أصدر قاضي التحقيق الأول بالمكتب التاسع بالقطب القضائي المالي في تونس، أمس الأربعاء، بطاقات إيداع بالسجن في حق 3 متهمين، من بينهم القيادي السابق في حركة النهضة وعضو جمعية نماء تونس عبد الكريم سليمان، من أجل جرائم تعلقت بتبييض أموال ومخالفة قوانين الصرف في البلاد كما يخضع اليوم الخميس 4 متهمين اخرين للتحقيقات في نفس القضية.
ويشار إلى أن جمعية نماء تونس تلاحقها تهم بتلقي أموال مشبوهة من جهات خارجية وارتباطات بالجهاز السري لحركة النهضة المتورط في قضايا الاغتيالات السياسية.
هذا وقد أدرج القطب القضائي المالي نجل رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي "معاذ الخريجي" في التفتيش من أجل شبهات تبييض أموال كما أصدر قرارات بتجميد انتقال ملكية مكتسبات 100 شخص بين قيادات ومنتسبين ورجال أعمال مقربين من حركة النهضة وقرارات بتجميد أرصدتهم البنكية وحساباتهم المالية.
وعلق المحلل سياسي والعضو المؤسس ضمن "مبادرة لينتصر الشعب" نبيل الرابحي، في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية، بأن "ما أفضت إليه التحقيقات كشف عن حجم النفاق السياسي الذي مارسته حركة النهضة خلال العشرية السوداء التي مرت بها تونس فبعد أن صدعت الرؤوس بخطاب من يملك ملفات فساد ضد الإخوان عليه التوجه للقضاء نجدها تسارع اليوم مع بدء تعافي القضاء بلعب دور المظلومية وتنظيم الوقفات الاحتجاجية أمام وزارة العدل لتجنب المحاسبة وهو ما يصنف في خانة النفاق السياسي".
وأضاف الرابحي، في تصريحات لسكاي نيوز عربية، أن القضاء يبحث منذ أشهر في ملف الفساد المالي الشائك الذي يتورط فيه قياديون من حركة النهضة وقد قرر إيداع عبد الكريم سليمان في السجن ومواصلة التحقيق مع 10 شخصيات مقربة من النهضة والاستماع في حالة تقديم لقيادي سابق بالحركة مكلف بالإعلام إلى جانب عدد من القرارات بتحجير السفر وتجميد الأملاك لمقربين من النهضة.
وقال عضو "مبادرة لينتصر الشعب" إن ملف تبييض الأموال الذي تواجهه حركة النهضة بدأ مع جمعية نماء تونس التي بلغ حجم أموالها المشبوهة 20 مليون دينار ويتورط فيها كل من القيادي نور الدين البحيري الذي سيعرض على التحقيق في 17 من يناير الجاري ورئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي وسيواجه التحقيقات في 24 من الشهر نفسه.
واعتبر الرابحي أن النيابة العمومية في تونس أمام ملف شائك يعبر عن التزوير السياسي الذي مارسته حركة النهضة في البلاد لأن الكثير من الأموال محل الشبهة ذهبت للحزب وساهمت في الحملات الانتخابية ووزعت على الناخبين وعملت على تزوير إرادتهم وهو تدليس واضح للعمل السياسي.
وتابع نبيل الرابحي "على القضاء في تونس أن يحسم في قضايا المال السياسي وملف الاغتيالات والجهاز السري لحركة النهضة الموازي للجهاز الأمني في البلاد وملف تسفير الشباب إلى بؤر التوتر والإرهاب حتى ينال المتورطين عقابا فرديا يطال كل من أجرم في حق البلاد دون الزج بالأحزاب في المعركة".
وبخصوص التبعات السياسية لهذه القضايا وفرضية حل حركة النهضة بسبب تورط قياداتها في توظيف أموال خارجية في عمليات "لوبيينغ" وإشهار سياسي، أوضح الرابحي أن القانون التونسي يشترط لإيقاف الحزب المستفيد من أموال خارجية في "اللوبينغ" أن يكون قد تقدم بمرشح للانتخابات الرئاسية بينما لم تقدم النهضة مرشحا للانتخابات الرئاسية الماضية بل عملت على التقدم في الانتخابات التشريعية وفي هذه الحالة يقضي القانون بإسقاط القائمات فقط أما التبعات القانونية في ملف تبييض الأموال فتشمل الأشخاص المتورطين دون غيرهم.
وعلق الرابحي بأن "التركة السياسية لسنوات حكم الإخوان في تونس ثقيلة حيث فقدت النهضة بوصلتها وتفكك كما شهد التيار الديمقراطي انشقاقات وانقسمت الأحزاب الوسطية وفقدت عمقها الشعبي وتحولت اليوم إلى مجرد ظاهرة إعلامية"، مما يدعو كل الأحزاب في المشهد السياسي إلى مراجعة خطاباتها والخروج من الأيديولوجيا الفكرية الثنائية بين اليمين واليسار والتركيز على الحلول البراغماتية سياسيا واجتماعيا واقتصادية من أجل تونس.
ومن جهته قال المحامي والناشط السياسي فتحي الجموسي لموقع سكاي نيوز عربية إن القضاء التونسي بعد مسار 25 يوليو قد تحرر من قبضة حركة النهضة الإخوانية بالمضي قدما في محاسبة كل من تورط مع النهضة وساهم في العشرية السوداء التي مرت بها تونس زمن حكمها وما خلفته من دمار سياسي واقتصادي ومجتمعي رغم ما يروجه خصوم الرئيس قيس سعيد.
وتابع الجموسي "إن القضاء التونسي لم يكن بوسعه طرق ملفات الفساد المالي للحزب الحاكم أو الفصل فيها حتى وإن طرحت أمام قطب الإرهاب وقطب القضاء المالي بسبب تحكم وزير العدل السابق نورالدين البحيري ثم رئيس الحكومة يوسف الشاهد في القضاء".
وأشار المحامي والناشط السياسي إلى أن أخطر القضايا التي بين أيدي القضاة اليوم هي قضية شركة "انستالينغو" المختصة في صناعة المحتوى الرقمي ومنها تفرعت قضية "جمعية نماء تونس" بعد أن اتضح أنها مؤسسات لتبييض وتهريب الأموال وتتعامل مع أجهزة استخبارات أجنبية اخترقت الدولة التونسية.
وكشف الجموسي أن حجم الأموال التي يبحث فيها ضمن ملف الفساد المالي تتجاوز مئات المليارات حتى أن لجنة التحاليل المالية بالمصرف المركزي أثبتت أن الرصيد البنكي لأحد المشتبه فيهم وقد كان مكلفا بمهام لدى راشد الغنوشي ومقرب من حمادي الجبالي مر من 800 دينار تونسي، ما يعادل 250 دولار، سنة 2011 إلى أكثر من 14 مليار قيمة عقارية فضلا عن قيمة هائلة من السيولة المالية عثر عليها في حقائب خاصة به.
وتابع المحامي "في هذا السياق تم تجميد الرسوم العقارية للمتهمين من طرف إدارة الملكية العقارية وإبطال عمليات نقل الملكية لتفادي تهريب العقارات المقتنية بأموال تم تبييضها" مما يعبر عن حجم الفساد الذي تعرضت له البلاد وغزارة التدفقات المالية القادمة من الخارج بغاية تسفير شباب تونس نحو بؤر التوتر والإرهاب والسيطرة على الحياة السياسية مما أفقد الدولة سيادتها وأثقل المالية العمومية.
[email protected]
أضف تعليق