تزداد الهجمه الشرسة على ابن الناصرة، نجم كرة القدم العالمي اللاعب مؤنس دبور، على خلفية مشاركته في المباراة بين فريقه الأهلي الإماراتي ضد الوحدات الأردني في ال-١٥ من هذا الشهر، ضمن دوري أبطال آسيا. وعلى اثر الجدل القائم في النادي الاردني استقال ٥ أعضاء ادارته، ويرفض بعض اللاعبين المشاركة باعتبارهم اللعب ضد دبور نوع من انواع التطبيع مع اسرائيل.
وفي السياق، قال المحلل السياسي محمد دراوشة لـ "بكرا": ما زلنا كأقلية فلسطينية تعيش في اسرائيل نعاني من الجهل المسيطر على عقول الكثيرين في العالم العربي. يلوموننا على اننا بقينا في وطننا في عام النكبة، ولم نختر التهجير لنصبح لاجئين، ورفضنا دعوتهم مغادرة دولة العدو للمشاركة في جهد القضاء على اسرائيل. وعليه اتهمونا على مدار سنوات عديدة بالخيانة والتواطؤ وقبول العيش تحت ظل الكيان الصهيوني.
ومرت السنين ليعرف العرب رويدا رويدا بأن قرار اجدادنا لم يكن خيانه، بل كان صمودا في وجه مشروع ابطال انتمائنا الوطني، ومشروع القضاء على عروبتنا، ومشروع سلخنا عن ابناء جلدتنا وشعبنا الفلسطيني. تمسكنا بهويتنا وقوميتنا، ولم نتنازل عن لغتنا وعاداتنا وثقافتنا الأصلانية. بل وقدمنا الكثير من التضحيات لإفشال هذه المشاريع المغرضة.
ومرت السنين، ومع الوقت قامت الدول العربية بقبول اسرائيل وشرعنت وجودها في الشرق الأوسط من خلال اتفاقيات بدأتها مصر، وتلتها الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، ودول عربية اخرى، وجاءت مبادرة السلام السعودية لتحمل استعداد العالم العربي كله للسلام والتطبيع مع اسرائيل شرط حل القضية الفلسطينية. اي ان الموقف العقلاني بدأ يسيطر على العالم العربي، وهو نفس الموقف الذي لامونا عليه.
لم تتطرق اي من هذه الاتفاقيات لنا، الفلسطينيين المتبقين داخل اسرائيل، ولم تعتبر اننا يجب ان نكون جزء من الحل، بل نفض جميع المفاوضين والدبلوماسيين العرب والفلسطينيين ايديهم منا.
مسؤولية على حاضرنا ومستقبلنا
وعليه، اضطررنا ان نأخذ المسؤولية على حاضرنا ومستقبلنا بأيدينا نحن، وألا نتوقع ان يفاوض احد باسمنا. نعرف اليوم بأن فلسطين عندما تقوم باذن الله، ستكون حدودها شمالاً مفرق الجلمة قرب جنين، ولن تصل قريتي اكسال ولا الناصرة، ولن تشمل ام الفحم ولا الطيبة، ولا راهط، ولا اي من ال-85 بلدة عربية في الداخل. قضي الامر في هذه الاتفاقيات باننا سنبقى مواطنين في اسرائيل بعد الاتفاقات السلمية.
ربما ستكون هذه نقمة علينا، بأننا سنبقى اقلية في دولة ترانا كمواطنين غير شرعيين، تعرف نفسها كدولة اليهود فقط وليس كدولة جميع مواطنيها. وربما تكون هذه نعمة لأننا سنبقى مزروعين في بلداتنا وقرانا التي نعيش فيها منذ مئات السنين، قريباً لمقابرنا التي يرقد فيها اجدادنا، وشجرات الزيتون التي زرعوها، والتركيبة المجتمعية التي احتضنتنا رغم كل المآسي التي واجهتنا.
وعليه تبقى امامنا مسارين نسلكهما، اولهما تحدي احتكار الدولة وتخصيصها لليهود فقط، ومحاولة توسيع تعريفها وقوانينها ونظامها لاضفاء الشرعية على مواطنتنا. هذا يتطلب تغيير جوهري يحاول اليمين الاسرائيلي منعه من خلال تشريعات عنصرية مثل قانون القومية الذي يخلق طبقية وفوقية تخدم اليهود. هذا المسار السياسي صعب وشاق، ولن ننجح في تحقيقه في السنوات المقبلة، ولكن علينا وضعه كتحدي دائم.
في موازاة ذلك، توجه مجتمعنا الى مسار الدمج المتساوي، وخلق تحدي ونديَّة في الحيز الاقتصادي والاجتماعي، وطالبنا بهدم الحواجز امام دخولنا الى الجامعات، والى مجالات العمل النوعية مثل الطب والهايتك والتجارة، ونجحنا ايضا بتنظيم اداءنا السياسي نوعاً ما، وما زلنا بعيدون عن المساواة. يومياً نخلق نجاحات، ويومياً يواجه شبابنا وفتياتنا صراعات مصدرها العنصرية في المجتمع اليهودي.
نحاول جاهدين خلق مساحات للحياة الكريمة وانتاج قصص نجاح نتحدى فيها الافكار النمطية ضدنا في المجتمع اليهودي الذي تعود علينا وأرادنا لنبقى عمال بناء، وخدم في المطاعم، وعمال نظافة. ينجح شبابنا في شق الطرق الصعبة، ويجلبون لنا الفخر بانجازاتهم الفردية التي تتراكم لتصبح انجازات جماعية.
من هنا يصارع البعض للدخول الى عالم كرة القدم، وينجحون بالوصول الى المنتخب الرسمي، الذي يشكل نقطة انطلاق لافضل الدوريات الاوروبية التي لا تقبل لاعبين لم يشاركوا في المنتخبات الرسمية. هذا ثمن يجب علينا احيانا دفعه لنستعمله كرافعة للتقدم على الساحة الدولية، ولا نبقى في هامش المهنة في داخل اسرائيل فقط. هذا ثمن يدفعه الكثير من محاضرينا الجامعيين الذين يشاركون في مؤتمرات دولية كجزء من وفد اسرائيلي، او طلابنا المشاركون في نشاطات عالمية. بدون هذا الغطاء سنبقى محاصرين في الساحة الاسرائيلية الضيقة.
لم يخطىء
مؤنس دبور لم يخطئ في مشاركته في المنتخب، ولم يخن شعبه ودينه وثقافته وقوميته، وفي لحظة الامتحان وعندما تمادت اسرائيل في هجومها على المسجد الاقصى المبارك انسحب من المنتخب، لأن قيمه وانتماءه اكبر من المزاودين.
من هنا اقف اليوم الى جانبه، وارفض الهجمة الرعناء ضده. هذه الهجمه هي ضدنا كلنا، مليونين عربي فلسطيني مواطن دولة اسرائيل. هويتنا وحالتنا مركبة، وعلى العرب ان يفهمونا بدا من ان يحاربونا. علينا الا نقبل الظلم من الجهلة والمزاودين. بقاؤنا في وطننا ليس خيانه، محاولاتنا للتقدم ليس خيانة، رغبتنا بالوصول لانجازات ليس خيانه، رفع مؤنس دبور لراية الاقصى يثبت ان مشاركته في المنتخب الاسرائيلي لكرة القدم ليست خيانه. واقعنا يفرض علينا خلق مساحة للمساواة وتحدي الحيز العام الاسرائيلي، ومن يطلب من البقاء في الهامش، فليبدأ بنفسه.
[email protected]
أضف تعليق