لقَّت والدة الشهيد مجدي عرعراوي نتيجة امتحانات الثانوية العامة لنجلها على ضريحه بمقبرة الشهداء في مخيم جنين، مرددة وهي تحتضن صورته "رفعت راسي يما".

وكانت والدة الشهيد قد توجهت مع قريباتها إلى مقبرة الشهداء لحظة إعلان النتائج، لتخبر نجلها الشهيد بحصوله على معدل (90.4)، في امتحان الثانوية العامة.

ستة من طلبة الثانوية العامة استُشهدوا برصاص الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية العام الدراسي، أُجهضت أحلامهم التي كانوا يأملون تحقيقها، وتركوا ذويهم يعيشون حسرة فقدانهم، قبل أن يرَوا مستقبل أبنائهم الذي كانوا يرسمونه معهم.

الشهيد عرعراوي وحده الذي تمكن من تقديم امتحانات الثانوية العامة، بينما الشهداء: محمد السعدي، ووديع أبو رموز، وأسامة عدوي، ومحمد ماهر تركمان، وأحمد دراغمة، استُشهدوا قبل موعد تقديم الامتحانات.

الشهيد مجدي عرعراوي... 90.4%

تحقق أخيرا حلم مجدي يونس عرعراوي بالتفوق في امتحانات الثانوية العامة، ونال علامة 90.4%، هذه العلامة التي كانت ستجعله قريبا من تحقيق حلمه في أن يصبح مهندسا إلكترونيا، فبدل أن تحضتنه والدته هذا اليوم، تعيش الآن ألم فقدانه بعد استشهاده خلال العدوان الأخير على مدينة جنين ومخيمها في الثالث من الشهر الجاري.

لم يكن العام الدراسي طبيعيا على مجدي، فقد اعتُقل قبل شهرين من استشهاده، وأُفرج عنه بعد انتهاء الامتحانات التجريبية، غير أنه اجتهد كثيرا، وتعاون معه معلموه حتى يعوض ما فاته من المواد الدراسية، وتعهد لوالدته بأن يرفع رأسها ويحقق أعلى النتائج.

تقول والدته التي توجهت منذ صباح اليوم إلى المقبرة لاستقبال المهنئين بنجاح نجلها: إن مجدي كان لديه اهتمام بالإلكترونيات منذ طفولته، فكان دائما ما يُصلح ما يتعطل من أجهزة إلكترونية في المنزل.

أراد مجدي الذي كان يدرس في مدرسة ذكور جنين الصناعية، الدراسة في جامعة خضوري التخصص الذي يحلم به، فلم يرغب في أن يدرس في جامعة بعيدة عن والدته الأرملة التي فقدت زوجها عام 2017، ولديها ابنان أحدهما الشهيد مجدي، وابنتان متزوجتان.

وتضيف والدته: "رغم الظروف التي كانت في المخيم والاقتحامات الإسرائيلية المتكررة خلال هذه الفترة، إلا أن مجدي أصر على الدراسة والتفوق، فكان يعود سعيدا من جميع الامتحانات التي قدمها، باستثناء امتحان مادة علم الصناعة الذي تصادف مع اقتحام كبير لجنين استمر لأكثر من 11 ساعة".

الشهيد دراغمة.. حلم العائلة الذي انقضى

"بدنا إياك مهندس"، لطالما كان حلم عائلة الشهيد أحمد دراغمة (19 عاما) من مدينة طوباس أن يكون لديها مهندس، فشقيقه عبيدة الذي لم يتمكن من تحقيق هذا الحلم، أراد أن يحققه أحمد.

أحب أحمد هذا الحلم، وشيئا فشيئا أخذ يتعلق بهذه الفكرة، فاختار أن يدرس الهندسة الكهربائية عند انتقاله إلى المرحلة الجامعية.

عُرف أحمد، بتفوقه الدراسي منذ الصفوف الأولى، فكان من المتوفقين طيلة سنوات دراسته، وحافظا للقرآن الكريم، غير أن انتكاسة لم تمكنه من النجاح في السنة الأولى من تقديمه لامتحانات الثانوية العامة قبل عامين، وهذا العام، أصر على الدراسة، حتى يحقق شغفه وحلم عائلته.

"المهندس" الذي عُرف بخفة الظل بين إخوته، استُشهد بعد أن كان مع عدد من أصدقائه في رحلة بمدينة جنين، وتصادف وجودهم مع اقتحام جيش الاحتلال للمدينة في الثامن من شهر تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي.

اختبأ أحمد الذي يدرس في مدرسة عقابا الثانوية، خلف مركبة بالمنطقة الصناعية بجنين، ليحتمي بها من كثافة الرصاص الذي كان يطلقه جنود الاحتلال، إلا أن رصاصة قناص أصابته بالرأس ليرتقي على الفور شهيدا.

الشهيد تركمان.. شغف بصيانة المركبات

"منذ سنوات طفولته الأولى، يعشق محمد ماهر تركمان من مخيم جنين، صيانة الحاجيات التي تتعطل في منزلهم، حتى أنه كان يفصل كل قطعة عن الأخرى ويعيد تجميعها"، وفق والدته.

شعر والداه بأنه يملك الموهبة في تلك الأشياء، فعملوا على تعزيز ذلك من خلال تعليمه منذ الصغر صيانة مركبة والده حين تتعطل، فكان ينجح في كثير من الأحيان في صيانتها رغم أنه لم يكن يتجاوز الخمسة عشر عاما.

تعلق محمد الابن لعائلة مكونة من أربعة أبناء، وثلاث بنات، بهذه المهنة وقرر دراسة هندسة الميكانيك، والتحق بمدرسة الشهيد فرحات حشاد الثانوية، وواظب على الدراسة وكان متفوقا في دروسه، ليضع أمامه هدفه وهو أن يصبح مهندسا ميكانيكيا.

غير أن مخططات محمد انتهت يوم إصابته برصاص الاحتلال الإسرائيلي في الرابع من أيلول/ سبتمبر العام الماضي في الأغوار الشمالية، وإعلان استشهاد بعد عدة أيام متأثرا بجروحه الخطيرة، وقد احتُجز جثمانه حتى العشرين من الشهر الماضي، ودُفن تحت شروط غاية في الصعوبة، منها تحديد 25 شخصا لحضور الدفن، في قرية جديدة المكر بأراضي الـ1948 – مسقط رأس والدته- وقد كان شرطا من شروط تسليم الجثمان أن يكون الدفن بأراضي الـ48.

الشهيد السعدي.. تعهد بأن يصبح محامياً

تعهد محمود السعدي من مخيم جنين، لوالديه ليلة استشهاده في العشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي بأن يتفوق بامتحانات الثانوية العامة، ويحقق حلمه بدراسة المحاماة، لعشقه لهذه المهنة، الذي كان يرى أنها ستكون منبرا له للدفاع عن الضعفاء والفقراء.

ويقول والده عبد الجليل: "وعدني بأن يحقق معدلا عاليا في الثانوية العامة، وتحدثنا مطولا عن هذا الموضوع قبل أقل من 12 ساعة على استشهاده، كان واضحا أنه مصمم على التفوق والنجاح".

وفي تمام الثامنة من صباح اليوم التالي، أوصل الابن الوحيد لوالديه من الذكور بين ثلاث شقيقات، اثنتين من شقيقاته في الصفين الثاني والثالث إلى مدرسة البنات الأساسية قرب دوار العودة، وبينما كان في طريقه إلى مدرسته ذكور فرحات حشاد، أصيب بالرصاص الحي في البطن، ليرتقي بعد ساعات متأثرا بجروحه الحرجة.

أمل العائلة الذي كانوا يعوّلون عليه لانتشالهم من الحالة الصعبة التي يعيشونها قُتل وهو يحمل حقيبته المدرسية على بعد أمتار قليلة من مدرسته.

الشهيد عدوي.. كان يود أن يصبح معلماً

انتهى حلم أسامة محمود عدوي من مخيم العروب شمال الخليل، بالسير على خطا والده بأن يصبح معلما للغة العربية، بعد إصابته بالرصاص الحي في البطن خلال مواجهات اندلعت في المخيم في الثاني عشر من تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، نصرة لأهالي مخيم شعفاط الذين كان يفرض جيش الاحتلال الإسرائيلي حصارا عليهم.

ويقول والده المعلم منذ أربعين عاما: "أسامة كان كأي شاب يحب أن يقتدي بوالده، فكثيرا ما كان يشاركني شغفه بأن يصبح معلما، إلا أن رصاصة قناص من جيش الاحتلال سلبته الحلم، وتركت فراغا كبيرا في حياتنا، ودموعي تنزل قسرا كلما افتقدته في البيت الذي كان يضيف إليه الفرحة والبسمة الدائمتَين".

ويضيف: أن نجله الذي لديه خمسة إخوة وأختان، كان يدرس في الفرع الأدبي بمدرسة العروب الثانوية، وكان نَشِطا في الفعاليات الوطنية والشعبية التي يشهدها المخيم بشكل أسبوعي.

الشهيد أبو رموز... كان شغفه أن يصبح ضابط إسعاف

أصر وديع أبو رموز من بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك على أن يصبح ضابط إسعاف بعد أن ينهي الثانوية العامة، وأخذ يخطط مع والده لكيفية تحقيق هذا الحلم.

ويقول والده: إن رغبة وديع الذي كان يدرس في مدرسة رأس العمود في أن يصبح ضابط إسعاف هي الأحداث الميدانية التي تشهدها القدس بشكل خاص والضفة الغربية بشكل عام، فكثرة المواجهات التي تسفر عن وقوع شهداء وجرحى، وجهت أنظاره إلى أن يصبح منقذا لضحايا جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

استُشهد وديع في الـ28 كانون الثاني/يناير العام الجاري، متأثرا بجروح أصيب بها برصاص الاحتلال خلال مواجهات اندلعت في سلوان، واحتُجز جثمانه حتى الحادي والثلاثين من شهر أيار/ مايو الماضي.

تنتظر والدته الحامل في شهرها الخامس قدوم مولودها الجديد التي ستسميه وديع تيمنا بنجلها البكر، الشقيق لثلاثة إخوة آخرين، وأخت واحدة.

وصباح اليوم، أعلنت وزارة التربية والتعليم نتائج الثانوية العامة، وسط أجواء من الفرحة في أرجاء الوطن، ومشاعر مختلطة بالحزن في منازل الطلبة الشهداء الذين حرمهم الاحتلال من إكمال مسيرتهم وتحقيق أحلامهم وأحلام عائلاتهم.
ــــــــــ

إ.ر/ م.ع

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]