يودع العالم سنة 2022 التي كانت مليئة بأحداث لم يكن حدوثها متوقعا. أبرزها الحرب في أوكرانيا التي ألقت بظلالها على الأمن العالمي، وأعادت المخاوف من اندلاع حرب عالمية جديدة أو استخدام أسلحة نووية. كما نتج عنها ارتفاع عالمي مقلق في أسعار المواد الأولية، ما أدى إلى تضخم اقتصادات الدول الغنية، وتعميق أزمات الفقر والحرمان في الدول الفقيرة. وشكل ارتفاع درجات الحرارة في معظم مناطق العالم، تحديا جديدا للبشرية المطالبة بتغيير نمط استهلاكها. في إيران، ثورة الحجاب أخرجت ملايين النساء إلى الشارع في حين عجّت شوارع قطر بالمشجعين في "مونديال 2022".
الحرب الروسية الأوكرانية
في 24 شباط/فبراير 2022 عند حدود الرابعة صباحا، استيقظ العالم على وقع الانفجارات والغارات المدوية في سماء أوكرانيا، بعدما قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تنفيذ عملية عسكرية ضد هذا البلد بحجة "تنقيته" "من العناصر النازية" التي تحكمه، وفق تعبيره.
دخول القوات الروسية أوكرانيا وارتكابها لأولى المجازر، على حد وصف الصحافة الدولية، في بلدتي بوتشا وبيوروديانك ولد شعورا بأن العالم دخل أخطر أزمة أمنية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
فيما أدت هذه العملية العسكرية إلى هروب حوالي ثلاثة ملايين أوكراني إلى الدول المجاورة، وفي مقدمتها بولندا التي استقبلت أكثر من مليونين نازح.
الصور كانت شبيهة بصور الحرب العالمية الثانية، إذ عجت الشوارع والمعابر الحدودية بعشرات الآلاف من العائلات التي كانت تحاول مغادرة أوكرانيا، تاركة وراءها كل ممتلكاتها.
من جهته، أعلن الجيش الأوكراني التعبئة العامة، مانعا الرجال الذين تتجاوز أعمارهم ثمانية عشر عاما من مغادرة البلاد، ومجبرا إياهم على الالتحاق بالجيش. أما دول الناتو، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، فلقد أعلنت عن استعدادها لمساعدة أوكرانيا ماليا وعسكريا لقلب ميزان القوة على الأرض. الرئيس بوتين من ناحيته هدد العالم باستخدام الأسلحة النووية في حال هاجمت دول الناتو بلاده.
ولاتزال الأزمة متصاعدة والحرب قائمة في العديد من المدن الأوكرانية، في حين صعدت روسيا من هجماتها وغاراتها بعد أن منيت بخسائر مادية وبشرية في الميدان من قبل الجيش الأوكراني الذي عزز ترسانته بأسلحة غربية متطورة.
كما فرضت أيضا الدول الغربية حزمة من العقوبات الاقتصادية والمالية ضد روسيا لشل اقتصادها. وعلى الرغم من مرور عام واحد تقريبا من بدء هذه العملية العسكرية، إلا أن الوضع في الميدان لم يتغير كثيرا، ولا يزال الرئيس زيلينسكي يدعو "العالم الحر" إلى فرض المزيد من العقوبات على موسكو. هذه الأخيرة قررت تكثيف حملاتها العسكرية في 2023 لتقوية موقفها عندما يأتي وقت المحادثات.
وامتنانا لما قدمته واشنطن من مساعدات لأوكرانيا، قام الرئيس زيلينسكي بزيارة تاريخية إلى الولايات المتحدة في 21 كانون الأول/ديسمبر 2022، التقى خلالها بالرئيس بايدن. وهي الزيارة الأولى والوحيدة التي قام بها الرئيس الأوكراني إلى الخارج. تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في مقتل حوالي 15 ألف مدني أوكراني وفق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وعدد كبير من الجنود الروس.
التضخم وأزمة وانخفاض القدرة الشرائية
شهدت سنة 2022 ارتفاعا قياسيا في الأسعار، لا سيما تلك التي تتعلق بالمواد الاستراتيجية كالحبوب والقمح والطاقة والبنزين. فيما عرفت شعوب الدول الغربية تدهورا كبيرا في قدرتها الشرائية، ما أدى إلى تنظيم مظاهرات واحتجاجات في العديد من هذه الدول تنديدا بالسياسات الاقتصادية المتبعة من قبل الحكومات وللمطالبة بمراجعة الأسعار.
وشكلت الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة كوفيد-19 العوامل الرئيسة والمباشرة التي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية وظهور التضخم بعد سنوات من الارتياح المالي. ويشير مختصون اقتصاديون إلى أن نسبة التضخم وصلت إلى 8 بالمائة في دول مجموعة العشرين، ما أثر سلبا على النمو الاقتصادي العالمي، وأدى إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية.
وفي خطوة لمساعدة العائلات الفقيرة والطبقات الوسطى، اتخذت العديد من الدول الأوروبية، على غرار فرنسا وألمانيا حزمة من المساعدات المالية، من بينها تقليص سعر وقود السيارات ودعم القدرة الشرائية. فعلى سبيل المثال، أقرت ألمانيا خطة مساعدات بأكثر من 65 مليار يورو، بينما بلغت الخطة الفرنسية أكثر من 25 مليار يورو. من جهته، قام البنك المركزي الأمريكي برفع سعر الفائدة، محاولة منه وقف ارتفاع نسبة التضخم. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها الدول الغربية، إلا أن أزمة ارتفاع الأسعار لا تزال قائمة منذرة بمستقبل صعب جدا للملايين من السكان حول العالم.
وفاة الملكة إليزابيث الثانية
توفيت الملكة إليزابيث الثانية في أيلول/سبتمبر 2022 عن عمر ناهز 96 عاما في قصر بالمورال بإسكتلندا، بعد أن تبوأت العرش لمدة قياسية بلغت سبعين عاما. وخلفها تلقائيا ابنها الأكبر تشارلز البالغ 73 عاما، عملا ببروتوكول عمره قرون. مثلت الملكة إليزابيث منذ توليها العرش خلفا لوالدها الملك جورج السادس في 1952، وهي في سن الخامسة والعشرين، رمزا للاستقرار رغم الأزمات وعبر المحطات المختلفة في تاريخ المملكة المتحدة.
وعاصرت الملكة إليزابيت رجالا كبارا في السياسة عبر العالم، مثل جواهر لال نهرو وشارل ديغول ونيلسون مانديلا. وشهدت بناء جدار برلين، ثم سقوطه، والتقت 12 رئيسا أمريكيا. كما كانت إليزابيث الثانية لدى وفاتها ملكة على 12 دولة، من نيوزيلندا إلى جزر الباهاما، وهي بلدان زارتها كلها خلال فترة حكمها الطويل.
وإضافة إلى هذا الحدث الهام، شهدت بريطانيا أيضا في 2022 سلسلة من الفضائح السياسية أدت إلى سقوط كلا من حكومة بوريس جونسون في تموز/يوليو من نفس السنة ثم بعد ذلك حكومة ليزا تراس التي لم تبق على رأس الحكومة البريطانية سوى أربعة وأربعين يوما قبل أن تعلن عن استقالتها، بسبب رفض البريطانيين وبعض الوزراء من حكومتها الخطة الاقتصادية التي وصفت بالصعبة التي اقترحتها من أجل إخراج بريطانيا من الأزمة.
عام 2022 الأكثر حرارة في فرنسا منذ سنة 1900
عرفت دول أوروبا الغربية هذه السنة درجات حرارة قياسية تعدت مثلا الأربعين درجة مئوية في بريطانيا وفرنسا. وتزامن ذلك مع استمرار حرائق الغابات في شبه الجزيرة الإيبيرية وجنوب غرب فرنسا، نتيجة موجة الحر الشديد التي ضربت المنطقة. مناطق أخرى في العالم عرفت ارتفاعا قياسيا في درجات الحرارة، كدول شمال أفريقيا التي اندلعت فيه العديد من حرائق الغابات، على غرار الجزائر والمغرب.
أما في العراق، فلقد جفت تقريبا الأهوار المتواجدة جنوب البلاد لسبب انخفاض منسوب مياه نهري دجلة والفرات وغياب سقوط الأمطار. ويعزو العلماء تزايد تواتر موجات الحر لظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي، إذ سجلت عدة دول في غرب أوروبا أعلى درجات حرارة في تاريخها منذ بدء التسجيل خلال السنوات العشر الأخيرة. نفس السيناريو عرفته الولايات المتحدة حيث الجفاف والحرائق التي ابتلعت مساحات كثيرة في ولاية كاليفورنيا، وتسببت في رحيل المئات من هذه الولاية. ووفق مرصد الأحوال الجوية الفرنسية، فعام 2022 هو الأكثر سخونة وحرارة في فرنسا منذ سنة 1900.
إيران وثورة الحجاب
أشعل مقتل الشابة مهسا أميني منتصف أيلول/سبتمبر الماضي بعدما اعتقلتها "شرطة الأخلاق" بتهمة انتهاك قواعد اللباس الصارمة للنساء، فتيل احتجاجات عارمة في جميع أرجاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وتتواصل الاحتجاجات في حركة غير مسبوقة من حيث رقعتها ومدتها في البلاد، على الرغم من حملة القمع الشرسة التي يشنها النظام ضد المتظاهرين.
وتشهد إيران منذ سبتمبر/أيلول الماضي بشكل منتظم مظاهرات واسعة في العديد من المدن، بما فيها مدينة مشهد الدينية، في حين يرفع المشاركون هتافات مناهضة لنظام الملالي مثل "الموت للدكتاتور"، قاصدين بذلك المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. وواجهت السلطات الإيرانية الاحتجاجات بعنف وقوة فيما حكمت على 400 شخص بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات، وفق مسؤول قضائي إيراني وإصدار عقوبة الإعدام في حق متظاهرين اثنين.
الرجلان هما مجيد رضا رهناورد ومحسن شكاري، وكلاهما يبلغ من العمر 23 عاما. أما القضاء الإيراني فلقد أعلن أنه أصدر الإعدام في حق أحد عشر شخصا. وانتقدت الدول الغربية والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان تصرف السلطات الإيرانية ودعتها إلى إطلاق سراح المعتقلين وتوقيف عمليات التعذيب.
لكن الأخيرة رفضت متهمة الدول الغربية بالوقوف وراء الاحتجاجات التي تعيشها البلاد منذ أكثر من ثلاثة أشهر. ولم تنطفئ بعد شعلة الاحتجاجات في إيران، بل ازدادت حدة الانتقادات ضد نظام المرشد الأعلى، إذ دعت شقيقته بدري حسيني خامنئي حرس الثوري إلى إلقاء سلاحه والانضمام إلى الشعب.
اليمين المتطرف يدخل بقوة الجمعية الوطنية الفرنسية
سجل حزب "التجمع الوطني" (اليمين المتطرف) بزعامة رئيسته السابقة مارين لوبان اختراقا كبيرا في الساحة السياسة الفرنسية، بعدما تمكن من إيصال 89 نائبا من صفوفه إلى الجمعية الوطنية الفرنسية في الانتخابات التشريعية التي جرت في حزيران/يونيو الماضي بفرنسا.
وبهذا يكون هذا الحزب قد توصل إلى تشكيل كتلة برلمانية لأول مرة منذ 1986. ووصف نائب رئيس الحزب جوردان بارديلا الذي تولى منصب الرئيس منذ تفوق حزب "التجمع الوطني" المتطرف بـ"تسونامي". من جهتها، تعهدت مرشحة هذا الحزب للانتخابات الرئاسية مارين لوبان بممارسة معارضة "حازمة" ضد الرئيس ماكرون وحكومته.
لكن أقل ما يقال إنها غيرت أسلوبها في خطوة منها لإظهار أن الحزب الذي تمثله قادر على أخذ مقاليد السلطة والمشاركة في تسيير شؤون البلاد. ويخشى بعض متتبعي السياسة الفرنسية أن تصل مارين لوبان إلى قصر الإليزيه في 2026 بعدما حلت في المرتبة الثانية مرتين، الأولى في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2017 والثانية في 2022.
عيون الشعوب صوب كأس العالم في قطر
البعض يصفه بحدث العام. مونديال قطر 2022 استقطب أكثر من ثلاثة مليارات متابع عبر العالم. مونديال ضخم بكل المقاييس. أقيم للمرة الأولى في دولة عربية وسمي بـ"مونديال العرب". ولإنجاحه، أنفقت قطر حوالي 200 مليار دولار لتجهيز المرافق الضرورية، فشيدت ملاعب ذكية وفنادق فخمة وأخرى بسيطة لاستقبال المشجعين وطورت قطاع النقل والمواصلات لتسهيل حركة المشجعين.
ما جعل رئيس الفيفا جياني إنفانتينو يصف "مونديال 2022" بـ"الأفضل والأجمل" في تاريخ المستديرة. لكن على الرغم من الجهود المالية والإمكانيات اللوجستية التي وفرتها الدوحة، إلا أن "مونديال 2022" رافقته انتقادات عدة، لا سيما تلك التي جاءت من بعض الدول الغربية وعديد المنظمات الحقوقية، التي اتهمت الإمارة الخليجية الصغيرة بعدم احترام حقوق المثليين وحقوق الإنسان بشكل عام، وباستغلال اليد العاملة الرخيصة التي تنحدر غالبيتها من الدول الأسيوية. فيما أشار الإعلام الغربي إلى وفاة أكثر من ستة آلاف عامل أسيوي خلال عمليات بناء الملاعب. لكن قطر أدارت ظهرها لهذه الانتقادات ونجحت في فرض "قوتها الناعمة" في جميع أنحاء العالم.
ويبقى السؤال المطروح هل ستكون النسخة المقبلة في 2026 والتي يستضيفها الثلاثي المكون من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك، في نفس مستوى التنظيم والتجهيز كتلك التي احتضنتها دولة قطر؟
الفساد يزعزع أركان البرلمان الأوربي
لن ينسى نواب البرلمان الأوروبي العام 2022 بسهولة بعد الفضيحة التي هزت أركان هذا المبني الزجاجي ببروكسل، الذي يعتبر المعقل الأكبر للممارسة الديمقراطية ولمكافحة كل أشكال الفساد. لكن قصة نائبة رئيسة هذه المؤسسة الأوروبية اليونانية إيفا كايلي قد تشوهه صورتها ولمدة طويلة. فلقد اتهمت بتلقي أموال من قطر (حوالي 600 ألف يورو) رفقة نواب آخرين مقابل تلميع صورة هذه الإمارة الخليجية الصغيرة ورفض أو تأجيل أي حديث عن حقوق الانسان ومثليي الجنس من قبل أعضاء البرلمان.
وعلى الرغم من المحاولات التي قامت بها بعض أحزاب المعارضة، لا سيما حزب "فرنسا الآبية" من أجل كشف ملابسات هذه القضية ومساءلة نائبة الرئيسة، إلا أنها باءت بالفشل إلى غاية أن كشفت جريدة "الغارديان" البريطانية لأول مرة عن هذه الفضيحة في 2022. فضيحة مماثلة هزت أيضا نفس البرلمان لكنها تتعلق هذه المرة بالمغرب الذي اتهم بتقديم هدايا لبعض البرلمانيين الأوربيين مقابل مساندتهم له في بعض الملفات الدولية كملف الصحراء الغربية أو ملف حقوق الإنسان.
والسؤال المطروح، ما هي الخطوات التي بجب أن يتبعها البرلمان الأوروبي لكي يسترجع الثقة التي كان يمنحها له الناخبون الأوروبيون؟
[email protected]
أضف تعليق