المجتمع العربيّ أوّل المتأثرين من الأزمات. الكثير من أفراد المجتمع العربي يشعرون أن مستقبلهم الاقتصادي والتشغيلي يشوبه عدم اليقين المقلق.
المجموعات التي تقع على هامش المجتمع والاقتصاد يعاني من ارتفاع معدلات الطرد من العمل وتزايد صعوبة العودة إلى سوق العمل حتى في خضم الأزمة.
تقليص النّشاط الاقتصادي والتجاري أدى الى تسريح عدد كبير من العمال إلى عطلة غير مدفوعة الأجر وإغلاق عدد من المصالح نتيجة تقليص الاستهلاك.
ظاهرة الشباب غير المؤطّر، حيث ارتفعت نسبة الشّباب العرب الذي لا يعملون ولا ينتسبون إلى أي إطار تعليميّ أو تأهيليّ، لتصل إلى أبعاد مثيرة للقلق.
نشرت مؤسسة الفنار، ورقة موقف بعنوان آثار الحرب الفوريّة على العاملين من المجتمع العربيّ، وعرضت الباحثة د. نسرين حدّاد حاج يحيى من خلالها مسحًا لحالة المجتمع العربيّ في سوق العمل قبل اندلاع الحرب الأخيرة، والآثار المحتملة المترتّبة عليها.
ويستعرض المسح معطيات حول اندماج المواطنين العرب في سوق العمل في السّنوات الأخيرة، إذ بلغت نسبة النّساء العربيّات العاملات (25-64 عامًا) 44.9% في الربع الثّاني من العام الجاري (2023)، كما ارتفع معدل تشغيل العرب بشكل عام إلى 76.4%.
كما يشير المسح إلى الفجوة بين المجتمعين العربيّ واليهوديّ فيما يخص معدّل الأجور، حيث يبيّن أنه "في الأعوام 2010-2019، ارتفع متوسّط الأجور الشّهريّة للموظفين العرب من 5,885 شيكلًا إلى 8,204 شيكل (زيادة بنسبة 39%)، بينما ارتفع متوسّط الأجور الشهريّة في أوساط الأجيرين اليهود غير المتديّنين المتزمّتين (الحريديم)، من 9,372 شيكلًا إلى 13,191 شيكل (زيادة بنسبة 41%). وبهذا لم تتقلص الفوارق الكبيرة في الأجور، بل أن الفجوة اتسعت قليلًا".
ويتطرّق المسح كذلك لظاهرة الشباب غير المؤطّر، حيث ارتفعت نسبة الشّباب العرب الذي لا يعملون ولا ينتسبون إلى أي إطار تعليميّ أو تأهيليّ، لتصل إلى أبعاد مثيرة للقلق في السّنوات الأخيرة.
ويؤكد المسح الذي بادرت إليه الفنار، وعملت عليه د. نسرين حدّاد حاج يحيى بالتّعاون مع وحدة الأبحاث وتطوير المعرفة في الفنار، على أن المجتمع العربيّ هو أوّل المتضررين من الأزمات، حيث يعاني المواطنين العرب من انعدام الأمن الوظيفي، الأمر الذي يزداد سوءًا خلال الأزمات وبعدها.
كما أن عدم توفّر معطيّات كافيّة حول العمالة والبطالة خلال الأزمة الحاليّة، يجعل مهمة تحليل الأثر وتباعات الحرب على العاملين العرب أكثر تعقيدًا.
ولكن بناءً على تجارب سابقة وتأثّر سوق العمل الإسرائيليّ خلال أزمات ماضيّة، يؤكد المسح أنه "يمكننا أن نتعلّم من الأزمات الماضية أنه على غرار ما يحدث في العالم، فإنّه في إسرائيل أيضًا، تعاني المجموعات التي تقع على هامش المجتمع والاقتصاد من ارتفاع معدلات الطرد من العمل وتزايد صعوبة العودة إلى سوق العمل حتى في خضم الأزمة".
كما جاء في هذا الصّدد: "تجدر الإشارة إلى أن مصدر الأزمة له أهمية وتبعات بالنسبة لطبيعة الضرر- فالأزمة الاقتصادية التي تنشأ عن أزمة صحيّة، مثل جائحة كورونا، ليست كحال الأزمة التي تنشأ من الاضطرابات والصراعات السّياسيّة".
وبناءً على ما ورد أعلاه، يستعرض المسح الضرر اللاحق بالمواطنين العرب في سوق العمل وأثر الأزمة الأخيرة من إجراءات غير قانونيّة كالفصل من العمل والتمييز المباشر. أو إجراءات متعلّقة بتقليص النّشاط وتسريح عدد كبير من العمال إلى عطلة غير مدفوعة الأجر وإغلاق عدد من المصالح نتيجة تقليص الاستهلاك.
ويتابع المسح حول ظاهرة نزع الشّرعيّة عن الموظفين والعاملين العرب وحملات التّشهير ضد مواطنين عرب، حيث تشير التّقديرات إلى أنه "تم منذ بداية الحرب استجواب ما يقارب 100 مواطن عربي في إسرائيل وتم اعتقال 40 منهم بسبب منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، حتى عندما لم يعبروا عن دعمهم لحماس بل تعاطفوا مع معاناة أهالي غزة".
وعليه، بالنسبة للوضع الراهن الناتج عن الحرب، فإن الكثير من أفراد المجتمع العربي يشعرون أن مستقبلهم الاقتصادي والتشغيلي يشوبه عدم اليقين المقلق، وقد تفاقم هذا الوضع أكثر بعد الإعلانات التي نشرت في الأسبوع الاخير في وسائل الإعلام بشأن إقالة أعداد كبيرة من العاملين أو تسريحهم لإجازة غير مدفوعة الأجر.
وينوّه المسح إلى أنّ التّبعات الاقتصاديّة للحرب قد تعيق الخطوات العديدة التي اتخذتها الحكومات في السّنوات الأخيرة، والتي بدأ بعضها بالفعل يؤتي ثماره في مناطق معينة، لدمج المواطنين العرب في سوق العمل والاقتصاد وتقليص الفجوات مع المجتمع اليهودي. وفي مواجهة الحرب وعدم اليقين، أصبح استمرار هذه العمليات الإيجابية موضع شك.
وأكّد مدير عام مؤسسة الفنار حسام أبو بكر أن "هذا المسح يأتي ضمن جهود المؤسسة لتخفيف أزمة التشغيل، خاصة أن الموضوع هو واحد من الأركان الثّلاثّة الرئيسيّة التي تعمل عليها الفنار- تشغيل، اقتصاد، مجتمع".
وتابع أبو بكر: "تحثّ مؤسسة الفنار الوزارات الحكوميّة ذات الصلّة على عدم الانتظار، والتّحرك سريعًا لتخفيف الأثر السّلبيّ للأزمة على سوق العمل، وقد قمنا بعرض توصياتنا في هذا الصّدد من خلال المسح الذي عممناه اليوم باللغات الثّلاثة، العربيّة والعبريّة والإنجليزيّة".
وأضاف: "من أجل مواصلة التوجّهات الإيجابيّة التي أشار إليها المسح، يجب على الحكومة أن تتخذ، دون تأخير، إجراءات حاسمة وقاطعة توفّر إجابات مناسبة للعاملين، مع التركيز على العمال العرب".
كما أكّد أنه "في ظل حالة عدم اليقين الكبيرة بشأن استمرار الحرب وتأثيراتها على الاقتصاد وسوق العمل، لا بدّ من متابعة التّطورات عن كثب. وعليه، ستواصل مؤسسة الفنار متابعتها للتطورات ورصد التجاوزات التي قد تحدث في الحقل، كما سنعمل على صياغة توصيات إضافيّة إذا لزم الأمر. كذلك سنواصل عملنا مع مؤسسات شريكة من أجل حماية حقوق العاملين من التباعات المحتملة الناتجة عن هذه الأزمة".
** الصورة: تصوير العلاقات العامة الفنار.
[email protected]
أضف تعليق