إعداد: بدر أبو نجم/ جامعة بيرزيت – برنامج العلاقات الدولية – كلية الدراسات العليا
مقدمة
ما زالت التداعيات الاقتصادية إثر جائحة كورونا تعصف بالاقتصاد العالمي إلى يومنا الحاضر. لم يكن العالم يعرف قبل نهاية العام 2019 ما أصبح يُعرف بإلزامية ارتداء الكمامة، أو الاغلاقات العامة، والتباعد الاجتماعي؛ لكنها اليوم أصبحت جزءا من حياتنا.
أدى "ظهور كوفيد 19 في مدينة ووهان الصينية" إلى ظهور أزمة اقتصادية عالمية وركود شديد في الاقتصاد، مست أغلب القطاعات حيث أدت إلى انهيار البورصات العالمية، وتسجيل الخسائر المالية بمليارات الدولارات في العالم.
ليست هذه الصدمة الأولى التي يتلقاها الاقتصاد العالمي، فهناك أزمة العام 2008، ومن قبلها الكساد العالمي عام 1928، والصدمات النفطية في السبعينيات، وتسونامي تايلاند وزلزال اليابان عام 2011 وغيرها، لكن تلك الأزمات تم السيطرة عليها وكانت في بقع جغرافية محددة. إن جائحة كورونا أثبتت أنها غير قابلة للسيطرة، فالفيروس انتشر في كل دول العالم تقريباً وترك صدمة اقتصادية لا زالت ارهاصاتها تتجلى إلى وقتنا الحاضر.
انتشار وباء كوفيد 19 بشكلٍ سريعٍ جداً شل المراكز الاقتصادية العالمية، وامتدت اثاره السلبية إلى الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعتبر أكبر قوة اقتصادية في العالم. "شهد الاقتصاد الأمريكي أسوأ تراجع منذ عام 2008، وانحدر أكبر اقتصاد في العالم بمعدل سنوي قدره 4.8 في المئة ، وفقا للأرقام الرسمية الصادرة".
ومنذ بداية الجائحة "بلغت نسبة البطالة في الولايات المتحدة إلى 20 بالمئة في أبريل عام 2020 وهي أعلى نسبة منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. بلغ عدد الأمريكيين الذين فقدوا عملهم وطلبوا إعانات بطالة من الحكومة في مارس من العام نفسه 22 مليون شخص، بحسب وزارة العمل".
مما سبق؛ تحاول الدراسة الإجابة عن السؤال المركزي وهو: ما واقع الاقتصاد الأمريكي على إثر ظهور جائحة كورونا أواخر العام 2019 حتى وقتنا الراهن؟
تسعى هذه الدراسة إلى التحقق من فرضية أساسية مفادها: أن الاقتصاد الأمريكي تضرر بشكل غير متوقع نتيجة جائحة فيروس كورونا التي سببت صدمة كبيرة للعالم على إثر ما خلفته إلى وقتنا الحاضر من خسائر اقتصادية فادحة في كافة القطاعات الأمريكية المختلفة والذي يعتبر من أكبر وأقوى اقتصادات العالم.
الفصل الأول
أثر جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي
المحور الأول: هبوط النشاط الاقتصادي (2020)
بدأت حكومات دول العالم بفرض حجرٍ صحي على مواطنيها لكبح جماح انتشار وباء كورونا، والنأي بالنفس من خلال فرض الاغلاقات الجوية والبرية والبحيرة. أدت هذه القيود والاجراءات التي اتبعتها دول العالم إلى تأثر النمو الاقتصادي بشكل كبيرٍ في دول العالم. حيث "شهدت موجة الركود الاقتصادي الناجمة عن كوفيد 19 أسرع وأكبر تخفيضات لمتوسط تنبؤات المحللين للنمو بين كل موجات الركود العالمية منذ 1990 كما في الرسم البياني أدناه"
المحور الثاني: التحويلات المالية وأعداد المهاجرين والمغتربين
إن الأموال التي يرسلها المغتربون والمهاجرون في دول العالم من خلال التحويلات المالية التي تُرسل إلى بلدانهم أثبتت أهميتها في نخفيف الفقر والبطالة وتعزيز النمو الاقتصادي في بلدان هؤلاء المهاجرين والمغتربين. أصبحت هذه التحويلات المالية تضاهي بعد ثبوت نجاعتها في النمو الاستثمارات المختلفة.
أدت جائحة كورونا إلى انتكاسة كبيرة، حيث "انخفضت التحويلات المالية بنسبة 14% نهاية عام 2021. أدى ظهور فيروس كورونا إلى تراجع التحويلات المالية. وسجلت أوروبا وآسيا الوسطى أكبر تراجع. انخفض أعداد المهاجرين والمغتربين في عام 2020، كما في الرسم البياني أسفل"
المحور الثالث: الفقراء الجدد
في أول عام من ظهور فيروس كورونا المستجد، ألحق أشد الضرر بالفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً، وأنذرت بسقوط ملايين من الناس في براثن الفقر. "فبعد عقود من التقدم المطرد في الحد من أعداد الفقراء الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم. شهد عام 2020 انتكاسة لجهود مكافحة الفقر المدقع. ويبين الشكل أدناه عدد الفقراء (بالملايين)، من خلال تقرير الفقر والرخاء المشترك لعام 2020"
المحور الرابع: الناتج المحلي العالمي
"كشفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في العام 2020 أن خسارة نمو الناتج المحلي الاجمالي السنوي بلغ 2%. أدت تلك الخسارة إلى محو تريليون دولار من قيمة الاقتصاد العالمي. لأن الناتج المحلي يتأثر بالأزمات كما أزمة "الرهن العقاري" عام 2008. وهذا ما نلاحظه من خلال الشكل التالي"
من المفيد الإشارة إلى أن الجائحة في أشهرها الأولى خلفت انخفاضاً في أكبر مؤشرات الأسواق الثلاثة في الشكل أدناه" حيث فقد مؤشر داو جونز بنسبة للأسهم الأمريكية حوالي 19%. والمؤشر البريطاني فتس بنسبة 33%. والمؤشر الياباني نايلكل انخفض بنسبة 27%"
إن هذه الأرقام والإحصائيات أعلاه كانت مدمرة للإقتصاد العالمي إثر جائحة كورونا. خاضت دول العالم سباق مع الزمن لإيجاد مصلٍ يحد من القيود التي فرضتها الدول على نفسها. والاسراع في ايجاد لقاح من أجل إعادة عجلة الاقتصاد كما كان في سابق عهدة قبل ظهور الجائحة وإعادة ترميم الاقتصاد العالمي بعدما دمرته تلك الجائحة التي نعيش ارهاصاتها إلى وقتنا الحالي.
بعد مرور عامين تقريباً منذ بداية انتشار الفيروس شهد الاقتصاد العالمي في العام الفائت 2021 أقوى تعاف له "فيما بعد الكساد الكبير" في 80 عاما" . تفاوت ذلك التعافي الاقتصادي من بلدٍ إلى آخر؛ وسجلت دول العالم ذات الاقتصادات القوية والكبيرة نمواً ملحوظاً بعد ايجاد ترياق ضد فيروس كورونا وبدأ الدول بتطعيك مواطنيها بعدة جرعات وبالتالي عودة عجلة الحياة الإقتصادية رويداً رويداً مع الحذر الشديد.
وصل النمو العالمي إلى 5.6% في العام 2021، ويرجع ذلك إلى قوة النمو في الاقتصادات الكبيرة مثل الولايات المتحدة والصين. وهناك العديد من المناطق لا تزال تعاني من جائحة كورونا وما تمخضت عنه من تداعيات طويلة الأمد.
لا يزال التعافي من تداعيات جائحة كورونا جارياً إلى وقتنا الراهن. ومع اتاحة اللقاحات في كل دول العالم تقريباً فإن ذلك يسرع من اعادة عجلة الاقتصاد واستمرار التعافي الاقتصادي في كل بقاع العالم. حيث "حقق الاقتصاد العالمي نموا قدره 5,9% في العام 2021، و4,9% في 2022، حسب آخر احصائية متوقعة أي بانخفاض قدره 0,1 نقطة مئوية في 2021 عما ورد في تنبؤات يوليو 2021" . في ذات الوقت فإن مخاطر ظهور سلالات أخرى مثل سلالة دلتا وسلالة أوميكرون الأخيرة، تؤدي إلى عدم اليقين بشأن سرعة التعافي الاقتصادي العالمي.
الفصل الثاني
الاقتصاد الأمريكي في ظل جائحة كورونا
المحور الأول: بداية جائحة كورونا وأثرها على القطاعات الاقتصادية الأمريكية المختلفة
تسببت جائحة كورونا في الأشهر الأولى بقلب الاقتصاد الأمريكي رأسا على عقب، حيث أغلقت الشركات والمدارس وانخفض الطلب على السلع والخدمات بشكل حاد، وسجلت خسائر قياسية في الوظائف. "إنكمش اقتصاد الولايات المتحدة بنسبة 3.5% على مدار عام 2020" . وخسرت الولايات المتحدة الأمريكية في الأشهر الأولى من بداية الجائحة حوالي 22 مليون وظيفة، ومضت البلاد تغرق في الركود. بينما كان ترامب حينها يسابق الوقت في ضخ الأموال وتوفير الوظائف، ناهيك عن صرف ملايين الدولارات للقطاع الصحي متحدياً بذلك أمام شاشات الاعلام أن الاقتصاد الأمريكي لا يمكن له أن يغرق.
توصلت دراسة أستنتجت أن "الفئات الاجتماعية الأقل دخلاً في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة النساء، أكثر عرضة لفقدان عملهم نتيجة الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الجائحة. أكدت هذه الدراسة أن الأزمة تطال المرأة أكثر من الرجل"
سجّل الاقتصاد الأمريكي في الربع الأول من العام 2020 تراجعاً حاداً لم تعرفه البلاد منذ عقود. "وانحدر الاقتصاد الأمريكي بمعدل سنوي قدره 4.8 في المئة" . وقبل أن تطيح جائحة كورونا بالاقتصاد العالمي كان من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأمريكي بنحو 2 % خلال العام 2020.
ومن الجدير ذكره أن الولايات المتحدة استجابت للأزمة الاقتصادية عبر إنفاق جديد بلغ أكثر من 3 تريليونات دولار لمواجهة الوباء في بدايته. وتقدّم أكثر من 26 مليون شخص في الولايات المتحدة بطلبات للاستفادة من إعانات البطالة.
"تراجع نشاط التصنيع الأمريكي عن أدنى مستوى له في 11 عامًا في مايو عام 2020 بحسب وكالة (CNBC). في حين أن مؤشر نشاط المصانع الوطنية ارتفع إلى 43.1 في شهر مايو العام 2020 من 41.5 في أبريل، وهو أدنى مستوى منذ أبريل 2009، وفقًا لمعهد إدارة التوريدات (ISM). وتشير القراءة أقل من 50 إلى انكماش في التصنيع، وهو ما يمثل 11٪ من الاقتصاد الأمريكي"
أظهرت دراسة أجرتها الجمعية الوطنية لاقتصاديات الأعمال، أن هناك ركوداً حاداً وقصيراً للنصف الأول من العام 2020، بينما يقيد فيروس كورونا النشاط الاقتصادي. بينما انخفض النمو الاقتصادي بمعدل 2.4٪ في الربع الأول؛ وفي الربع الثاني انخفض بنسبة تبلغ 26.5٪. في حين أن الوباء في شهوره الأولى "كَبّد اقتصاد أمريكا خسائر بلغت أكثر من 800 مليار دولار"
وتظهر الاحصائيات في العام 2020 من بداية جائحة كورونا، تأثر سوق العمل الأمريكي بشكل كبير حيث أغلق تفشي الفيروس الشركات. "وارتفع معدل البطالة إلى 12٪ بحلول منتصف العام 2020، في حين فقدت الولايات المتحدة الأمريكية 4.58 مليون وظيفة في الربع الثاني من العام ذاته. وبالتالي فإن فقدان الوظائف أثر بشكل كبير على الإنفاق، وهو المحرك الرئيسي للاقتصاد الأمريكي. أما بحلول العام 2021 فقد نما الاقتصاد الأمريكي بمعدل 6٪ تقريباً"
المحور الثاني: متحور دلتا وأثره على الإقتصاد الأمريكي
مع منتصف العام 2021 بدأت بعض دول العالم بإيجاد لقاح ضد فيروس كورونا عله يأتي أكله بعدما تكبد الاقتصاد في العالم خسائر فادحة. أعلنت ألمانيا وروسيا والولايات المتحدة في وقت متأخر وغيرها من دول العالم عن تصنيع ترياق ضد فيروس كورونا. أدى هذا التصنيع للترياق الذي لم يتوقع العالم السرعة التي تم خلالها تصنيعه إلى ظهور بريق أمل للتخفيف من الاجراءات والقيود التي اعقبت الجائحة. وما لبثت تلك اللقاحات أن تجني ثمارها حتى بدأ هناك ظهور سلالات أخرى من فيروس كورونا تمثل في متحور دلتا، وأوميكرون حديثاً، ما تسبب في تخبط كبير في بعض دول العالم في ما إن أصبح الاغلاق ضرورياً أم لا مرة أخرى بعد الانفراجة التي حصلت.
ومع ظهور هذه السلالات قال الاحتياطي الفيدرالي في بيان، "لقد تحسنت القطاعات الأكثر تضررًا من جائحة كورونا في الأشهر الأخيرة، لكن ارتفاع حالات الاصابة بـ فيروس كورونا، أدى إلى إبطاء تعافيها." في حين نما الاقتصاد بنسبة 5.9% العام 2021 بوتيرة سريعة ولكن أبطأ من 7% المقدرة في يونيو في ذات العام. والناتج المحلي الإجمالي من نفس العام قفزت بمقدار 0.5%. أما معدل البطالة فكان 4.8٪ بنهاية العام، أي أعلى من التوقعات التي كانت البالغة 4.5٪.
وبالعودة إلى ما سبق ذكره فإن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول، قال إن "الاقتصاد الأمريكي لايزال يعاني من مخاطر كبيرة بسبب تأثير فيروس كورونا عليه، وأن تلك المخاطر سببها أيضًا بطء توزيع اللقاحات وظهور سلالات جديدة" . وعلاوة على ما سبق فإن الاقتصاد الأمريكي لا زال بعيدا عن مرحلة التعافي من تأثير الجائحة عليه حسب ما قال خبراء اقتصاديون أمريكيون. ناهيك عن ما يقرب من 9 ملايين شخص عاطلين عن العمل بسبب إغلاق الشركات نتيجة الفيروس وإجمالي الخسائر يساوي ذروة فقدان الوظائف خلال فترة الركود العظيم في عام 2009.
المحور الثالث: العولمة في ظل جائحة كورونا
بعد انتهاء الحرب الباردة (1945 ـ 1991) وانهيار الاتحاد السوفيتي، ظهر على السطح مفهوم النظام الدولي أحادي القطبية، بقيادة الولايات المتحدة. وكان "من أهم مقومات هذا النظام أداة مهمة من أدواته الفاعلة في تحقيق الاستراتيجية الأمريكية، سواء على صعيد الغزو الفكري والأيديولوجي، أو الغزو الاقتصادي والعسكري، والذي يترابط مع بعضه"
مثل فيروس كورونا اختبارا هائلا للعولمة، فقد انهارت أهم "سلاسل الإمداد" ، وسارعت الدول لتكديس إمداداتها الطبيّة وحظر التنقُّل والسفر، "وباتت الأزمة تُحتِّم إعادة تقييم شاملة للاقتصاد العالمي المتداخل. وكشف فيروس كورونا مدى ضعف وهشاشة الدول والشركات" . جاءت أزمة فيروس كورونا لتقلب الموازين في مفهوم العولمة، وتُحدث تصدعات كبيرة بعد ما ذكرناه آنفاً من الاجراءات التي اتبعتها الدول منذ يداية الجائحة.
فعلى سبيل المثال، فإن الدول والشركات الكبرى المصنعة للسيارات، لا سيما في أوروبا الغربية، توقفت عن العمل؛ لأنها تستورد سلعا محدودة وقطع غيار من الشركة الأمريكية الرئيسية لتصدير تلك القطع وهي "MTA Advanced Automotive Solutions". أدى إغلاق هذه الشركة إلى توقف خطوط الإنتاج العالمي، ما يجعل الولايات المتحدة ذاتها مرجعا لاقتصاديات السوق، وهذا جزء من الاستراتيجية الأمريكية للسيطرة على السوق.
مع توقف الملاحة الدولية إلى حد ما أثناء ذروة جائحة كورونا ، "قامت الدول بتخزين مواردها الطبية، للحفاظ على ما لديها في المستودعات، ما دفعها إلى التوقف عن التصدير، وهو ما مثل اهتزازا في مفهوم العولمة، إضافة إلى عوامل أخرى حققت ذلك"
"قام بيتر نافارو، المستشار التجاري للرئيس دونالد ترمب، باستخدام العجز في إدارة أزمة كورونا وتوفير المستلزمات الطبية اللازمة منذ اليوم الأول للجائحة، وأنواع العجز الأخرى لتهديد الدول الحليفة وتبرير المزيد من الانسحاب من سوق التجارة العالمية، مجادلا بأن على الولايات المتحدة أن تُعيد الإمكانيات التصنيعية وسلاسل الإمداد الخاصّة بالأدوية الضرورية إلى أرض الوطن"
استخدمت إدارة ترمب الوباء للتنصل من الاندماج العالمي؛ ناهيك عن التخلي عن الاتفاقات التجارية العالمية فترة إدارة ترامب للبيت الأبيض. في ذات الوقت استخدمت الصين سياسة القوة الناعمة تجاه دول العالم، من خلال تحويل الأزمة إلى عزمها على قيادة العالم بصفتها البلد الأوّل الذي تعرّض لضربة فيروس كورونا، فقد عانت الصين بشدّة على مدار الأشهر الثلاث الأولى من الوباء، وسرعان ما تعافت في الوقت الذي شهد استسلام بقية العالم للوباء.
المحور الرابع: تعافي الاقتصاد الأمريكي
قدم الرئيس الأمريكي المنتخب في الشهر الاول من العام 2021، خطة لدعم الاقتصاد الأمريكي "بقيمة 1.9 تريليون دولار" . ومع إعادة فتح الشركات بما يتكيف مع القيود المفروضة لاحتواء الوباء، "استعادت أمريكا حوالى نصف الوظائف العشرين مليونا التي خسرتها في الأسابيع الأولى من تفشي الوباء" .
كان لتدابير الإنعاش بقيمة تقارب ثلاثة آلاف مليار دولار التي أقرتها الحكومة الامريكية العام 2020 الماضي بما فيها خطة مساعدات تبلغ 900 مليار دولار تمت المصادقة عليها في أواخر كانون الأول/ديسمبر من العام 2021، مساهمة كبرى في النهوض بالاقتصاد الأميركي حيث من المتوقع أن يصل النمو بحلول العام 2022 إلى 7%.
كما أظهرت بيانات لوزارة التجارة الأمريكية صدرت أواخر العام 2021، نموا قويا في اقتصاد الولايات المتحدة "بنسبة 6.5 بالمئة في الربع الثاني من العام الحالي، على أساس سنوي، بعد زيادة 6.3 بالمئة في الربع الأول" . إن سبب هذا النمو الاقتصادي المتسارع هو المساعدات الحكومية الضخمة والتطعيمات المضادة للفيروس.
وعلاوة على ما سبق فإن الطلبات الجديدة لإعانات البطالة بالولايات المتحدة انخفضت بمقدار كبير جداً. وبالتالي استمر التعافي الاقتصادي للولايات المتحدة حيث "ارتفع الناتج المحلي الاجمالي في امريكا بنسبة 12.2% في الربع الثاني من العام 2021" . هذه النسبة في ارتفاع الناتج المحلي تجاوزت مكاسب الصين البالغة 7.9%، حيث كان لحملات التطعيم الواسعة والتحفيز المالي الكبير وأسعار الفائدة القريبة من الصفر في الولايات المتحدة سبب رئيسي في هذه النسبة المرتفه من النمو.
وتجدر الاشارة إلى أنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأمريكي هذا العام 2021، بأسرع وتيرة "منذ الثمانينيات" مع استمرار تراجع عدد الأمريكيين المتقدمين بطلبات جديدة للحصول على إعانة البطالة إلى أدنى مستوى مما يشير إلى استمرار تواصل النمو القوي للوظائف. من المفيد الاشارة إلى أن السلالات الجديدة من فيروس كورونا قد تؤثر على النمو المتسارع للاقتصاد الامريكي وآخرها سلالة أوميكرون الذي "سيؤثر على النمو بشكل سلبي وبسيط"
خاتمة
من خلال دراستنا هذه نستنتج أن جائحة كورونا تسببت في تغيير موازين الاقتصاد العالمية. وخلاصة القول في هذه الدراسة فإن الاقتصاد الأمريكي في بداية جائحة كورونا تأثر بشكل كبير جداً، حيث لم يشهد هذا التأثر منذ عشرات السنوات بهذا الشكل. لكن مع ظهور اللقاحات الذي رافقها تخفيف القيود على المنشآت الاقتصادية بأنواعها المختلفة، بالاضافة إلى فتح التجارة الخارجية بشكل شبه كامل أدى ذلك إلى سرعة تعافي الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير جداً وصعوده بوتيرة لم يشهدها منذ الثمانينات.
هناك تقديرات تفيد بأن خطة جو بايدن لإنعاش الاقتصاد الأمريكي ستوفر أكثر من 8 مليون وظيفة خلال العام 2021. في حين ذهبت الأصوات التي كانت تقول بان الاقتصاد الأمريكي سينهار وسيحتاج عشرات الأعوام للتعافي في الوقت الذي أثبتت فيه الاحصاءات بأن نمو الاقتصاد الأمريكي فاق في سرعته ونسبته الاقتصاد الصيني وذلك للأسباب التي ذكرناها آنفاً.
إن إزالة العولمة الاقتصادية التي تنبأ بها الاقتصاديون في تحليلاتهم المبالغ فيها أثبتت عدم صحتها وإن كانت الاغلاقات بين الدول والانكفاء على النفس كانت الصورة الوحيدة أثناء ذروة جائحة كورونا لكن مع ايجاد مصل ضد الفيروس عادة العولمة الاقتصادية كما عهدها سابقاً.
المرجع
كتب
الخطيب، غسان، أثر جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي، من كتاب "العزلة، الفصل، الحجر الصحي"، (فلسطين: مؤسسة عبد المحسن القطان، 2020).
ميلود بن خيرة وسعيدة طيب، "أثر جائحة فيروس كورونا (COVID-19) على الاقتصاد العالمي"، مجلة بحوث الإدارة والاقتصاد، المجلد 2، العدد 2، (2020).
مقالات واطروحات علمية
فيروس كورونا: الاقتصاد الأمريكي يشهد أسوأ تراجع منذ عام 2008"، بي بي سي العربية، 29 أبريل/ نيسان 2020، شوهد بتاريخ 20/11/2021، https://2u.pw/SMI0j
عبد الجبار أبوراس، " الاقتصاد الأمريكي أمام خطر الانهيار بسبب كورونا"، الأناضول، 17.04.2020، شوهد بتاريخ 18/11/2021، https://2u.pw/a4m6C
بول بليك وديفيانشي وادوا، " استعراض حصاد عام 2020: تأثير فيروس كورونا المستجد في 12 شكلاً بيانياً"، مدونات البنك الدولي، 14/12/2020، شوهد بتاريخ 5/11/2021، https://2u.pw/l1hOY.
" الاقتصاد العالمي يمضى على المسار الصحيح نحو نمو قوي لكن متفاوت مع استمرار تداعيات جائحة كورونا"، البنك الدولي، 06/08/2021، شوهد بتاريخ 30/11/2021، https://2u.pw/QlQLY.
"تقرير آفاق الاقتصاد العالمي"، صندوق النقد الدولي، 11 أكتوبر 2021، شوهد بتاريخ 3/12/2021، https://2u.pw/7N3nP.
" أمريكا تشهد أسوأ أداء اقتصادي منذ عام 1946"، سبوتنك عربي، 28/1/2021، شوهد بتاريخ 4/11/2021، https://2u.pw/KwY5C.
فاطمة هاشم، "أزمة كورونا وتاثيراتها المتفاقمة على الاقتصاد الامريكي والعالمي"، وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، 19/ مايو/2020، شوهد بتاريخ 5/11/2021، https://2u.pw/jpdmz.
فريق المرصد المصري، "الاقتصاد الأمريكي قد يستغرق 10 سنوات للتعافي من تأثير كورونا"، المرصد المصري، يونيو 2, 2020، شوهد بتاريخ 2/11/2021، https://2u.pw/2Mk9J.
محمد عبد العزيز ربيع، " أيّ اقتصاد ينتظر أمريكا والعالم بعد كورونا؟"، صوت العرب من أمريكا، أبريل 20, 2020، شوهد بتاريخ 2/12/2022، https://2u.pw/F5P9p.
دلال العكيلي، "كوفيد 19 الامريكي: ليس جائحة فحسب بل مرحلة تحوّل اقتصادي"، شبكة النبأ المعلوماتية، الأحد 19 نيسان 2020، شوهد بتاريخ 2/11/2021، https://2u.pw/kXF7Z.
بيتر أشرف، "بسبب متحور دلتا.. الاقتصاد الأمريكي يواجه كارثة"، صدى البلد، الأربعاء 22/سبتمبر/2021، https://2u.pw/NiPZo.
رئيس الفيدرالي الأمريكي: تعافي اقتصادنا من كورونا "بعيد"، بوابة أخبار اليوم، 28 يناير 2021، شوهد بتاريخ 1/1/2022، https://2u.pw/Ruaa0.
خالد هنية، "لصالح قوى أخرى بعد كورونا.. النفوذ الأمريكي إلى تراجع، الأناضول، 23.04.2020، شوهد بتاريخ 2/11/2021، https://2u.pw/EgDwV.
فرح عصام، " العولمة تتراجع.. هل سيغير كورونا خارطة التصنيع وسلاسل الإمداد العالمية؟"، الجزيرة، 29/6/2020، شوهد بتاريخ 17/11/2021، https://2u.pw/mmhRD.
فريق التحرير، "بايدن يقدم خطة دعم الاقتصاد الأمريكي بقيمة 1.9 تريليون دولار"، سبوتنيك عربي، 14/1/2021، شوهد بتاريخ 28/10/2021، https://2u.pw/ZfXtx.
فريق التحرير، " ما هي معالم الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية؟"، يورونيوز، 01/03/2021، شوهد بتاريخ 29/1/2021، https://2u.pw/nnHeR.
جعفر قاسم، "نمو الاقتصاد الأمريكي 6.5 بالمئة في الربع الثاني من 2021"، الأناضول، 29.07.2021، شوهد بتاريخ 15/10/2021، https://2u.pw/CP2EL
فريق التحرير، "نمو الاقتصاد الأمريكي يفوق النمو الصيني"، RT، 16.08.2021، شوهد بتاريخ 20/10/2021، https://2u.pw/CgBL5
فريق التحرير، " مؤشر رئيسي يشير إلى تعافي أكبر اقتصاد في العالم"، الخليج، 19 أغسطس 2021، شوهد بتاريخ 16/10/2021، https://2u.pw/0TSYG
فريق التحرير، " مؤشرات سوق العمل الأمريكي تسير عكس اتجاه الاقتصاد"، العين الاخبارية، الأربعاء 2022/1/5، شوهد بتاريخ 21/10/2021، https://2u.pw/E2zTF.
[email protected]
أضف تعليق