يواصل الجيش الإسرائيلي عدوانه على غزة لليوم الـ33 على التوالي، وقصفه المكثف على القطاع وتدمير المنازل والبيوت على رؤوس ساكنيها وتدمير الطرق والبنية التحتية، في ظل الحصار الكامل المفروض عليه والافتقار لمقومات الحياة الأساسية، ومنع دخول الوقود. ومع استمرار الحرب تزداد التخوّفات لدى مواطني إسرائيل من تأثير هذه الحرب على اقتصاد الدولة.

وفي حديث لموقع بكرا مع د. وائل كريّم، الخبير والمحاضر في الاقتصاد الدولي قال: "الوضع سيئ من البداية ما قبل الحرب، كان الحديث عن تراجع في قيمة الشيكل امام العملات الأجنبية وهذا أدى الى زيادة التضخم المالي، معناه ارتفاع في الأسعار وتراجع في القيمة الاستهلاكية للاقتصاد، الانقلاب القضائي كان له أثر على تهديد بتخفيض التصنيف الائتماني في إسرائيل مما أدى الى هروب استثمارات كثيرة في إسرائيل، وأيضًا تراجع الإنتاج القومي مما اوصله لحدود 2%، نسبة التزايد الطبيعي للناتج القومي للفرد بقي على حاله ان لم يكن تراجع".

محورين

وحول تأثير الحرب على الاقتصاد قال: "الحرب أدّت الى محورين، أولًا، المصاريف العسكرية التي تقدر ب 200 مليار شيكل خلال الفترة المقبلة، إذا ما طالت الحرب لمدة 12 شهر. والمصاريف الأخرى الغير مباشرة من تراجع في الإنتاجية على مستوى الصناعة التقنية من ناحية والصناعات الزراعية من ناحية أخرى حيث أن هناك الكثير من العمال الذين ذهبوا الى الجندية".

وأضاف: "ثانيًا، التراجع الكبير في مقياس الامن والامان في إسرائيل يؤدي الى زيادة في نفور الاستثمار في إسرائيل، وهذا من شأنه زيادة الضغط على القاطرة الأساسية في الاقتصاد الإسرائيلي".

المجتمع العربي يدفع الثمن

وأكمل د. كريّم قائلًا: "المشكلة هي ان هنالك قطاعات في المجتمع وهي التي تدفع الثمن. بداية، المجتمع العربي الذي يعاني الآن من تراجع في أماكن العمل، ان كان البناء والإسكان او مجال السياحة والترفيه، وهي المجالات الأساسية التي يعتمد عليها المجتمع العربي كمصدر رزق، ومن الواضح انه لن تعود السياحة لما كانت عليه في السابق".

وأضاف: "كما انّ الجو المشحون في الشارع اليهودي يؤدي الى تخوّف كبير من العمال العرب للرجوع الى عملهم كالمعتاد، ويمكن ان يكون هناك ادخال لعدد كبير من العمال الاجانب للتعويض على غياب العمال الفلسطينيين، وهذا من شأنه انت يقلل من الإمكانيات التنافسية للمجتمع العربي في هذه المجالات".

سعر الفائدة

وحول نظرية رفع سعر الفائدة ما بعد الحرب قال: "انا لا اعتقد انه سيكون هناك رفع للفائدة بعد الحرب، لان له تداعيات سلبية جدا على مستوى الاستثمار، ومن المهم جدًا في مرحلة الركود ان يكون تشجيع للاستثمار وليس العكس. انا اعتقد أن بنك إسرائيل لن يرفع الفائدة، لانه أثره السلبي على الاقتصاد أكثر بكثير من أثره الإيجابي في موضوع محاربة التضخم. وما زال التضخم الآن بحدود معقولة بعد التراجع الأخير بسعر الدولار، ولذلك الموضوع حتى الآن ليس من المرجح ان يرفع بنك إسرائيل سعر الفائدة في هذه المرحلة".

قروض الحرب

كما وتطرق د. وائل كريّم الى جانب القروض التي تلقتها إسرائيل للحرب وقال: "الدولة تقترض ان كان من البنك الدولي او الاسواق من خلال طرح سندات بنك، ولكن التراجع في التصنيف الائتماني يمكن ان يرفع من نسبة الفائدة التي تضطر الحكومة دفعها، وفي هذه المرحلة ليس امام إسرائيل الكثير من الإمكانيات في هذا المجال، بحيث انها مضطرة أن تدخل الى عجز حكومي سيصل الى 7% في سنة 2023 ، ومرشح ان يصل الى نسب اعلى من ذلك في سنة 2024، مما سيضطر الحكومة الى اخذ قروض لتمويل هذه الفوائد، للأسف اذا لم يكن هناك مساعدات مباشرة وليست قروض سوف تعود إسرائيل الى فترة نسب العجز المرتفعة ومعدلات الفوائد التي تدفعها مرتفعة، بحيث تهلك نفسها على مستوى إدارة الموازنة العادية للدولة".

حرب العالم الحر ضد الارهاب

وأضاف: "وهناك مطالبات واضحة من الحكومة الاسرائيلية للأمريكيين ان يكون هناك مساعدات مباشرة، لأنها تحاول ان تقنع العالم ان الحرب هي ليست حرب إسرائيل، انما حرب العالم الحر ضد الإرهاب والمنظمات الإرهابية".

دولة فلسطينية

وأكمل د. كريّم حديثه قائلًا: "الامل الوحيد أمام إسرائيل بعد الحرب، هو انتاج جو مختلف من إمكانية الحوار المباشر مع الجانب الفلسطيني، وبدء الحديث الفعلي عن إقامة دولة فلسطينية، وهذا من شأنه ان يقلب الطاولة بشكل فيه يقتنع المستثمرون بان إسرائيل ذاهبة الى مرحلة جديدة للحروب المتعاقبة.

وأضاف: "ان لم تفعل ذلك، وبقيت تحتكم باليمين العنصري المتطرف، الذي ما يهمه هو زيادة المستوطنات وقتل الحلم الفلسطيني، إذًا هي تحكم على نفسها بأن تبقى دولة حرب، فيها حروب لا تنتهي ولن تصل مطلقًا الى مرحلة الامن والاستقرار".

التطرف والنزعة الاحتلالية

وحول من يتحمل مسؤولية الأحداث قال: "بالمحصّلة، من يتحمل مسؤولية ما جرى وما يجري الان هو التطرف والنزعة الاحتلالية، التي أوصلت الطرفين الى فقدان الأمل في الحل السلمي، وهذا ما أدى بالتالي الى هذا الجو الذي هو عدو الاقتصاد، وهو انخفاض منسوب الامن والأمان الى أدنى مستوياته منذ عشرات السنوات، ومن ناحية أخرى فقدان الأفق للحل الذي سوف يوصل إسرائيل وفلسطين الى مرحلة جديدة ينتهي فيها الصراع وتبدأ الحياة المشتركة على أساس تكافئي عادل ومستقر".

الفلسطيني في الداخل

وأنهى حديثه قائلًا: "على مستوى المجتمع العربي، نحن ذاهبون الى فترة صعبة، وان الفلسطيني في الداخل سوف يواجه مشاكل كثيرة، ابتداءً من ارتفاع منسوب العنصرية في التعامل مع الاخر، وانتهاءً بالتضييق الممنهج، الذي أدى بالتالي الى تراجع كبير في القوى الاستهلاكية العربية، وكذلك في بناء البنى التحتية الكافية لدمج المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل في مرافق الدولة المختلفة، وفي قطاعات الإنتاج التقني المتطور. علينا الان ان ننتبه الى ضرورة توحيد الطاقات المختلفة، من أجل المطالبة بتغيير هذا الواقع، واستغلال الطاقة الإنتاجية الكامنة في هذا المجتمع من ناحية، ودمج هذا المجتمع في مؤسسات هذه الدولة، كي ينتهي عهد العنصرية الداخلية والشرذمة الاثنية وإنتاج واقع من الحياة المشتركة والتعايش بين الشعبين". 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]