كانت عكا واحدة من أكثر البؤر حرارة في أحداث هبة الكرامة في أيار 2021، حيث وقعت مواجهات حادة بين اليهود والعرب، وأسفرت عن إصابات خطيرة وعن اعتقالات عديدة ودمار كبير في الممتلكات، وربما هذا لم يحدث صدفة، فعكا بالذات تشهد بالسنوات الأخيرة حالة من الغليان، هجرة كبيرة وملحوظة من أتباع الصهيونية الدينية إلى المدينة، وفي نفس الوقت تهميش لدور المواطنين ومكانتهم، أجواء جالبة للصدام، حتى لو تأخر.

"الارتفاع في عدد اليهود المتدينين، من الصهيونية الدينية المتطرفة، القادمين إلى عكا، ملحوظ بشكل كبير في السنوات الأخيرة، تحديدًا من وقت دخول شمعون لانكري إلى البلدية وهو الذي أعلن من البداية عن شعار تهويد عكا، شجعوهم وبنوا أكبر يشيفا بالشمال، ثم كانت أحداث يوم الغفران 2008 وبعد ذلك الأحداث الأخيرة عام 2021، ليبدأ ظهور هذه المجموعات ملحوظًا بشكل اكبر" يقول الناشط الاجتماعي وعضو بلدية عكا السابق، أحمد عودة، ويضيف "جزء كبير من هؤلاء جاءوا من المستوطنات، وبعضهم من مستوطنات غزة، وهنالك ممثل عنهم في المجلس البلدي وهو يتبع لحزب الصهيونية الدينية، بالفترة الأخيرة نشاطهم بات أكبر، يتجمعون في مركز المدينة ويحاولون إعادة تهويد هذه المنطقة، منطقة عكا الانتدابية، منطقة شارع بن عامي، التي كانت حتى ما قبل 10-15 عامًا بأغلبية يهودية، ثم تركها اليهود وانتقلوا إلى أطراف المدينة واشترى البيوت فيها سكان عكا العرب، أزواج شابة فضلوا أن يسكنوا في منطقة قريبة من عائلاتهم في عكا القديمة، فصارت الأغلبية الساحقة في هذا الحي من العرب، ومؤخرًا هنالك محاولات لإعادة تهويدها، نشاطات في المكان، تأجير بيوت لمجموعات من الشبان التابعين للصهيونية الدينية، وغير ذلك".

السياحة
عكا تطورت سياحيًا بشكل كبير في الفترة الأخيرة، والسياحة بدأت بالازدهار فيها من جديد، بعد الكورونا وبعد احداث أيار 2021، حتى انها حصلت بداية هذا العام على جائزة Traveller Review Awards, التابعة لموقع Booking.com, كأفضل مدينة تستضيف في إسرائيل، ولكن رغم هذا هنالك تخوف كبير من أن يحل بالمدينة التاريخية هذه ما حل بطبريا، يقول عودة "هنالك تناقض عجيب، من ناحية يستثمرون في المدينة كونها مدينة سياحية ومعترف فيها من اليونسكو ومن ناحية ثانية هذه الجهود لجلب اليهود المتدينين هؤلاء والذين يسعون بوضوح إلى محاولة اغلاق المدينة يوم السبت، انظروا طبريا، كانت مركز سياحي وبعدما صارت تغلق يومي الجمعة والسبت صارت في هذه الأيام تبدو كمدينة الأشباح، وما يحدث في عكا شبيه، في عكا الجديدة اليوم يغلقون كل شيء، وتبقى فقط عكا القديمة مفتوحة ولكن هذا يؤثر على السياحة القادمة إلى المدينة طبعًا.

"هنالك مسار نحذر منه منذ سنوات، يجلبون مجتمع يهودي متدين مع اجندة قومية ضد العرب وفي المقابل يستمر تهميش دور المواطنين العرب بكل نواحي الحياة، والنتيجة، مجتمع عربي مميز ضده وفقير ومجتمع يهودي متطرف، أي، مكان للتطرف والتصعيد والصدامات وليس مكانًا للتصالح. نعم، كل الصدامات التي وقعت في عكا لديها خلفيات اقتصادية، حتى أحداث أيار 21، قيادة هذه المدينة ليس لديها خطة تربح العرب واليهود، كي يخاف الطرفين على البلد، بل على العكس، رغم أن كل الأطراف لا تريد تجدد الصدامات، المواطنين العرب يعرفون مدى الضرر الذي لحق بهم، وكيف تم سجن أولادهم، وكيف حصل الحصار الاقتصادي، والمواطنين اليهود كذلك، ولكن طبعا لا أحد يتوقع أن يتحمل المواطن العربي كل التمييز ضده وأن يتحمل استفزازات المتطرفين وتنظمهم بشكل مخيف في مراكز المدينة ومجاهرتهم بنواياهم لتهويد عكا وفرض الطابع الصهيوني فيها، هذا كله يستفز المواطن العربي بشكل كبير، رغم اليقين الواضح أن عكا بالذات عصية على مشاريع التهويد، وطابعها العربي لا يمكن تغييره".

أزواج شابة عرب
بجانب هذا الارتفاع في نسبة المواطنين اليهود وأتباع الصهيونية بشكل خاص، تستقطب عكا في الأعوام الأخيرة العشرات من الأزواج الشابة من قرى الجليل، الذين يأتون إلى عكا بسبب أزمة الإسكان في قراهم وبلداتهم، إذ يسكن في الأحياء الجديدة، في البنايات، العشرات وربما المئات من الأزواج الشابة، يقول أحمد عودة: "وفي الاحصائيات الرسمية نسبة العرب في عكا تتراوح بين 30-32% وانا أقول أن نسبة العرب تصل إلى 40% وربما بعضهم حتى الآن مسجلين كسكان في بلداتهم، ولكن أتحدث عن عدد كبير من الأزواج الشابة الذين جاءوا إلى عكا لعدة أسباب، منها ما يتعلق بأزمة الإسكان في قراهم، حيث ان معظم القرى العربية لم تتوسع منذ عشرات السنوات، ولا يوجد فيها قسائم بناء مناسبة، وإن وجدت فإن أسعارها مرتفعة جدًا، يعني قطعة الأرض بسعر شقة جديدة في عكا مطلة على البحر، لذلك تفضل الأزواج الشابة القدوم إلى هنا، وأيضا بسبب وجود القطار وسهولة التنقل والوصول إلى حيفا وإلى مدن المركز".

وعن الحلول، يعتقد عودة أن تشكيل قائمة عربية قوية تكون حضنًا سياسيًا ضامنا لطابع المدينة العربي والسياحي، وتعزيز الوجود العربي في احياء عكا الجديدة وإقامة مدرسة ثالثة ورابعة لتثبيت وجودهم، وتشجيع الشباب العرب للسكن في عكا واستيعابهم وانخراطهم في حياه المدينة".

تهميش العرب
"باعتقادي هنالك بعض المبالغة في الأمر، والهدف منها هو اغراء أتباع الصهيونية الدينية بالمجيء إلى عكا، ولكن طبعًا هذا لا يعني التقليل من الظاهرة" يقول الناشط السياسي والاجتماعي أشرف عامر، ويضيف: "ما يحصل في عكا أكبر من أن يتم حصره بما بعد أيار 2021، على مدار سنوات هنالك محاولات لقلب المعادلة الديمغرافية في عكا، الأمر بدأ في سبعينات القرن الماضي، عبر تهميش العرب في كل شيء، بالخدمات والمدارس والأمن والأمان والترتيب والنظافة، كل شيء، ومحاولة بناء حي الشيكونات في الجديدة لنقل عرب عكا إليها عبر الاغراء ببيوت جديدة، ولا يمكن أن أقول أن الأمر لم ينجح في بعض الجوانب، فمثلأ، عكا القديمة تراجع عدد سكانها خلال 20 سنة الأخيرة، منذ عام 2003، من 12 ألفًا إلى 3500، هنالك بعض المناطق أصبحت شبه مهجورة، جهات قامت بشراء بعض البيوت، وبيوت أخرى ألزموا أهلها بالخروج منها بحجة أن البيت آيل للسقوط".
ولكن من جهة أخرى، يرى عامر أن المحاولات لم تنجح وأن التوازن في عكا ما زال كما هو، بل أن نسبة العرب ارتفعت :"هنالك من ترك البلدة القديمة، لكنه سكن في أحياء جديدة، وناهيك عن أهل قرى المنطقة الذين انتقلوا لعكا، بمعنى أنه ورغم المحاولات للتغيير الديمغرافي، ما زالت الأمور في عكا كما هي، ما زال التواجد العربي كما هو، ورغم أن جماعات الصهوينية الدينية رفعت وزادت من نشاطها وتواجدها في السنوات الأخيرة، ولكن في الوقت الحالي لا يمكن أن نقول عكا صارت كبعض مناطق القدس أو كاللد، الآن نحن أمام انتخابات وهنالك جهود لإقامة قائمة عربية مشتركة لكل الجهات، لكنها ما زالت بعيدة، رغم ضرورة الأمر وأهمية أن نكون موحدين في وجه السياسات العنصرية ضدنا".

أحياء باتت فارغة من أهلها
الناشطة الاجتماعية هنادي بياعة، تختلف مع عودة في أن المشكلة هي تحويل عكا إلى مدينة متدينة على غرار طبريا "المشكلة ليست محاولات تحويل عكا لمدينة ذات طابع ديني، فعكا طوال حياتها كانت ذات طابع ديني، من الجانب اليهودي أقصد، وتغلق المحلات فيها، في عكا الجديدة، مساء الجمعة ويوم السبت، هذا ليس بجديد وليس لدينا أي اعتراض عليه، مشكلتنا هي مع النواة التوراتية، الذين يأتون إلى عكا مع أجندة، ويريدون أن يسكنوا حيث يسكن العرب، ولديهم نوايا واضحة تجاه عكا القديمة، هل تعلم أن أحد أحياء عكا القديمة أصبحت أغلب بيوته فارغة ومهجرة، بعدما قامت جهات تابعة للنواة التوراتية وجهات أخرى بشراء هذه البيوت ومن الواضح أن هدفهم الدخول إلى هذه الأحياء في مرحلة معينة، هنالك محاولات مستمرة لشراء البيوت في عكا القديمة، وأنا رغم عتبي على من يبيع منزله إلا أنني لا استطيع القاء اللوم دائمًا على الناس، فالتضييقات هنا لا تطاق، ولا يمكن لعرب أن يشتروا هذه البيوت، فالبنوك لا تعطي قروض الإسكان لبيوت في عكا، وبالتالي فقط من يملك المال يستطيع شراء هذه البيوت، ومن الذي يملك المال في هذه البلاد يا تري؟ اليهود طبعًا".
"منذ سنوات تحاول النواة التوراتية التمركز وتعزيز قوتها في عكا ومؤخرًا بدأت جماعاتها بالتجول في المدينة" تقول بياعة: "قبل عامين كان نادرًا أن نرى شخصًا يتجول في عكا، مع مسدس إلى جانبه، اليوم الأمر موجود، أحيانًا أتجول مع أولادي، في الحي الذي نسكن فيه في مركز المدينة، أرى أشخاصًا من الصهونية الدينية، يتجولون ومسدساتهم على خصورهم، تخيلوا أن مشهدًا كهذا صار مشهدًا مألوفًا يراه أطفالنا كل يوم، تخيلوا أن طفلي يرى رجلًا يحمل مسدسًا ويتجول مع ابنه قرب روضته، أتساءل، هل هذا سيعطيه الشعور بالأمان أم العكس يا ترى؟ اليوم لدى الصهيونية الدينية مراكز وممثلي في المجلس البلدي، من الواضح أننا نسير على خطى اللد، والدولة وجمعيات عديدة تدعمهم وتسهل عليهم الانتقال".

"يبحثون عن السكن في الأماكن الضعيفة والمكتظة، مثل حي فولفسون مثلًا، ويشترون البيوت هناك ويحاولون ترعيب المواطنين العرب، يتدخلون في كل شيء، حتى قبل عامين، كان هنالك مشروع لتفعيل الشباب العرب، ربحت المناقصة فيه الصهيونية الدينية، تخيلوا إلى أي حد يريدون التحدث في حياتنا، من الواضح أن هنالك من يريد أن يحول عكا إلى لد جديدة، وان تكون الصراعات بين اليهود والعرب على وشك الاشتعال في كل لحظة".


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]