في هذه الأيام، خروج (آمن) إلى الطبيعة، أو التواصل معها، كفيلٌ بمنحنا الراحة النفسية، والتخفيف من المشاعر القاسية التي تنتابنا.
بقلم: ريعوت ألون، زاڨيت
في الأيام الأولى من الحرب، لم أستطع أن أغمض عينيّ عن الأخبار، وقد تعلّقت بالبث التلفزيوني، تعلُّق المرساة بالسفينة بحر عاصف، في محاولة لتخفيف الصدمة، فالشعور بالعجز والألم كانا فظيعين. ومع استمرار بث الفظائع، غمرني القلق والخوف، مما جعلني أختبئ تحت البطانية، كأنها جدار يفصلني عن مشاعري. لكن في لحظةٍ ما، وعلى الرغم من المشاعر الصعبة، قبلت اقتراح إحدى صديقاتي للخروج والمسير في الجدول القريب إلى منزلنا، ومشاهدة الطيور المهاجرة. هذه النزهة القصيرة في الطبيعة، أطلقت شيئا ما في داخلي، حيث شعرت فجأة، ولبضع ساعات، بالهدوء الداخلي.
سواء شاهدتها شخصيًا، أو اطلعت عليها فقط من خلال وسائل الإعلام، فقد كانت أحداث السبت الدامي، في 7 تشرين، بالنسبة للكثيرين منا حدثًا صادمًا، بمعنى أنها حالة من الضيق والتهديد شديدا التطرّف، أدت إلى الشعور بعدم الأمان، وفقدان السيطرة، والخوف، الى جانب تدفق واسع من المشاعر مررت به بصورة مكثّفة. انه رد فعل طبيعي، للوضع غير الطبيعي الذي تعرضنا له. وفي خضمّ تلك الصعوبات المهولة، فإن الخروج من المنزل إلى الطبيعة، يمكن أن يسمح لنا بالانفصال والتنفس، وهناك أدلّة علمية على ذلك.
الطبيعة مفيدة للصحة
لقد أُجريَتْ العديد من الدراسات حول الفوائد المتعدّدة للطبيعة على صحتنا الجسدية والنفسية، حتى في الأوقات العادية. ومن بين أمور أخرى، فإن التواجد في أحضان الطبيعة، كالأحراج والشواطئ والمتنزهات، له تأثير جيد على عمل جهاز المناعة لدينا، المسؤول عن التعافي من الأمراض والالتهابات، حتى أنها تؤثر على القلق والاكتئاب. لقد تم اكتشاف الحقيقة بأن تلوث الهواء، والضوضاء، بالإضافة لنمط الحياة المليء بالضغوطات، جميعها تؤدي الى الخَرَف والتدهور العقلي لدى كبار السن، بينما أولئك الذين يعيشون بالقرب من بيئة خضراء هم أقل عرضة لتلك الأخطار.
وقد وجدَتْ دراسات أخرى، أن الأطفال الذين يعيشون ويدرسون بالقرب من المساحات الخضراء، كان تحصيلهم العلمي أفضل من غيرهم، وأن مهام الذاكرة والتركيز كانت أفضل بكثير لدى الطلاب القريبين من الطبيعة، لذا فإن تعريض الأطفال للمساحات الطبيعية، هو أمر مهم لنموّهم البدني والعقلي.
بالإضافة إلى التأثير الإيجابي للبيئة الطبيعية على صحتنا العقلية في الأوقات العادية، فإن الخروج إلى الطبيعة في الأزمات يقوّي حصانتنا النفسية والعقلية، ويساعدنا على تخفيف التوتر. وكما يوضح عميت بن دافيد، وهو أخصائي اجتماعي علاجي، ومعالج بالبيئة، أسّس بالشراكة مع أخصائية العلاج النفسي التكاملي، والمعالجة بالبيئة، أوريا غال، مركز "أدام ديرخ طيفع"، مركز للعلاج النفسي والعاطفي، إذ يقول: "بمجرد أن نكون في بيئة طبيعية، يتباطأ نبضنا، وترتفع مستويات الدوبامين (ناقل عصبي مسؤول عن الأحاسيس مثل الدافع والمتعة)، وينخفض مستوى هورمون الكورتيزول المرتبط بالضغوط". فبينما نكون في أحضان الطبيعة، نكون في حالة مختلفة من الوعي، بحالة تأمّلية، تساهم بدورها في خفض مستوى القلق والتوتر.
انكشفوا على الطبيعة، في الهواء الطلق أو من المنزل
إذن، كيف يمكنكم تسخير التأثير الإيجابي للطبيعة لصالحكم في هذه الأيام؟
باختصار، اخرجوا من المنزل... طبعاً وفقاً لتعليمات السلامة، والالتزام بالبقاء في منطقة تتمكنون من الوصول منها إلى منطقة محمية إذا لزم الأمر.
إحدى التمارين التي يقترح بن دافيد القيام بها في الهواء الطلق هي "التأريض" (Grounding)، والذي يهدف الى "التواصل مجددّاً" مع الأرض. ويوضح قائلا: "المشي حافي القدمين على الأرض يساعدنا على تفريغ الطاقة من الجسم، وفي مفهوم أعمق، فالمشي بدون حذاء يقلل من الألم والقلق والتوتر. امشوا على الشاطئ حفاة، إذا كنتم تعيشون بالقرب من البحر، أو اجلسوا في الحديقة وضعوا أيديكم على الأرض لمدة 5-10 دقائق، مع التنفس العميق أثناء ذلك، إنه تمرين بسيط يساعدنا على الاسترخاء.
إذا كنتم لا تريدون أو لا تستطيعون الخروج، يقترح بن دافيد القيام لبضع دقائق، بتمرين لا يتطلب سوى اللجوء الى نافذة المنزل . ابدأوا بفتح النافذة لتتنفسوا من خلالها هواءً مختلفاً عن الهواء المضغوط الموجود في المنزل، ثم ابحثوا في الخارج عن نبتة أو شجرة أو طائر، بعد ذلك، حاولوا التركيز على المشاهد التي ترونها.. هل ترون مجموعة متنوعة من أنواع الأشجار؟ إذا كان الأمر كذلك، كم عددها؟ ما هي الاختلافات بينهما؟ اجلسوا لمدة 5-10 دقائق أمام النافذة وحاولوا الاستماع إلى الطيور، هل يمكنكم التمييز بين التغريدات المختلفة؟ كونوا فضوليين بشأن ما ترونه واستخدموا حواسكم. إنه شيء يمكن لكل واحد منا القيام به، وهذا التركيز يساعدنا على الاتصال بالحاضر والانفصال عن الضوضاء في الخلفية ".
نشاط آخر اقترحه بن دافيد هو البستنة، سواء كانت عملًا في الأرض في فناء البيت، أو زرع النباتات في أحواض الزراعة. "حاولوا إجراء "تجارب"، مثل زراعة نواة الأفوكادو، أو تنبيت البقوليات، إنها مهمة بسيطة تساعد في جلب البيئة الطبيعية إلى منزلكم."
خيار آخر هو تبنّي حيوان أليف وإدخاله الى منزلك والى قلبك... فقد أظهرت العديد من الدراسات، أن للكلاب تأثير إيجابي على صحة الإنسان، فهي تقلل من التوترات، وحتى تساعد في التغلب على الصدمات. كما الكلاب، أيضًا القطط تساعد في خفض ضغط الدم ومعدل ضربات القلب ، وهناك الآن الكثير من القطط والكلاب، التي تم إنقاذها من الجنوب، يحتاجون إلى مراكز إيواء ومنازل دائمة. فبالإضافة إلى فوائد وجود حيوان أليف في المنزل، فإن الكلاب تشجعنا أيضا على الخروج في نزهات المشي لمسافات قصيرة، كما أن اللعب مع قطة هي فعالية إلهاء ممتعة.
مساحات التنفس
إضافةً لما يمكننا القيام به بأنفسنا ومع أنفسنا، تقوم العديد من الجهات حاليًا بتنظيم أنشطة متعلقة بالطبيعة ومفتوحة لعامة الناس، والتي قد توفر لنا مساحة التنفس التي نحتاجها جميعًا هذه الأيام.
أمثلة على ذلك هي:
أنشطة داخل المنزل:
• دعوة خبير البستنة المشهور في بلدتنا، الى بيتنا، والطلب اليه إرشادنا وتوكيلنا بمهام زراعية، في حديقة البيت، إن تواجدت، أو في قواوير الزراعة، لتزيين البيت بشتّى أنواع الأزهار، أو زراعة البقوليّات المفيدة.
• جلب الطبيعة الى بيتنا، عن طريق اختيار حائط أبيض، والقيام برسم لوحة كبيرة من الطبيعة، يشترك في تصميمها وتنفيذها جميع أفراد العائلة، أو بمساعدة الصور من الانترنت، وعرضها على الحائط بواسطة العارض الضوئي (מקרן)، ونسخها.
• نشرت جمعية "فينطعت عير-عير" على صفحتها على فيسبوك، فعاليات مختلفة يمكن القيام بها هذه الأيام في المنزل، مثل إعداد "فندق" لتلقيح الحشرات، أو صناعة قوّارة للزراعة تسقي نفسها بنفسها.
أنشطة خارجية ممكنة:
تنظيم رحلة في الطبيعة (الى مناطق آمنة)، في نطاق العائلة، أو الأصدقاء، بمرافقة دليل مؤهّل، لزيارة بعض الأماكن التاريخية، والاستمتاع بمناظر خلّابة. وأيضًا نقل وجبة الإفطار، أو الغذاء، من البيت الى المنطقة الحرجية القريبة، والاستمتاع ببعض الطعام، وبعض " الثرثرة الفارغة ".
لا شك اننا نمر بأوقات عصيبة... لكن دورة الطبيعة، كفيلة بأن تذكرنا أنه حتى في أوقات الحزن والألم، لا تزال هناك أشياء جميلة في هذا العالم، وأنه على الرغم من كل شيء، لا تزال الطيور تغرد، والأزهار تتفتّح، ولسوف تضيء الشمس غدنا أيضًا، والأيام الجميلة التي تنتظرنا مستقبلًا.
أعدّت المقال زاڨيت – وكالة الأنباء التابعة للجمعية الاسرائيلية لعلوم البيئة
[email protected]
أضف تعليق