أصبح النقب في السنوات الأخيرة، مادة سياسية دسمة لكل الجهات المتنافسة، فبين اعمال الهدم المستمرة منذ سنوات، وقتل المربي يعقوب أبو القيعان على يد الشرطة خلال الهدم في أم الحيران، وتحريض حكومة نتنياهو ضده، إلى فيديو نفتالي بينيت عندما كان في المعارضة والذي عرض فيه اطلاق نار في إحدى بلدات النقب وقال أنه يجب فرض السيطرة أو السيادة الإسرائيلية في النقب، مرورًا بحكومة بينيت لبيد التي لم ترفع يدها عن النقب، وصولًا إلى بن غفير، وإصراره على حيازة ملف النقب في الحكومة ودعايته الانتخابية حول السيادة والسيطرة وضمه لأحد أبز الناشطين اليمينيين في النقب (ألموغ كوهين) وتهديداته بواقع جديد مع استلامه لوزارة الأمن القومي بصلاحياتها الموسعة. ولا يمكن أن ننسى المنافسة بين الأحزاب العربية على النقب، فالموحدة حصلت على أكثر من 55 ألف صوت من النقب ولديها عضو كنيست من النقب كما في كل انتخابات ماضية، وهو وليد الهواشلة، وقائمة الجبهة والعربية للتغيير التي وضعت مرشحين من النقب في المركزين الخامس والسادس، فحصلت على 5 مقاعد ليدخل للكنيست عضو جديد من النقب وهو يوسف العطاونة. بين هذا كله، من الواضح أن أيامًا ساخنة تنتظر النقب في الفترة القريبة.
وركز اليمين "الفاشي" في حملته هذه المرة على موضوع السيادة في النقب، وكرر مزاعمه أن إسرائيل فاقدة للسيادة في النقب وأنها تحتاج لأن تشدد من قبضتها، والمقصود طبعًا على العرب، ويثير كل هذا الكثير من القلق بين المتابعين والناشطين في النقب.
النقب تنقصه السيادة فعلًا، ولكن على مستوى التعليم والبنى التحتية والخدمات .. وليس بالشرطة
في هذه الكنيست، يمثل النقب عضوا كنيست، يوسف العطاونة عن الجبهة والعربية للتغيير ووليد الهواشلة من الموحدة، وكلاهما سيعملان بشكل خاص على قضايا النقب، ولكن أمام أكثر حكومة عنصرية ضد النقب، وفق التصريحات على الأقل، يقول عضو الكنيست يوسف العطاونة: "الحملة الإعلامية لبن غفير وسموتريتش اعتمدت كلها تقريبًا على التحريض على النقب، لديهم أيديولوجية واضحة في النقب ويريدون تنفيذها، وهنالك بنود واضحة في الاتفاقيات تتحدث عن تهويد النقب. وطبعا يتحججون بمكافحة العنف وفرض السيادة، رغم أني أرى بأن النقب يعاني من عمليات قمع وتنفيذ مبالغ بها، وليس من ضعف في سلطة الدولة، لكن من جهة أخرى، اذا ارادت الدولة أن يكون لديها سيادة، السيادة لا تكون فقط بالقمع والقوة، بل تكون بالاعتراف بالقرى وبتقديم الخدمات التي تقدمها كل دولة لمواطنيها، هكذا تفرض الدول سيادتها، عندما تكون للناس، للشباب والأطفال، أطر حكومية تخدمهم، هنالك أكثر من 4000 طفل أعمارهم بين 3-4 سنوات لا يوجد لديهم أي إطار تعليمي، وغيرها من المشاكل، هذه هي السيادة التي تنقص النقب، وليس القوة".
وتابع: "من يظن أن الحكومة الماضية كانت جيدة مع النقب، هو يضلل الناس ببساطة، فتعامل الشرطة كان أقسى وكل القوانين والتصريحات والمخططات كانت معادية للنقب بشكل كبير، تنافسوا على ضرب النقب أكثر، نحن مع أن تقوم الشرطة بعملها، ولكن بدورها كشرطة لحماية الناس وليس كشرطة لمعاداتنا".
وحول خطط التصدي لممارسات الحكومة المتوقعة :"نحن في الأساس نعوّل على وحدة أهل النقب، ففي برافر وفي مخطط التحريش في سعوة وفي الاعتراف بالقسوم وواحة الصحراء وغيرها، أثبتنا أن العمل الموحد والاحتجاج الشعبي يستطيع أن يحد من ممارسات المؤسسة ضدنا، والعمل الآن تحت مظلة لجنة التوجيه العليا يجب أن يكون منظمًا ووحدويًا لأن النقب يشكل المطمع الأساسي للمؤسسة الإسرائيلية، فهو أكبر احتياطي للأراضي في يد العرب، والدولة تدعي أننا لا نملك هذه الأراضي بينما وفق كل الوثائق وحتى وفق الصور الجوية من أيام الدولة العثمانية، أهل هذه القرى في النقب يتواجدون فيها، وكل الادعاءات بأن سكان النقب هو بدو رحّل يتنقلون من مكان إلى آخر هي ادعاءات باطلة. حتى بئر السبع التي أصبحت اليوم مدينة مختلطة، كانت قبل قيام إسرائيل مدينة عربية ومركزًا لأهل النقب وفيها بلدية ورؤساء هذه البلدية كانوا من عائلات بدوية من النقب".
"هنالك محاولة تشويه لعرب النقب، بينما في الحقيقة في بئر السبع مثلًا يعيش الآلاف من العرب، وكل مدارس بئر السبع فيها طلاب عرب والحياة المشتركة قائمة بشكل طبيعي، والحالات السلبية قليلة وشاذة، لكن العنصريون يصرون على التحريض، وعلى إقامة المنظمات العنصرية المعادية للعرب، ويحاربون كل ما هو مشترك للعرب واليهود، والمشكلة أن هؤلاء اليوم سيمسكون زمام الحكم وهذا مقلق جدًا، ولكننا سنواجه كل هذا بالعمل الوحدوي".
تسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية
"باعتقادي الأمر الأهم هو أن نبدأ بتسمية الأمور بسمياتها الحقيقية، وهذا أكثر ما قد يزعج الحكومة الإسرائيلية الجديدة ويقلقها، بمعنى أن قراءتنا للمشهد يجب أن تتغيّر وفق التغيير الذي حصل ويحصل في الساحة السياسية الإسرائيلية التي تتوجه بشكل مباشر وسريع نحو الفاشية" تقول د. امل الصانع وهي محاضرة وكاتبة وناشطة من النقب وتعيش في كندا، وتضيف: " يجب أن نتحدث لإسرائيل وعن إسرائيل كما هي بالضبط، كدولة اثنوقراطية عنصرية بات يحكمها التطرف، وحتى أن نستخدم عبارات مثل الإرهاب اليهودي، كما استخدموا عبارات الإرهاب الإسلامي، أليست الاعتداءات على الفلسطينيين في الخليل وغيرها على خلفية دينية، أليست ارهابًا يهوديًا؟ يجب أن ندخل في ذهنية العالم هذه المصطلحات، فأنا بعد أن عملت 25 عامًا مع مختلف الوزارات في إسرائيل، أقول أن هذه المؤسسة يجب أن توضع وتُحشر في الزاوية حتى تتوقف عن ممارساتها أو تقلل منها، يجب أن نُظهر للعالم أن إسرائيل لا تختلف عن إيران أو عن أي دولة دكتاتورية ومتطرفة في العالم وأن اليسار الإسرائيلي عليه أن يفهم أن هذا انقاذ دولته هو على عاتقه وأن أحدًا لن يستطيع الدفاع عنها في كل العالم بعد استلام بن غفير وجماعته لزمام الأمور".
وحول النقب وما قد يواجهه تقول د. الصانع: "النقب هو خاصرتنا الرخوة والضعيفة كفلسطينيين في الداخل، فهو المكان الضعيف تنظيميًا وإعلاميًا وتوعويًا، ففي الواقع، مناطق المثلث والجليل والساحل متقدمة بشكل كبير على النقب، وصل إليها التعليم قبل، والنشاط السياسي قبل، فالنقب الذي يعاني قسم كبير من مواطنيه من الافتقار للأمور البسيطة مثل الماء والكهرباء، ما زالت شرائح كبيرة منه بعيدة عن التنظم السياسي والإعلامي وبالتالي عن الوعي لمواجهة هذه المخططات، وحتى الشرائح التي تقدمت في مسارها النضالي، يعتبر كل نشاطها حديث نسبيًا وبدأ فقط بسنوات الثمانينات. ومن جهة أخرى فإن النقب يشكل مخزون الأراضي الأكبر في يد العرب وبالتالي المطمع الأكبر للسلطات الإسرائيلية، ففي الجليل والمثلث لم يعد لديهم الكثير من الأراضي ليصادروه بينما النقب ومساحاته الكبيرة يشكل مطمعًا كبيرًا، لذلك هم استهدفوا النقب دائمًا وتخيفهم جدًا عمليات تنظمنا ونضالنا المشترك ولطالما سعوا لتقسيمها ولفصل عرب النقب عن باقي الفلسطينيين ولكن ما حصل في السنوات الأخيرة فاجأهم بشكل كبير، لذلك هم يحاولون طمس هذا الحراك بحجج فرض السيادة ويحاولون ربط هذه الحراكات ببعض مظاهر العنف في النقب، وهذا طبعًا يقوده اليمين المتطرف من جمعيات وأحزاب، والتي ستستلم اليوم زمام الأمور".
"إسرائيل حاولت في كل الطرق لضربنا، إما بتقسيمنا أو بزرع الشكوك بقياداتنا أو بغض البصر عن تفشي الجريمة والسماح للعصابات الاجرامية بأن تفعل ما تشاء، ونحن كنا تربة خصبة لهذه المؤامرات، فسقطت الكثير من الثوابت والقيم وأصبح مجتمعنا في حالة سيئة، وهذا يضرب نضالنا المشترك ويضرب كل مشاريعنا الوحدوية والتوعية، والآن تريد تعزيز هذا الفكر بحكومتها الجديدة هذه، فلطالما كان تعامل الدولة معنا في كيفية محاصرتنا والتضييق علينا، والآن يريد بن غفير الزج بالشاباك والجنود لمواجهتنا، ونحن نتحدث عن مؤسسات تربّت وتعلمت مواجهة الآخر كعدو، فالجندي يتعامل مع كل من يواجهه كعدو، كذلك المخابرات، بينما الشرطة في الوضع الطبيعي وظيفتها حماية المواطن، وهذا بشكل أو بآخر معناه أن التوجه هو قمعنا وربما قتلنا وليس بهذا الشكل يتم القضاء على العنف، ليس بالقمع والدكتاتورية، نسبة الجرائم في دول دكتاتورية مثل السعودية وإيران وحتى كوريا الشمالية، منخفضة جدًا، والسبب هو القمع والضرب بيد من حديد، هل تريد إسرائيل أن تتحول إلى دولة دكتاتورية؟ وكيف تستطيع بعد ذلك أن تتغنى أنها دولة ديمقراطية فيها حقوق انسان؟ بينما هنالك نماذج لدول مثل كندا والسويد وغيرها، نسبة الاجرام فيها متدنية جدًا ويرفع الناس الأعلام التي يريدونها، ويتظاهرون كما يريدون، ولا يؤثر هذا على الدولة ولا يضايقها، لأننا نتحدث عن دول ديمقراطية ناضجة، أما إسرائيل فلم تعد قادرة على أن تكون ناضجة وديمقراطية بل تحولت إلى دولة دكتاتورية اثنوقراطية وفاشية ليس فيها أي شيء يشبه النظام الديمقراطي التعددي، وهي تؤذي نفسها وصورتها أمام العالم، ونحن بدورنا في النقب وفي الداخل بشكل عام، وأمام هذه الحكومة التي سترفع من شدة وقسوة تعاملها معنا في الاحتجاجات، اذا تظاهرنا أو خرجنا للتعبير عن رأينا، وقد يؤدي هذا إلى سجن شبابنا أو حتى قتلهم، علينا أن نستخدم الطرق الأخرى وأبرزها مواقع التواصل، وأن نفضح هذه المؤسسة في كل العالم ونتنظم بهذا الأسلوب، بأن يكون عملنا ممنهجًا ومنظمًا، وستجد حكومة إسرائيل نفسها في وضعية محرجة وصعبة".
هنالك استخفاف بالأمر بين الناس، وهذا خطير
"بالطبع هنالك قلق من هذه الحكومة، ولكن ليس أمامنا سوى العمل على كافة المستويات لمواجهتها" يقول عضو الكنيست السابق ورئيس لجنة التوجيه العليا لعرب النقب، جمعة الزبارقة، ويضيف: "أولًا علينا العمل موحدين، لجنة التوجيه وكافة الجمعيات الأهلية ورؤساء السلطات المحلية والناشطين وأعضاء الكنيست من كل الأحزاب، وقد بدأنا بعقد الاجتماعات والاستعداد للتحديات المستقبلية تحت عنوان "النقب إلى أين في ظل هذه الحكومة"، علينا ببساطة أن نحدد وجهتنا بشكل موحد فالتحديات أمامنا كبيرة. ثانيًا، علينا السعي لتدويل القضية، فالعالم يهتم بما يحصل في القدس والضفة وفي غزة ويعتبر ما يحصل في مجتمعنا كأمور داخلية إسرائيلية، يجب على العالم كله أن يعلم ما الذي يحصل وما الذي تخطط له وتفعله هذه الحكومة، عبر مواقع التواصل من جهة وعبر التوجه إلى المؤسسات العالمية. وثالثًا يجب التعامل مع اليهود الديمقراطيين من سكان النقب بشكل خاص ومن البلاد عامة، فقد انشأنا منتدى ضد العنصرية والتحريض بعد أحداث العام الماضي ويجب أن نكون شركاء في كل المظاهرات والبرامج، خصوصًا وأننا أمام حكومة تسعى لقمعنا بشتى الطرق، ووجود يهود بجانبنا في البرامج الاحتجاجية سيمنع من استخدام القوة للقمع".
وتابع متحدثًا عن مخاوف الناس "من جهة إذا سألت الناس في النقب سيقولون لك أن بن غفير مثل غيره وأنه لا يقلقهم، وانا طبعًا لا أوافق على هذا الفكر، فنحن نتحدث عن أصحاب فكر عنصري متجذر ولا يمكنهم التراجع عنه، اذا تراجع بن غفير عن عنصريته وحدة ممارساته ضد العرب سيخسر شعبيته، ولكن الناس لا يعون هذا الأمر كثيرًا. ومن جهة أخرى هنالك تخوف من مسألة الاعتقالات الانتقامية، فهنالك العشرات من شبان النقب ما زالوا معتقلين ويتعرضون للمحاكمة منذ أحداث أيار 2021، والتهم التي وجهت إليهم مضخمة بشكل مخيف بهدف ردع الآخرين".
[email protected]
أضف تعليق