في كلمتها من على المنصة خلال المظاهرة التي أقيمت مساء السبت قبل الماضي في تل أبيب، انتقدت د. ورود جيوسي، رئيسة المعد الأكاديمي العربي في بيت بيرل، انتقدت وضع كلمة المتحدث العربي في آخر لائحة المتحدثين، وقد تحدثت عن أهمية النضال المشترك ضد الحكومة. وقد يكون هذا الانتقاد في مكانه لكن سؤال آخر يثار مع هذا الانتقاد، أين هم المتظاهرين العرب؟ ولماذا هذه المشاركة الخجولة حتى الآن رغم أن أكثر ما يميّز الحكومة الحالية هو عنصريتها والعداء الشديد الذي تكنّه بعض أطرافها للعرب، للفلسطينيين بشكل خاص. ما زالت المشاركة متواضعة وخجولة.

"ليست لدينا نوستالجيا للنظام القائم أو السابق"
"من الممكن أن يكون البعد الجغرافي من الأسباب التي تمنع المواطنين العرب من المشاركة في مظاهرات تل أبيب لكن حتمًا ليس هذا هو السبب الرئيسي، السبب الرئيسي والعامل الحاسم هو أن الجمهور العربي ورغم شعوره بالخطر من هذه الحكومة المتطرفة وسياساتها، إلّا انه يعيش حالة من اللامبالاة لما يحصل في البلاد بشكل عام" يقول رجا زعاترة، عضو المكتب السياسي للجبهة وعضو بلدية حيفا، وهو ناشط سياسي، ويضيف: "المواضيع التي تهم المواطنين اليهود والمتظاهرين والمعارضين للحكومة بشكل خاص، ليست قضايا الاحتلال والمساواة ولا حتى مسألة الشراكة العربية اليهودية، فحتى الشراكة يريدونها حتى سقف معين، وطبعًا ليس انتشار الجريمة في الشارع العربي، أي ليست القضايا التي تؤرق المواطن العربي لذلك لا يرى العربي نفسه كجزء من هذا الحراك. ببساطة المواطن العربي لا يشعر أنه ضد هذه الحكومة فحسب، بل ضد النظام، نحن نريد مواطنة متساوية للجميع، وطبيعة المظاهرات وشكلها والشعارات التي تطلق فيها، وما يقال فيها وما لا يقال، كلها أمور لا تشجع المجتمع العربي للمشاركة. ولكن عمومًا المجتمع العربي لا يتماهى كثيرًا مع الاحتجاجات التي تحصل على مستوى الشارع الإسرائيلي، وحتى في الاحتجاجات الاجتماعية عام 2011 كانت المشاركة العربية متواضعة. المتظاهرون اليوم يطالبون بالعودة إلى النظام القائم، إلى ما كان قبل حكومة نتنياهو، ونحن كعرب وبكل صراحة، ليست لدينا نوستالجيا للنظام القائم أو السابق، لا نشتاق له. هم يطالبون بديمقراطية، لكن العربي يقول أن لا يمكن أن تكون هنالك ديمقراطية بدون مساواة، وديمقراطية مع احتلال ملايين الناس والتحكم بهم؟ وهل هنالك من يظن أن بن غفير وسموتريتش مجرد حالات استثنائية، هم ببساطة جزء من فكر يعتمد على الفوقية اليهودية، وهو فكر موجود ولديه أكثر من صورة، بن غفير وسموتريتش إحداها".

 

مقالات ومنشورات عديدة تحدثت عن هذا الأمر خلال الشهر الأخير، عن عدم مشاركة العرب بشكل كاف في هذه المظاهرات، وخاضت بالأسباب، بين عدم شعور الفلسطينيين مواطني إسرائيل بالانتماء حقًا للشارع الإسرائيلي ومشاكله وبالذات قضية الاحتجاجات على إصلاحات وزير القضاء يريف لفين على جهاز القضاء الذي يعتبره المجتمع العربي أصلًا متحيّزًا وجزء من المنظومة الظالمة والتي تدعم الاحتلال، وبين من يقول أن هذه الحكومة لا تفرق كثيرًا عن الحكومة السابقة التي لم تكن أقل سوءً من حكومات نتنياهو والليكود في المسائل التي تتعلق بالاحتلال وبين حقيقة أن جزء كبير من المشاركين في المظاهرات ومن المنظمين هم من الأشخاص الداعمين للاحتلال وللمنظومة العنصرية القائمة منذ سنوات ضد الفلسطينيين. وأسباب عديدة أخرى.

"يريدون ديمقراطية لليهود فقط، طبعا لسنا هناك"

"أين العرب ؟! في الاسبوع الأخير كثيرًا ما صادفنا مقالات، تساؤلات، انتقادات حول عدم مُشاركة العرب في المظاهرات الأخيرة في تل ابيب ضد سياسة الحكومة الحاليّة ومقترح وزير العدل حول مكانة المحكمة العليا" علقت سندس صالح، عضو الكنيست السابقة عن القائمة المشتركة، وأضافت: "أكثر من 70 عام يُحذر المجتمع العربي الفلسطيني ويناضل ضد هذه السياسات التي قد تبدو جديدة للبعض في الجانب الإسرائيلي، ذات المحكمة التي لم تحافظ على الحقوق الفرديّة والجماعيّة للعربي في البلاد عندما هُدمت بيوت وفقًا لقانون كامينتس \، نفسها المحكمة التي لم تنجح في أن تمنع مصادرة الاراضي / المساس في مكانة المجتمع العربي \، لغتنا العربية وغيرها من القانون الجائرة والعنصريّة. لا يمكن أن يخرج العربي لمظاهرة للمحافظة على أجزاء من الديمقراطية بالوقت الذي حتى هذا الجزء الذي يريد المتظاهرون حمايته، يعمل بشكل ديمقراطي لليهود فقط، ويتيح ويسمح بالمساس بالعرب الفلسطينيين. عندما لا تخجل المظاهرة بأن تتحدث ضد الاحتلال بشكل واضح، ضد التمييز والسياسات العنصرية، لا يمكن أن يتغير أي شيء في الواقع السياسي ".

دعوات خجولة من الأحزاب

ورغم هذا، ورغم محاولة انزال بعض الأعلام الفلسطينية في مظاهرة السبت قبل الماضي في تل أبيب من قبل بعض المتظاهرين، والاعتداء على حاملي الأعلام، الذين كانوا بمعظمهم من اليهود اليساريين المعارضين للاحتلال والذين يطالبون بمساواة كاملة للشعبين، ما زالت جهات عربية عديدة تدعو وتناشد للمشاركة في المظاهرات، ومن بين هذه الجهات كل من عضو الكنيست أيمن عودة، رئيس قائمة الجبهة والعربية للتغيير الذي شارك في أول مظاهرة نظمت في تل أبيب وناشد قبل أيام للمشاركة، وأيضًا عضو الكنيست منصور عباس، رئيس القائمة الموحدة الذي شارك في مظاهرة الأسبوع الماضي ودعا للمشاركة أيضًا، ولكن هذه الدعوات حتى الآن كلها خجولة وليست بالحجم الكافي وليست على مستوى الأحزاب ولا على مستوى الكوادر، فالدعوات لم تحصل لحجم الدعوات للمشاركة في المظاهرات التي أقيمت في شارع 6 احتجاجًا على العنف بالسنوات الأخيرة وطبعًا ليس بحجم الدعوات للمشاركة في مظاهرة الاحتجاج على قانون القومية التي أقيمت في تل أبيب عام 2018. ربما أيضًا الاحزاب لا تتعامل مع هذه الاحتجاجات بجدية عالية، وقد يُفهم هذا، فالجبهة والعربية للتغيير عارضوا سياسات الحكومة السابقة أيضًا في الكثير من الأمور ووصفوها بالخطيرة والسيئة وعملوا على اسقاطها، وكرر أيمن عودة أكثر من مرة أنها كانت أكثر حكومة قتلت فلسطيينيين في الضفة الغربية منذ سنوات، وأنها أكثر حكومة في تم عصرها اقتحام المسجد الأقصى من قبل المستوطنين. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الموحدة برئاسة منصور عباس، ورغم أنها تتواجد اليوم في المعارضة إلا أنها لم تبد معارضتها الشديدة وتحذيرها من حكومة اليمين، ولا حتى رفضها لفكرة الانضمام لحكومة اليمين، منصور عباس من قبل حاول قبل نحو عامين الانضمام لحكومة نتنياهو سموتريتش بن غفير وذهب إلى الراف دروكمان لاقناعه لكنهم لم يقتنعوا، وحتى مع هذه الحكومة الأخيرة، لديه عدة تصريحات يقول فيها أنه قد يقبل التعاون معهم اذا قبلوا التعاون معه، وحتى أن معظم انتقاداته بالفترة الأخيرة لا يصوبها تجاه حكومة نتنياهو ومخططاتها العنصرية، بل تجاه الاحزاب العربية الاخرى حيث يتهمها بأنها تسببت باسقاط حكومة لبيد بينيت.

"ليس هنالك خيار سوى النضال المشترك"

ورغم كل هذا، ما زالت أصوات عربية عديدة تقول أنه الأسباب كلها محقة ومقنعة لكن من جهة أخرى يجب عدم الاستهانة بالخطر القادم ويجب المحاولة للمشاركة في الاحتجاجات "هنالك ما يجب أن يوحد العرب واليهود معًا، يوحد مصالحهم، اشعر انه ورغم الخطورة الكبيرة التي تهدد المجتمعين اليهودي والعربي وتهدد الشراكة، فإن الصوت العربي اليهودي الآن مهم جدًا ونحتاج لاحتجاج واسع يجمع الكل معًا حول حل كل القضايا وليس أولئك الذين يريدون العودة بعض سنوات الى الخلف فقط فالمشكلة اكبر من ذلك ومستمرة منذ سنوات طويلة. بدون مشاركة العرب، ليس فقط في المظاهرات، بل في طرح بديل، لا يمكن لقوى المركز واليسار أن يصلوا إلى الحكم، طالما بقي العرب مستبعدين من موقع اتخاذ القرار ومن الحدود السياسية سيبقى اليمين المتطرف في الحكم وسيبقى قويًا"- يضيف رجا زعاترة بعد مشاركته في مظاهرة عربية يهودية نظمت في حيفا مساء السبت :"علينا أن نبادر لشيء كبير. يعني المحكمة العليا، نحن نقول أنها شرعنت الاستيطان والاحتلال والعنصرية، وأنها لم تكن ديمقراطية معنا كفلسطينيين، لكن رغم هذا، ليس في مصلحتنا أن تضعف المحكمة، التي لطالما كانت المحكمة تتيح نوعًا من الهامش الديمقراطي الذي تستفيد منه الأقليات، ولا نريد أن يصبح وضعنا أسوأ مما هو عليه. هنالك فجوات بين المجتمعين وهذا يتطلب من العرب ان يأخذوا خطوة، ليس بكل ثمن وليس على حساب مواقف سياسية طبعا ولكن أن يتخذوا خطوة، والأمر ليس قضية أعلام، أي اعلام تُرفع في المظاهرات، بل المسالة ببساطة هو أننا نحن جزء من ضحايا هذه السياسات العنصرية، وعلينا أن نكون جزء من الحراك الذي يقاومها"

"أهمية المشاركة وفي نفس الوقت عدم لوم المعارضين لها"
"أنا لا استطيع أن ألوم الناس على عدم مشاركتهم في المظاهرات، والأمر يشبه المشاركة في انتخابات الكنيست، أنا أدعو للمشاركة وأقول أننا يجب أن نصوت ونؤثر ولكن لا استطيع أن الوم الذين يرفضون هذا الأمر، فشعور عدم الثقة بالمؤسسة الموجود لدى فئات عديدة بمجتمعنا هو شعور حقيقي ولا يمكن تجاهله أو لوم الناس بسببه، فهو نتاج سنوات من التمييز العنصري وسياسات مستمرة" تقول سالي عبد، وهي ناشطة سياسية في حراك "نقف معًا" الذي كان من أول المبادرين للمظاهرات والاحتجاجات، ولكنها تؤكد من جهة أخرى على أهمية المشاركة العربية ليس بهدف التأثير على اليمين، بل بهدف التأثير أكثر على شرائح محسوبة على المركز واليسار، شرائح لديها قابلية بأن تسمع وتفهم "في المظاهرة الأولى كنا 4 متحدثين عرب على المنصة، ورُفعت الأعلام الفلسطينية، ولم تكن هنالك أي اعتراضات، إن من واجبنا كمجتمع من أجل مستقبلنا ومن أجل حقوقنا أن نسعى لبناء قوة يسارية ذات ثقل باستطاعته التأثير، أن نجرب أن نفعل ذلك، وهنالك فئات عديدة في المجتمع الإسرائيلي ستستمع وتتأثر، حتى أني اعتقد أن هذه الحكومة اليمينية المتطرفة فرصة لإعادة بناء مقاومة واسعة في المجتمع ونضال مشترك يشمل الضواحي الاقتصادية والاجتماعية، فهذه الحكومة تعيد النقاش السياسي حول القضية الفلسطينية، صحيح أنها تفعل ذلك لأهداف سيئة وشريرة ولكن مجرد عودة النقاش هو أمر جيد ويجب استغلاله. وهي تعيد نقاشات عديدة حول حقوق الانسان، ويجب أن نستغل هذا أيضًا. علمًا بأن الحكومة السابقة كانت سيئة وقاسية وهذا أحد أسباب اليأس في المجتمع العربي، خصوصًا وأن أتباع تلك الحكومة الذين يتظاهرون اليوم يتحدثون وكأنها كانت حكومة مثالية، والأمر ليس كذلك، على مستوى القضايا القومية على الأقل".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]