يعتبر دار القنصل الواقع في عقبة التكية شرق سوق خان الزيت، في الحي الإسلامي بالبلدة القديمة في القدس مبنى تاريخي ضخم.
وقد افتتح هذا المعلم التاريخي في 9 تشرين الثاني 2021 بعد إعادة تأهيله بتمويل سخي من الاتحاد الأوروبي وادارة برنامج الموئل للامم المتحدة بتمويل مشترك رئيسي وتنفيذ من قبل حراسة الأراضي المقدسة.
عُرِفَ المبنى باسم دار القنصل على مر السنين نسبة إلى قنصل دولة بروسيا، فردريك روزين، والذي اتخذ من المُجمّع مسكناً له، حينما اشترت دولة بروسيا المُجمّع عام 1856، كما استُخدِمّت الطوابق الأرضية للمبنى كمكاتب سياسية وثقافية للقنصلية. لطالما عُرف المبنى، باسم دار القنصل، بحسب التقليد الشفوي، وقد تناقلته الألسنة عبر السنوات بهذا الاسم حتى بعد انتقال ملكية المبنى إلى البطريركية اللاتينية عام 1886. بحسب الوثائق الهندسية للمبنى التي أعدها المهندس وعالم الآثار الألماني كونراد شيك، يُرجّح إلى أنه قد تم استخدام الطابق الأرضي كإسطبل يعود للعهد العثماني ويخدم كمقر القنصل خلال فترة سكنه في المبنى، كما يظهر ذلك جلياً من خلال الفتحات في زاوية العواميد والتي كانت تُستَخدم لربط الخيول والبغال.
اشتهرت المنطقة المجاورة لدار القنصل، ما بين العهد الصليبي والعثماني، بصناعة الصابون وبمعاصر الزيتون والسمسم، ما جعلها مركز تجاري لجذب الاقتصاد في القدس.
تخلص البحوث المحلية لعلم الآثار إلى أن مبنى دار القنصل أيضاً كان منخرط في صناعة الزيتون،حيث كشفت الحفريات الأثرية عن موجودات قد تكون مرتبطة بصناعة الصابون مثل الأجران الحجرية لحفظ المواد السائلة وقنوات المياه، خاصة أن الطابق الأرضي لدار القنصل يقع على مستوى الشارع مع سوق خان الزيت.
إعادة تأهيل دار القنصل
تحوّل دار القنصل اليوم إلى مبنى تاريخي مجهّز على أحدث طراز بإدخال نكهة حضرية في التصميم والاستخدام، وذلك إثر جهود مشتركة ترأسها الإتحاد الأوروبي بتمويل سخي وتنفيذ برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، وحراسة الأراضي المقدسة، وجامعة القدس في رحلة إعادة تأهيل استغرقت ثمانِ سنوات من أجل إعادة إحياء هذا المكان بتاريخه العريق، على نحو مستجيب لاحتياجات الترميم.
يظهر اليوم المبنى بأبهى حُلّة بعد إشراف أيادي الخبراء المحليين والدوليين، ليَتحوّل إلى تحفة معمارية، حيث نجحت الجهود المشتركة بعد أعمال تدعيم الأساسات والتحسينات البنيوية لتحويله من مجرد أطلال متداعية إلى مركز حضاري مع الحرص على الحفاظ على القيمة التاريخية والأثرية له.
لم تقتصر عملية إعادة تأهيل المبنى على ترميم الطوابق الأرضية للمبنى فقد تجاوز ذلك ليشمل ترميم خمسة طوابق من مُجمّع دار القنصل، مما خدم 40 وحدة سكنية في الطوابق العليا، وعمل على تحسين ظروفهم المعيشية بطبيعة الحال، وقد شملت أعمال الترميم مساحة كليّة تعادل 2400 متر مربع، ضمّت ستة مبانٍ تربط مُجمّع دار القنصل الواقع على ملتقى عقبة التكيّة وشارع خان الزيت.
حَرِص هذا المشروع الحضري على أن يصبح المبنى مناسباً للاستخدام البشري، فقد تم إدخال عناصر ومرافق صديقة للمباني الخضراء إلىتصميم المبنى ليشتمل على أنظمة تشغيل الكترونية ذكية مع أجهزة استشعار حسيّة، وأنظمة آمنة لمكافحة الحرائق وترميم فتحات السقف لإدخال مسار سليم للتهوية. كما تم ادخال لمسات تصميم جمالية على الممرات الرئيسية للمبنى، حيث تم تركيب شرائط إضاءة (LED) على الأدراج والمقاعد، لتشع بإضاءة لافتة للترحيب بالزوار مع التركيز على إبراز الأهميّة المعمارية والأثرية والتاريخية للمكان في ذات الوقت.
إعادة التأهيل من أجل إعادة الإحياء
ضمن مشروع قدسي (2022-2027) الممول من الإتحاد الأوروبي والذي يهدف إلى إعادة إحياء وتشغيل دار القنصل، والذي يتم تنفيذه بإشراف برنامج موئل الأمم المتحدة وبشراكة قيمة مع حراسة الأراضي المقدسة وجامعة القدس، سيتم العمل على إعادة إحياء دار القنصل ضمن رؤية تشغيلية لخدمة المجتمع المحلي وقطاع السياحة في القدس وذلك من خلال العمل على ثلاثة مجالات اختصاصية :
❑ مجال الابتكار التعليمي والمهني (EPIC):
❑ مجال السياحة وتكنولوجيا المعلومات والإعلام (TIMe)
❑ مجال المأكولات و فنون الطهي (CAFÉ)
يقدم مجال الابتكار التعليمي والمهني (EPIC) تدريبات مهنية وورشات اكاديمية لتمكين طلاب وخريجي الجامعات في مسارهم المهني، كما يقدم مجال السياحة وتكنولوجيا المعلومات والإعلام (TIME)، خدمات إنتاج وعرض تجارب متعلقة بالواقع الافتراضي والممتد مصممة ومخصصة لدار القنصل، أما مجال المأكولات و فنون الطهي (CAFÉ) فيركز على تقديم مأكولات مرتبطة بالمطبخ الفلسطيني التقليدي وخدمات تدريبية في مجال فنون الطهي.
الشراكة القيمة
يعتز الإتحاد الأوروبي كممول لمشروع قدسي بشراكته القيمة مع كافة الأطراف التي تعمل على تشغيل دار القنصل وعمل مشاريع شبيهة في البلدة القديمة في القدس، بما ذلك موئل الأمم المتحدة ، وحاضنة الأعمال في جامعة القدس وحراسة الأراضي المقدسة، ويسعى من خلال توحيد هذه الجهود النوعية إلى تشغيل دار القنصل ليكون منارة تاريخية وثقافية للمجتمع المقدسي.
[email protected]
أضف تعليق