ضمن برنامج المنح الدراسيّة في جمعيّة الثقافة العربيّة، وفي إطار البرنامج التثقيفيّ الذي تنسقه الجمعيّة لطلاب منحة روضة بشارة عطا الله وتحديدًا جولات "هذه بلادي"، نُظمت يوم الجمعة، 17 آذار 2023، جولة في مدينة عرابة وسهل البطوف، وذلك بهدف التعرف على ماضي المنطقة العريق، وتاريخ النضال والتصدي لسياسات مصادرة الأراضي في المنطقة، وحاضرها، وشكل سياسات التضييق الحاليّة التي تنتهجها السلطات بحق المواطنين والمزارعين في محيط البطوف.
تأتي جولة "هذه بلادي – يوم الأرض"، ضمن جولاتٍ تنظمها الجمعيّة لطلبة البرنامج تزامنًا مع أحداث سياسيّة مفصليّة في واقعنا الحاليّ، حيث تحل علينا ذكرى يوم الأرض قريبًا في شهر آذار في ظل ظروف قمعيّة غير مسبوقة.
وتسعى الجولات لتمكين المعرفة عند الشباب، وشبكهم\ن مع القضايا الآنيّة، وتوسيع المعرفة حول تاريخ القرى والمدن الفلسطينيّة، وسبل التصدي للبطش المُمارس من قبل السلطات، إثر التضييق على الحيز العام وامتداد السكان الطبيعيّ. يتم ذلك بواسطة قصص الأهالي من خلال أسلوب يعتمد على التلاحم مع الأهالي بصورة مُباشرة، والاكتشاف الذاتي الجماعي وملامسة الأرض.
ربط الماضي والحاضر والمستقبل
تمحورت الجولة في المدينة والسهل حول علاقة الماضي بالحاضر والرؤية حول مُستقبل المنطقة في ظل الواقع الحالي. في الجزء الأول من الجولة وعلى أراضي الملّ التي شهدت أحداثًا تاريخيةً خلال العقود الأخيرة، تحدث المناضل السيد توفيق كناعنة حول تاريخ المنطقة منذ بدء سيطرة العثمانيين على الأراضي حتى يومنا الحاليّ، مرورًا بتجاربٍ قمعيةٍ عايشها سُكان المنطقة كثورة عام 1936 وأحداث يوم الأرض التي ابتدأت من ذات المنطقة. وقدم كناعنة مدخلًا لطلبّة المنحة يساهم في فهم الواقع السياسي الذي عايشته الجماهير في يوم الأرض وبعد ذلك، من خلال الإسهاب حول كيفيّة استغلال القوانين العسكريّة والمدنيّة من أجل تطويع المواطنين والتضييق عليهم في مكان سكناهم. كما حضر الى مكان الحدث وفد من المجلس البلدي في مدينة عرابة شاملًا رئيس المجلس، السيد عمر واكد نصّار، والقائم بأعماله، (مهم ذكر اسمه)، اللذين رحبا بدورهما بالطلبة وباركا مبادرة جمعيّة الثقافة العربيّة وأثنيا على قيامها بالعمل الدؤوب خلال العقدين ونصف الأخيرين. ووسع نصّار الحديث مُتطرقًا الى ذكرياته عن حادثة يوم الأرض وعن الطرق التي ناضل بها الأهالي من أجل إحياء هذه الذكرى التي حاربتها السلطات على مدار سنوات.
بعد ذلك، انطلق الطلبة الى "خيمة القمر" وهي قاعة أفراح تواجه شبح الهدم المُمنهج من قبل السلطات. وكان في استقبال الطلاب السيد مشهور نعامنة، مالك القاعة، الذي تحدث عن الخروقات القانونيّة وتجاهل المواد التي قامت بها السلطات من أجل تنفيذ عمليّة هدم غير مُستحقة. ومن ثم أردف حديثه عن أهمية العمل الأهلي والتلاحم بين الناس من أجل الحد من عمليّة تطبيع هدم أماكن السكن والدخل الاقتصادي التي تعود ملكيتها لمواطن عربي. وعرض نعامنة تجربة خيمة الاعتصام والوقفة الاحتجاجية التي تم تنظيمها من قبل الأهالي في عرابة للضغط من أجل ابطال القرار.
أكملت الجولة طريقها الى نصب الشهداء التذكاري المتواجد في الشارع الرئيسي للمدينة، والذي سُجل عليه كافة أسماء الشهداء الذين سقطوا ظُلما على أيدي القوات الاسرائيليّة وقبلها البريطانيّة في المنطقة. ووقف الحاضرون دقيقة صمت على أرواح الشهداء. كما وُضعت أكاليل الزهور على النصب باسم طُلاب المنحة تخليدًا لتضحياتهم\ن.
انتهى الجزء الأول من الجولة في أراضي سهل البطوف، تحديدًا عند أجزاء مشروع المياه القطري، التي صُممت في هذه المنطقة خصيصًا من أجل التضييق على دخل السكُان وقدرتهم على التطور الزراعيّ. قُدمت مداخلة من قِبل السيد أحمد جربوني أبو صالح، الذي خص جزءً من مسيرته البحثيّة عن البطوف كونه كان أحد المزارعين لسنواتٍ طوال. ومنحت المداخلة معلوماتٍ قيميّة حول سياسات التضييق على الزراعة في سهل البطوف، حيث أشار الى أن البطوف يشهد اليوم أكثر من أي وقت ماضي تضييقاتٍ على المزارعين، حيث يتم منعهم من استخدام زراعة الري المعروف بأنها تزيد من دخل المواطن وتكفي احتياجاته نسبةً للزراعة الورقيّة.
أمسية ثقافيّة
في القسم الثاني من الجولة، استضاف مجلس الشبيبة البلدي بالإضافة الى عشرات المتطوعين والمتطوعات طلبة منحة روضة بشارة عطا الله في مركز محمود درويش الشبابي. هذا بالإضافة الى أنهم ساهموا في تحضير الجزء الأول من برنامج الجولة، وتحضير المستلزمات التي يحتاجها الطلبة في هذه الجولة، وتنظيم اللقاءات والتشبيك مع الأهالي. وتلاحم الضيوف والمُستقبلون بجو من الوئام والود، وعبروا بدورهم عن أهمية هذا التعارف والتشابك بين أشخاص من كافة المناطق الجغرافيّة داخل الخط الأخضر.
وفي ختام هذا اليوم نظم المُستضيفون للطلبة أمسية فنية ثقافيّة، تخللتها كلمات ترحيبيّة من قبل رئيس مجلس الشبيبة، محمد بدارنة، الذي أشار في كلمته إلى أن هذا التعاون والشراكة بين الجسمين هي بمثابة عمل طبيعي بين المؤسسات الفاعلة في تطوير التعليم الأكاديمي والمشهد الثقافي العام بالمجتمع العربيّ وخصوصًا في ظل القمع الذي يتعرض له الفلسطينيّ. كما شملت فقرة فنيّة غنائية نُظمت بواسطة الشبيبة للطلبة.
وعقبت مُنسقة المنحة لورين كنعان على هذا اليوم فقالت: "إن المعرفة التي سُخرت للطلبة اليوم هي أمر لا يمكن أن تمنحه الأكاديميا بشكلها الحالي، والتي أطلق عليها "معرفة الأهل". هذا النوع من المعرفة لا يتم تعليمه للطالب في المنظومة الحاليّة، خروج الباحث عن المعرفة الى الحقل لمعرفة الناس من خلال الناس أنفسهم وليس من خلال أطر نظريّة واسعة. إن الاحتكاك المُباشر مع الناس خصوصًا مجتمعاتنا المحليّة لا يتم منحه شرعيّة من قبل الأكاديميا لكونها مُقيدة بقوانينها، ونحن نرى في الجمعيّة أن هذه المعرفة لا تقل أهمية عن المعرفة النظريّة. إن الهدف من حضورنا الى هُنا اليوم هو ليس الكشف عن تاريخ وحاضر بلادنا فقط، بل هو أيضًا الطموح إلى منح جيلنا سُبلًا معرفيّة تتحدى تقييدات هندسة المعرفة التي تُمارس بحقنا في المؤسسات الأكاديميّة".
جدير بالذكر أن منحة روضة بشارة عطا الله انطلقت في عام 2007 بدعم من صندوق الجليل – لندن، حيث تعمل بالإضافة الى الدعم المادي للطالب على تنمية جيل شبابيٍ قياديٍ جديد، حامل لهموم مجتمعه، قادرٍ على خلق مُبادرات مُجتمعيّة يحتاجها لإحداث التغيير الذي يطمح إليه بين أوساط الشباب والشابات من الجيل القادم. ويتلقى الحاصل/ة على المنحة على مدار ثلاث سنوات أكاديميّة برنامجًا مبنيًا على أسس العدالة والثقافة المجتمعيّة يتم فيه تطوير قدراته الفرديّة من أجل البناء الذاتي، وتعميق الرغبة في العطاء المجتمعي من خلال التطوع والمُبادرة في مجالاتٍ مُختلفةٍ تُلائم اهتمامات الطالب/ة واحتياجاته/ا. وخلال البرنامج يرافق مُنسقو المنحة الطُلاب، مرافقة شخصيّة، مهنيّة، تتلاءم مع ظروفه الحياتيّة وخياراته، مما يحيطهم/ن ببيئة حاضنة وداعمة تُخفف شعور الطالب/ة العربيّ/ة بالغربة في المؤسسات الأكاديميّة وعلى حد سواء يُساهم في تميّزهم/ن في داخل الأكاديمية وخارجها، وذلك بفضل البرنامج التثقيفيّ التي تُوفره الجمعيّة.
[email protected]
أضف تعليق