لم تكن نسب النساء اللواتي ترشحن في السلطات المحلية العربية عالية في السنوات الأخيرة، قبل ذلك لم تكن موجودة تقريبًا أصلًا، ولكن مع تقدم السنوات، ارتفعت هذه النسبة شيئًا فشيئًا، إلا أن الصورة في هذا العام، وقبيل نحو شهرين من انتخابات السلطات المحلية، تبدو مختلفة بعض الشيء، فالانتخابات تأتي مع ارتفاع غير مسبوق، ومخيف جدًا، في نسبة العنف والاجرام في المجتمع، الذي وصل الى قتل مرشح واطلاق النار على مرشحين وعلى أملاكهم، وانسحاب مرشحين حتى في بعض البلدات، ورغم أنه لم ترد حتى الآن أي حالة اعتداء على مرشحة، لكن الوضعية الحالية، التي تدفع بعض المرشحين الرجال للانسحاب من الترشح ومن الانتخابات كلها، يبدو أنها تؤثر بشكل كبير على النساء وترشحهن!
في دراسة أجرتها الحركة النسائية "كيان" قبل انتخابات 2018 أن وُجِد أن "الرجال والنساء يتفقون على أن الحملة الانتخابية عنيفة من كل جانب، وهذا يبعد النساء عنها".
تضمنت الدراسة اقتباسات من النساء اللواتي خضن الانتخابات: "يمكن وصف اللعبة السياسية بأنها حرب، ويجب أن يكون الفاعلون فيها ذئابا، وأنا شخصيا لم أعد أريد أن أكون جزءا منها. أعتقد أن العديد من النساء يبتعدن عن السياسة لنفس الأسباب. تترافق الانتخابات مع العديد من المشاكل والمناوشات. في بعض الأحيان وصلت إلى حد حرق سيارة أو توجيه تهديدات بالقتل، وكامرأة أثر ذلك حقا على دعم عائلتي لي، حتى أن الأمر وصل إلى درجة أن ابني اتهمني بالأنانية".
تسونامي
وتحدثت مرشحة أخرى عن تجربتها: "كانت التجربة بالنسبة لي مثل تسونامي، تجربة صعبة للغاية، حتى على المستوى العائلي. أخذني بضع خطوات إلى الوراء. اعتادوا أن يكتبوا على وسائل التواصل الاجتماعي أنه لا يوجد رجال في الأسرة. ولهذا السبب عرضوا امرأة، بالإضافة إلى العديد من العبارات القاسية مثل "من يقبل أن تكون زوجته في مثل هذا المكان، ليس رجلا".
ووجدت الدراسة، نقلا عن ناشطين، أن "الانتخابات، من مرحلة التحضير لها للعمل في السلطة المحلية، تعتبر نظاما أبويا عنيفا على جميع المستويات، يصحبها العديد من التهديدات، استخدام العنف، ولا مبادئ لها. اتفق الجميع على أن هذا النظام غير مناسب للنساء ومن الصعب العثور على نساء على استعداد للعمل ضمن هذا الواقع.
وعلى الرغم من الاتفاق على ضرورة تغيير هذا الواقع العنيف، إلا أن معظم الذين شاركوا في الدراسة أعربوا عن شعورهم بفقدان الأمل والإحباط من إمكانية التغيير. يعتقد البعض أن النساء يجب أن يبتعدن عن هذه الساحة، للحفاظ على أنفسهن. جزء آخر من النساء تظن أن الانشغال بالانتخابات المحلية هو بيئة فاسدة، غير جيدة وذات مستوى منخفض وغير مريحة للنساء، بينما يظن البعض أن التمثيل والتواجد النسائي يرفع من قيمة السلطة نفسها.
وتجد السلطات المحلية العربية نفسها عالقة بين مطرقة الحكومة اليمينية وقراراتها العنصرية، وعلى رأسها تجميد الموازنات والعقاب الجماعي، وسندان الجريمة المنتشر في المجتمع العربي، الذي بات يصل إلى المرشحين، والذي ينذر مع انتشاره بهذه الطريقة من أنه قد يهيمن على الساحة في الانتخابات المقبلة. وحتى الآن، لا يوجد شيء يبشر بالخير أو يدعو إلى التفاؤل.
مستمرة
رغم الصورة القاتمة، فإن هنالك مجموعة من النساء، التي رفضت التراجع أو الوقوف جانبًا بسبب ما يشهده المجتمع من حالة انتشار للإجرام وبسبب العنف القائم أصلًا في الانتخابات، في الطيبة مثلًا، ألمازة جابر، عضوة بلدية حالية، ممثلة عن قائمة الجبهة، وتترشح لدورة أخرى كمرشحة أولى في قائمة الجبهة: "لا أقول بأنه لا توجد تخوفات، مني أو من العائلة حتى، وسمعت كثيرًا عبارات مثل "ما لك ولهذا" ، لكن من البداية تلقيت دعمًا من والدي، الذي كان ناشطًا سياسيًا، وأكملت دون تردد، رغم وجود العنف وتراشق الكلمات الذي يخدش الحياء حتى وسيطرة العائلية، ولكن الاصرار على الاستمرار بالعمل وبالرسالة، بنظري يفوق هذه المعيقات، بل ويتغلب عليها، فمثلًا، في الجلسات الأخيرة سمعت أكثر من مرة ملاحظات من الزملاء أعضاء المجلس الأدبي، أن النقاش صار مؤدبًا أكثر بسببي، حيث تسبب وجود امرأة داخل المجلس البلدي بتجنب تراشق بعض الكلمات، وأقول في ردي دائمًا، تخيلوا لو أن البلدية ترأسها سيدة، كيف سيتم التدقيق بكل الأمور، وعدم التغاضي عن أي شيء، سعيت بأن يكون وجودي كامرأة مؤثرًا، ونموذجًا وليس مجرد ديكور وصورة، والنساء في مجتمعنا لديهن قدرات هائلة، اذا تم استثمارها في السلطات المحلية ستكون النتائج عظيمة".
رغم التخوفات
سلوى حنيف هدهود، من شعب، التي أعلنت ترشحها للعضوية مؤخرًا وهي في الأساس معالجة السمع والنطق، تقول: "أعرف ما هي التحديات وأفهم تخوف الكثير من النساء من خوض الانتخابات لكني أعتقد أن الظروف المعيقة يجب تحديها لا الاستسلام لها، شاركت مؤخرًا في عدة مشاريع وبرامج لتأهيل النساء لدخول السياسة المحلية، وهدفي الأكبر هو خوض الانتخابات الرئاسية، لكني اعتقد أن الصعود يجب أن يكون بشكل تدريجي خصوصًا في بلدة يترشح فيا عدد كبير من الأشخاص، للرئاسة وفي قوائم العضوية".
الانتخابات في بلدة شعب، بالجليل الأعلى، لا تفرق عن الانتخابات في باقي البلدات العربية، شهدت وتشهد أعمال عنف، بشكل نسبي بين مرة وأخرى، مثلًا في عام 2009 قتل شاب في القرية وكانت الخلفية خلافات بسبب الانتخابات، تقول سلوى: "ما أعرفه هو أنني طالما بقيت نظيفة وبعيدة عن أي خلافات، فأنا في أمان، أعرف الى أي منظومة سأدخل، وأعرف كيف سأتعامل، رغم أنه من الصعب أن نضمن تصرفات الآخرين، لكن تجنب المشاكل ممكن في غالب الأحيان. أنا أدخل الى هذا المجال من أجل حقوق الناس، فضمن عملي في البلدات اليهودية أرى الفوارق في الميزانيات وفي الخدمات وأعرف أن متابعتنا الجدية للأمر ستحسن الأنور في بلداتنا، ببساطة، الأمر ممكن".
[email protected]
أضف تعليق