قال الباحث في معهد الأمن القومي الإسرائيلي البروفيسور وعميد كلية الحقوق في كلية صفد، محمد وتد، إن:" الائتلاف الحكومي يحاول تصوير مشروع قانون حجة المعقولية، وكأنه تنازل عن كامل التعديلات، التي يريد أن يجريها على السلك القضائي. لكنه على ارض الواقع، يريد إقرار كامل التعديلات، لكن بطريقة تدريجية".

واضاف الخبير الدستوري على ادعاء الحكومة، بأن المحكمة "انتهكت الفصل ما بين السلطات"، فقال:" الفصل التام بين السلطات هو مفهوم سطحي وساذج، وشاهدنا كيف أن هذا الفصل التام، أودى بالعالم إلى حرب عالمية ثانية. مفهوم الفصل بين السلطات في أواسط القرن العشرين، ينص على أنه يجب ألا يكون تاما، لكي ينشأ نظام رقابة متبادلة بين السلطات، الواحدة على الأخرى، على قدم المساواة". مذكّرا أن نظام الحكم النيابي في إسرائيل، يحدّ من استقلالية السلطة التشريعية. وحذّر في الوقت عينه، من أن القوانين، "ستخلق نوعًا من تركيز كل السلطات، بيد سلطة واحدة، لا رقيب ولا حسيب عليها، وبوسعها فعل كل ما تشاء".

لكن محمد وتد استبعد أن يحدث ذلك في نهاية المطاف، وأتى على ذكر السبب قائلا:" سأتحدث الآن بصفتي مختص في العلوم السياسية وليس الحقوق: تصويت أعضاء الكنيست لصالح قانون مُعيّن بالتصويت الأول، لا يعني بالضرورة، أن يصوّتوا لصالحه في التصويتين الحاسمين مُستقبلا. في اعتقادي سيكون هناك أعضاء كنيست من الائتلاف، الذين سيصوّتون ضد مشروع قانون حجة المعقولية، في القراءتين الثانية والثالثة، وبالتالي، لن يكون له أغلبية".

الأبعاد 

وعلل قائلًا:" يعود ذلك لأن للقانون أبعادًا مهمةً جدًا، ليس للفرد، بل للمجتمع، أي للأمن القومي الإسرائيلي، المقدّس لأعضاء الكنيست. فمن شأن هذا القانون، أن يُضعف بشكل ماهي سيادة القانون في إسرائيل، ما سيُعرّض استقلال السلك القضائي لخطر التسييس، أمر سيؤدي حتمًا، إلى فتح محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، تحقيقًا ضد إسرائيل، في كل الادعاءات المقدّمة إليها، على خلفية ما يحدث الأراضي الفلسطينية".

وأضاف:" البُعد الثاني المهم، هو البُعد الاقتصادي. لأن تقييد الحيّز الديمقراطي، يمنح انطباعًا للمُستثمرين الأجانب، صورة مقلقة ومضطربة عن النظام في إسرائيل. والمُستثمرون يفضّلون الاستثمار بسوق مستقرة. ونحن نعلم أن العامود الفقري للاقتصاد الإسرائيلي هو الهاي-تك، وعصب الهاي-تك هي الاستثمارات الخارجية. وبالتالي، فإن هذه التعديلات، ستُوجّه ضربة قاسمة للاقتصاد، البُعد الثاني للأمن القومي الإسرائيلي".

وتابع:" نتنياهو يدرك جيدًا أهمية هذين البُعدين. لذلك أعتقد أنه يتلاعب ويدير الحلبة السياسية، ليُرضي مؤيديه في الائتلاف. ولكن في اللحظة الحاسمة، هو يعلم علم اليقين، أنه يجب عليه أن يوقفهم، ويقودهم إلى العودة إلى الحوار مع المعارضة"، في بيت هنسي- المقر الرسمي لرئيس الدولة الإسرائيلي في القدس.

الخيارات 

ويفيد مراسلنا، بأن رونين بار دافيد، رئيس اتحاد نقابات العمال في إسرائيل، قد خيّر نتنياهو أمس (الثلاثاء)، بين "تفعيل قوة الاتحاد"، وبين إنهاء الفوضى في الشوارع، قائلًا له:" الكرة في ملعبك". ولدى الاتحاد نفوذ هائل، يؤهله بشل وتعطيل عجلة الحياة في إسرائيل. ودفع تهديد سابق لبار دافيد، نتنياهو إلى التراجع عن إقالة وزير أمنه يوآف غَلانت. وأطلقت وسائل الاعلام العبرية على تهديد بار دافيد حينها، "جهاز نهاية العالم". كما تدفع الاحتجاجات، ضباط الاحتياط من وحدات النخبة، عدم الامتثال لتدريباتهم، ما يؤثر سلبًا، على جهوزية قوى الأمن، في وقتٍ حساس، تخوض فيه البلاد "معركة متعددة الجبهات". أو كما تقول الفصائل في غزة "وحدة الساحات".

تَعمّقَ الانقسام السياسي الحاد، الأشد على إسرائيل منذ تأسيسها، بعد أن مرر الائتلاف الحاكم، مشروع قانون "حجة المعقولية"، في القراءة الأولى (التصويت الأول) في الكنيست.

وأحيل مشروع القانون لصياغته في لجنة برلمانية، لكنه لن يُصبح نافذا، إلا بالمصادقة عليها بتصويتين إضافيين: القراءة الثانية والثالثة. و"حجة المعقولية" هي ذريعة استخدمها قضاة في المحكمة العليا في إسرائيل، لإبطال قرارات أصدرتها الحكومة. إلا أن هذه الحجة غير موجودة بنص القانون، بل استُنبطت من روحه. الخلاف الدستوري بين الحكومة والمحكمة، سرعان ما تحوّل إلى سجال سياسي، بين: الائتلاف اليميني والمعارضة اليسارية.

وفيما يُفضّل اليمين أن يتحدد القضاة بنص القانون كما شرّعته الكنيست فقط، ويرى ضرورة بـ "إعادة التوازن بين السلطات الثلاث، بعدما وسّع القضاة صلاحياتهم على حساب صلاحيات السلطتين التشريعية والتنفيذية بخلاف القانون، فإن اليسار يرى ضرورة بالحفاظ على استقلالية السلك القضائي، بدءا من المحكمة العليا والمركزية، وحتى النيابة العامة، مرورًا بالمستشارين القضائيين للوزارات والحكومة، بصفتهم جميعًا، آخر معاقل الرقابة على الحكومة، المُهيمنة على البرلمان، بموجب نظام الحكم البرلماني. ولا يوجد في إسرائيل دستور مكتوب يرسم حدود السلطات والعلاقات بينهما، إنما قوانين أساس عامة.

المصدر: i24

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]