طوال فترة الاحتجاجات ضد الإصلاح القضائي خلال الأشهر الماضية، وقف المجتمع العربي الفلسطيني جانبًا، واقتصرت مشاركته على عدد قليل من المحتجين، وبعض القيادات وبعض الخطابات، وهذا الوقوف على الهامش له أسباب عديدة، طُرحت وتم الحديث عنها، وهو لا يتعلق فقط بالمجتمع العربي، لأن بعض منظمي المظاهرات لم يفضلوا مشاركة العرب أيضًا، أو لم يفضلوا بروز مشاركة العرب، أما من ناحية العرب أنفسهم، فأبرز الأسباب العديدة أن المجتمع العربي لم ير نفسه جزء من هذا الاحتجاج ببساطة، لا المطالب ولا الشعارات ولا الأعلام، فتقويض صلاحيات المحكمة العليا مع خطورته، قد يكون آخر ما يمكن أن يؤرق المجتمع الغارق في الجرائم وبمشاكل عديدة أخرى، ناهيك عن المشكلة الأساس، وهي القضية الفلسطينية.
رئيس الحكومة نتنياهو خضع للضغوطات، للاحتجاجات في الشارع التي تصاعدت بشكل هائل في الأيام الأخيرة، للتشويشات في مؤسسات عديدة، للخلل الذي وقع داخل الجيش وحتى للرأي العام العالمي، ووافق على تأجيل هذه التشريعات، وعلى الحوار مع الأطراف الأخرى، ورغم أن معظم الذين يتابعون السياسة الإسرائيلية يعرفون أن ما قام به نتنياهو الآن لا يعني تنازله أو تراجعه، إنما هي طريقة لتهدئة الاحتجاجات حاليًا، وأن نتنياهو بحاجة لهذه التعديلات القضائية من أجل انقاذ نفسه من القضاء، وأن شركاء نتنياهو، في الصهيونية الدينية، بحاجة لهذه التعديلات كي يمارسوا مشاريعهم الاستيطانية بلا ضوابط وحتى شركاء نتنياهو من الحريديم بحاجة إليها. وبالتالي فإن الوصول إلى تسوية يبقى بعيدًا، لكن رغم ذلك، لا بد من النظر إلى هذا التطور أنه خطوة إلى الوراء، خطوة جيدة وتراجع عن التوغل أكثر في الفاشية، وكلما كانت الدولة فاشية أكثر ودينية أكثر كلما كانت أقل ديمقراطية ضد الأقليات والعرب بشكل خاص، هذا بديهي ومفهوم، فما هو موقف المجتمع العربي؟ وهل وبرغم عدم اشتراكه في الاحتجاجات بشكل كاف، يمكنه اعتبار هذه الخطوة انفراج وتحسّن للأوضاع؟ هل العودة إلى الوضع الذي كان قبل شهور هو انفراجة بالنسبة للعرب؟ هل كان الوضع قبل شهور مقبولًا أصلًا؟ هل كان جيدا؟ وما دور الأحزاب العربية وما الذي عليها فعله؟
لا شيء يبشر بتحسن الأمور
"لا أعتقد أن هنالك ما يبشر بأن شيئًا سيتحسن، في حال لم تمرر هذه التعديلات، سنعود إلى الوضع القائم، ورغم كونه أفضل من الوضع الذي أراده اليمين، إلّا أنه ليس وضعًا ورديًا" يقول الباحث أنطوان شلحت، ويضيف: "كل هذا الهجوم من قبل اليمين منذ سنوات على الجهاز القضائي سببه علاقات القوى بين الأحزاب وقضية نتنياهو بالأساس وليس بسبب خلاف بين القضاء والدولة على مواضيع أمنية وسياسية، ففي هذه المواضيع، كل السلطات في إسرائيل متفقة، وهذه المواضيع هي التي قد تهمنا نحن الفلسطينيين أكثر من غيرها، لذلك اعتبر العرب هذه الاحتجاجات هي احتجاجات على قضايا تخص اليهود لوحدهم رغم تأثيرها بالمجمل علينا، وكان الشعور أن عليهم أن يخرجوا الكستناء من النار".
عدم تأثر العرب كثيرًا بالتطورات هو استمرار لعدم مشاركة العرب في المظاهرات، لأنهم لم يجدوا ما يمثلهم في شعارات هذه المظاهرات، يضيف شلحت: "كانت في محاولات في بداية الحراك كن قبل عرب وقبل اسرائيليين يتبنون مواقف يسارية رديكالية أن تكون المعركة متقدمة اكثر من اجل تحقيق ديمقراطية جوهرية، ولكن بقي الأمر في الهوامش، لأن الديمقراطية الجوهرية لا تتحق إذا لم يتم الحديث عن كينونة اسرائيل كدولة محتلة، والذين يتحدثون عن هذا الأمر "كتلة ضد الاحتلال" وغيرهم، هم أقلية، لم يظهر صوتهم كثيرًا وربما تم اسكات بعضهم بحجة أن هذا يخرج الاحتجاجات عن سياقها".
أي انفراج؟
"الانفراج" الذي تتحدث عنه وسائل الاعلام العبرية والاتفاق ما بين اليمين واليسار حول التفاوض وايقاف التغييرات القضائية مؤقتا، ما هو الا تأكيد اننا كأقلية عربية فلسطينية في هذه البلاد لسنا بحساباتهم ابدا" تقول د. رنا زهر كريني، محاضرة، وتضيف: "اليسار لم يرفض شعاراتنا ومواقفنا المبدأية بربط مطلب الديموقراطية بوجوب انهاء الاحتلال وحسب، وانما وافق على انهاء الازمة على حسابنا، نحن المواطنين العرب. "الديموقراطية التي طالب بها اليسار هي ديمقراطية اثنية ضيقة وغير جوهرية. اذ لا تستوي اي ديمقراطية حقيقية مع احتلال ومع قوانين تمييز عنصري كقانون القومية مثلا".
دور الأحزاب العربية؟
دور الأحزاب العربية المتواجدة في الكنيست حتى الآن كان هامشيًا في هذه الاحتجاجات، دعوات خجولة للمشاركة، ومشاركات قليلة لقيادات الأحزاب، وهذا رغم أن الخطاب القائم بين الأحزاب العربية في السنوات الأخيرة، هو خطاب سياسي بحت حول مدى تأثيرنا وما هي حدودنا في الخوض بمسألة التأثير. يقول أنطوان شلحت: " في العامين الأخير، الجدالات بين الأحزاب عادت سياسة، وصرنا نقول أننا نذهب إلى الانتخابات من أجل التأثير السياسي وليس من أجل الحقوق المدنية، مع أهميتها طبعًا، ولكن رغم هذا لم يكن لهذه الأحزاب دورًا في الاحتجاجات الإسرائيلية، وهذه مناسبة كي ينظر المجتمع الفلسطيني في الداخل الى دلالة هذا الحراك في المجتمع الاسرائيلي ويسال نفسه الى أين نمضي في ظل كل هذه التطورات وما الذي يجب علينا فعله؟ ولماذا نذهب إلى الكنيست؟ ما الذي نهدف من تحقيقه وما الخطوات التي علينا القيام بها لجعل مجتمعنا أقوى سياسيًا وأفضل من ناحية اجتماعية، خصوصًا بموضوع العنف والجريمة؟، لماذا دور الأحزاب شبه غائب عن كل هذا؟ على هذه الأحزاب أن تفرمل وتسأل نفسها هذه الأسئلة، ثم عليها أن تعرف أن التأثير السياسي يجب ألا يصرف نظرنا عن الاهتمام بقضايا، باعتقادي على الأحزاب أن تعزز قوتها داخل المجتمع وعلاقتها مع شرائح المجتمع، أكثر من اهتمامها بتعزيز علاقتها مع مؤسسات الدولة، في هذه المرحلة بالذات".
وفق المعلومات التي نُشرت فإن رئيس الدولة سيدعو كل الأحزاب المتواجدة في الكنيست إلى الحوار حول التعديلات القضائية، منصور عباس رئيس القائمة الموحدة صرح انه يرحب بذلك، كذلك أيمن عودة رئيس قائمة الجبهة والعربية للتغيير، ولكنه قال أن حتى المشاركة في هذا الحوار، يجب تحويلها إلى فرصة "يجب ان نشارك ونقول رأينا بوضوح، ما معنى ديمقراطية؟ وأننا ديمقراطية للجميع وليس فقط لليهود، علينا أن نقول أن هذه الحكومة فاشية، ولكننا نرفض أن نعود للحالة القائمة الآن، التي فيها امتيازات لفئة أخرى. الموقف السليم هو انهاء الاحتلال، لا يمكن لدولة أن تكون ديمقراطية وهي تحتل شعب آخر وتميز ضد أهل البلاد الأصليين".
لماذا نعزل انفسنا؟
عودة يعتقد أن الفرصة للوصول إلى صيغة تتفق عليها كل الأطراف بعيدة وبعيدة جدًا "ومع ذلك، لماذا نعزل انفسنا؟ اذا كنا نعزل انفسنا، لماذا نذهب إلى الكنيست في الأساس؟ علينا ألا نذهب إلى المناطق المريحة، بل إلى المناطق الصعبة، حيث يوجد نقاشات، لذلك علينا أن نشارك وأن نقول رأينا وأن نخرج إلى الناس ونقول لهم ما حصل. في الجلسات التي كنا فيها مع رئيس الدولة، عبر هرتسوغ عن رأيه وهو رأي سيء، المركز يسار يريد الحفاظ على ما وضعه الإسرائيليون الأوائل، يظنون أنها كانت دولة ديمقراطية وكل شيء وردي، والأمر ليس كذلك طبعًا، اسأل عن الحكم العسكري، عن كفر قاسم وعن جرائم أخرى عديدة. إسرائيل غير ناضجة ابدا للوصول إلى حالة ديمقراطية، ولكن نحن أعضاء في البرلمان وعلينا قول كلمتنا واتخاذ موقف
وحول إمكانية اتخاذ الاحتجاجات المتواصلة منذ أسابيع كنموذج للمجتمع العربي للاحتجاج: "هذا مؤكد أن علينا أن ننقل مثل هذه الاحتجاجات إلى بلداتنا وحتى إلى مناطق أخرى ونغلق شوارع مركزية، خصوصًا بموضوع العنف والجريمة، ولكننا نعرف من جهة أخرى أن تعامل الشرطة معنا لا يكون كتعاملها مع الطبقة الوسطى الإسرائيلية في تل أبيب، وأن نعرف أيضًا أن ما حسم الأمر وجعل نتنياهو يتراجع، ليس الاحتجاجات فحسب، بل الدولة العميقة، فالدولة العميقة تحركت والمؤسسات قررت الاحتجاج وهذا شكّل وسيلة الضغط المركزية، ونحن لا نملك هذه الامكانية".
الجوانب السيئة والخطيرة
أبرز الجوانب السيئة لهذا التطور الأخير، هو التزام نتنياهو لبن غفير بإقامة ما يسمى الحرس القومي، تقول د. رنا زهر: "الحرس القومي التابع لبن غفير خطوة في غاية الخطورة، والهدف الأول لهذه الميليشيات سيكون البطش بالعرب، قد نرى محاكمات ميدانية دون رادع، واحكام عسكرية باسم حالات الطوارئ ومن الواضح اذا أوفى نتنياهو باتفاقه مع بن غفير وأقام هذا الحرس أن الوضع سيتأزم اكثر مما هو عليه الآن بكثير. وأمر آخر يجب الانتباه له والحذر منه، هو ن تقوم الحكومة بافتعال مشكلة على الحدود الشمالية او في المناطق المحتلة لتوحد شعبها من جديد وتنسيهم قضية التغييرات القضائية. فالدم الفلسطيني لطالما دفع ثمن هذه الوحدة للأسف".
أما أنطوان شلحت فيرى أن هنالك جانب آخر خطير في التطور الأخير: " هنالك رواية متطرفة تقول ان توصل المظاهرات إلى غايتها، ستعيد اسرائيل لارتداء القناع وكأنها دولة ديمقراطية فيها قانون وتمارس كل سياساتها ضد الفلسطينيين وتستمر بالوضع القائم، الذي هو في الحقيقة وضع ابرتهايد، وهنا نطرح السؤال نحن، هل في حال نجح الحراك بتحقيق أهدافه علينا أن نعتبره انجاز لنا؟ أم انجاز لصورة إسرائيل أمام العالم لتستمر بالاحتلال وبكل ممارساتها مع تصفيق عالمي".
واختتم شلحت كلامه باعتقاده أن هذه الأحداث من الواضح أنها بداية نهاية الليكود، أو بداية نهايته بشكله الحالي: " من الواضح أن هنالك خلافات عميقة داخل الحزب وهذه المعركة اكدت الادعاء ان الليكود بعد نتنياهو سيكون بصيغة مختلفة تمامًا، والسؤال، ما هي هذه الصيغة وكيف ستكون؟".
[email protected]
أضف تعليق