبة الشعر" وكأنه أراد ان يكفِّر عن خطئه الذي كان سبباً في تهميش الشعر..... يواصل نمر سعدي في "بيت لغيم النوارس" تسليط الضوء على تجارب بعض الشعراء المبدعين، واقتفاءَ خطى قصائدهم السابحة في فضاءات عالية. والنحت شعريَّاً في كتابه الجديد الذي سيغني المكتبات ويعطي شحنة للشعر وأملاً للشعراء للسير على هدى أغاني الشعراء.
"بيتٌ لغيمِ النوارس" أشبه بشرفات نهاريَّة خضراء تطلُّ على عالمِ الشِعر، أو طريق عشبيَّة يضيئها قمرٌ نثري.
وجاء في نص كحل ناصع:
أختارهنَّ بذوق عاشقٍ، كلهنَّ يشبهنَ إنانا إلهة السومريين القدامى المرتبطة بالحب والجمال والجنس والرغبة والخصوبة، أفصِّل على مقاسات أجسادهنَّ قصائد رشيقة.. ضيقة ولكنها تتسعُّ لعناقيدهنَّ الفضيَّة الفجَّة.. كلهنَّ يرقصن في ليالي وحدتي ويثملن من رشفات مجازي.. وقبل الفجر بقليل ينسللنَ كالأشباح الضوئية من أصابع رغبتي ويرحلنَ، أقتفي أثر ناياتهنَّ على الصخر.. أفركُ ذراتِ عطرهنَّ على العشب، في ظلال شجر الأكاليبتوس الذي تتخللَّه شمس الضحى الصيفيَّة، كلَّما أفكِّرُ بقصيدة تبزغُ شمسُ الضحى الفجرية تلك من وراء الأكاليبتوس في سهل أخضر ما، أسمِّيهِ فردوسيَ الضائع.. ترابُ ذلك السهل المحاذي لسفوح الكرمل شبيه بكحل نساء غريبات، كحل ناصع معجونٌ بحنَّاء طفولتي وماء الحُبِّ الأوَّل.
[email protected]
أضف تعليق