"إنّه الجحيم هنا. يبدو الأمر كما لو أنّنا نعيش في الوقت بدل الضائع. دون استقرار، ودون ملاذٍ آمن. كيف يُفترض بي كأمٍّ أن أشعر عندما يرى أطفالي عمليّات الهدم بأمِّ أعينهم؟ ولا أقول مرّة، ولا مرّتين أو ثلاثة، بل مرّات ومرّات. وتكرار ذلك لا يجعله أمرًا طبيعيًّا مستساغًا في حياتنا، فكلّ هدمٍ لبيت يهدم في داخلنا شيئًا، ويصيبنا بألمٍ عظيم لا يمكن وصفه. حينما يحضر الجيش لتنفيذ أوامر الهدم، يقف الأطفال هناك ويرقبون [...] ليته كان بإمكاني أن أمنع عنهم مثل هذه المشاهد، لا يمكنني ذلك، فهذه المشاهد تتكرّر مرّة تلو الأخرى، في كلّ حين وعند كلّ مكان" (سعاد، اسم مستعار)

هنالك تداعيات وخيمة وبعيدة المدى للترحيل الذي يتهدّد كافة الفلسطينيين سكان منطقة مسافر يطا جنوبي الخليل تداعيات وخيمة وبعيدة المدى، تحديدًا على حياة النساء والأطفال، وذلك وفقًا لورقة الموقف الأولى من نوعها، التي أصدرتها مؤخرًا جمعية "إيتاخ – معكِ: حقوقيّات من أجل العدالة الاجتماعية" ومركز الطفولة، وأعدّتها المحامية ريهام نصرة.
ورقة الموقف التي وقّعت عليها 39 منظمة نسائية وحقوقية في إسرائيل، كُتبت بالاستناد إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325 - النساء، السلام والأمن، والداعي إلى حماية النساء وضرورة المشاركة النسائيّة الفاعلة والمتكافئة في صنع القرارات، بما فيها تلك المتعلّقة بالأمن والسلام.

في عام 2022 وصلت جهود سكان مسافر يطّا، الذين تم الإعلان عن أراضيهم ومساكنهم منطقة إطلاق نار عسكرية 918، إلى طريقٍ مسدودٍ في أروقة المحاكم الاسرائيلية، وذلك عندما خلُصَت محكمة العدل العليا الإسرائيلية إلى تشريع الترحيل، ضاربةً بعرض الحائط القوانين والمواثيق الدولية والادعاء الذي يقول بأن هذا الترحيل يُخالف اتفاقيّة جنيف الرابعة، وبأن نقل السكّان الآمنين من أرض محتلّة يشكّل جريمة حرب.

ورقة الموقف الموضوعة بين أيديكم تجلب أصوات 12 امرأة من قرى مسافر يطا، التقتها ودوّنت شهاداتها المحامية ريهام نصرة. في الشهادات، تصف النساء حالة انعدام الأمن في حياتهنّ في ظل تهديد التهجير وهدم المنازل، والتدريبات العسكرية التي يتخللها إطلاق نيران حية والتي تجري بانتظام في محيط منازلهنّ. كما تتناول الورقة تجارب فريدة وأزمات مركزية تعاني منها النساء. فتحدّثت النساء عن انتهاكات جسيمة لحقوقهنّ الأساسية – بدءًا من منع وصول الماء وأثر ذلك على العديد من النواحي مثل النظافة والصحة الشخصية، مرورًا بنقاط التفتيش والتدريبات العسكرية، تدمير الشوارع والطرق التي تربط المنطقة بمحيطها، هدم المنازل والمدارس، منع الرعي والمساس بقدرة السكان على العيش بكرامة وخسارة المرأة لدورها في إعالة عائلتها. هذا بالإضافة إلى انعدام الخدمات الصحية والاجتماعية والنفسيّة والمضايقات المستمرة والملاحقات من المستوطنين والجيش الاسرائيلي. كما تطرّقت الشهادات إلى الإحساس بفقدان الخصوصية على إثر المراقبة المستمرة من المستوطنين والجيش الإسرائيلي، وأثر الوضع الراهن على صحة النساء النفسيّة والبدنية. كل ذلك وأكثر يأتي بتبعات أقسى على النساء والفتيات ويمسّ بقدرتهنّ على العيش والتنقل، وبحقّهنّ بالتعليم، والعمل والتمكين، ويصل حتى الى انعدام الأمل لديهنّ وفقدانهنّ القدرة على الحلم.

وطالما أن النساء مستبعدات من المشاركة في "طاولة صنع القرارات" المتعلقة بإدارة الصراع أو إنهائه فإن تجاربهن ستبقى مُغيّبة ولن يُلقى لها بال. وهنا تأتي أهمية قرار 1325 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والذي يُلزِم إسرائيل بتوفير الحماية للنساء الفلسطينيات في مسافر يطّا، من خلال تذويت ودمج وجهة النظر الجندرية في القرارات المتعلقة بالسلام والأمن. وتأتي ورقة الموقف هذه لتسلّط الضوء على تجارب الحياة المختلفة والمميزة لتلك النساء والتي من شأنها أن تساهم في حل ومنع النزاع
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]